القاهرة: صفاء عزب
عندما تولى أبي أحمد الحكم في إثيوبيا توسم الكثيرون في رئاسته للوزراء النجاح في تحقيق الاستقرار والأمن المنشود وكذلك الرخاء والنهضة لبلاده، خاصة مع اتخاذه بعض الإجراءات الإصلاحية في بداية الأمر وحرصه على إظهار الجانب المضئ للعالم فيما يتعلق بعلاقته بجيرانه وقيامه بعقد اتفاقات للسلام لطي صفحة الحرب والصراعات الإقليمية، وهو ما أهله للحصول على جائزة نوبل للسلام وتهافت المجلات الغربية على وضع صورته على أغلفتها تقديرا له كرجل دولة إفريقي من طراز جديد يأتي لتحقيق أحلام شعبه والشعوب المقهورة في منطقته.
لكن سرعان ما تكشف زيف هذه الصورة وكشفت سياسته الاستفزازية بالمنطقة عن أطماعه التوسعية ورغبته الدفينة في تحقيق حلمه القديم ليكون امبراطورا، وهو الحلم الذي دفعه لاتخاذ نهج سياسي أناني لا يهدف إلا إلى مصلحته على حساب مصالح الآخرين من جيرانه في القارة السمراء.
ويبدو أن مجلة الفورين بوليسي الغربية قد اكتشفت هذه الحقيقة مبكرا فكتبت عنه مقالا وصفته فيه بأن له عدة وجوه جعلته صديقا للجميع ولكنه في نفس الوقت غير مخلص لأحد!
واقع الأمر أن أحلام أبي أحمد ذلك الشاب الإثيوبي الذي وصل لسدة الحكم في بلاده سعيا وراء مجد إمبراطوري كبير كان ولايزال يراوده منذ كان طفلا صغيرا يحدث به أمه، سرعان ما أخذت تتبدد بعد شهور قليلة من البريق والألق الذي أحاطه، بسبب المشكلات والأزمات الداخلية والخارجية التي بدأت تطارده وتعكر صفو حلمه الوردي.
أزمات سياسية داخلية
على الرغم من سعيه لإقامة نظام حكم مركزي لمعالجة اختلالات الحكم الفيدرالي العرقي، إلا أنه فشل في إدارة بلاده والعبور بها من ساحات الحروب إلى بر الأمان، بل حاصرته الأزمات من جديد وتسبب في إغراق بلاده في مشكلات وصراعات في الداخل والخارج نتيجة لسياساته الاستفزازية التي يحاول بها التغطية على فشله.
لقد حرص أبي أحمد في بدايته السياسية على التظاهر بدعم النهج الديمقراطي في بلاده وفتح الباب لمختلف أنواع الحريات والإفراج عن المعتقلين ودعوة المعارضين بالخارج للحوار والعودة للوطن وكذلك إتاحة المناصب العليا للمرأة فمنحها نصيب كبير من المراكز الرفيعة في حكومته، مما أدى لاعتقاد الكثيرين بأن إثيوبيا في ظله على أعتاب عصر جديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية بل وعلى كل المستويات. ولكن الممارسة العملية كشفت عن الوجه الحقيقي لرئيس الوزراء الإثيوبي، فسرعان ما انتهى شهر العسل بينه وبين شعبه، لتندلع الاحتجاجات الشعبية التي تعامل بها صاحب نوبل للسلام بعنف وقسوة شديدة لاتمتان بصلة لروح الديمقراطية التي كان يتظاهر بها. وبرزت من جديد توابع حالة الاستقطاب الحاد بين مختلف القوى السياسية في إثيوبيا والتي يزيد من خطورتها ارتباطها بالجذور العرقية والإثنية وما خلفته من اضطرابات أمنية وانتشار للأسلحة بين مختلف القوميات ليعود شبح الحرب الأهلية ويخيم من جديد تحت مظلة حكم أبي أحمد الذي لم يخل من أزمات اقتصادية مستحكمة انعكست سلبا على أوضاع شعبه فزادت المعاناة، وهو ما يفسر لنا إصراره على مشروع سد النهضة وتحديه للدول الإفريقية وكل المواثيق الخاصة بتقسيم مياه نهر النيل، رغبة منه في التفاف شعبه حول هذا المشروع القومي وإعطائهم الأمل في قرب التغلب على مشكلاتهم المزمنة.
صراعات عرقية وفشل حكومة المركز
بطبيعة الحال لا يمكن تناول موضوع الصراعات السياسية في إثيوبيا دون التطرق إلى المشكلات الإثنية، فمنذ مجئ أبي أحمد للسلطة وقد تفجرت الصراعات العرقية من جديد رغم محاولاته لامتصاصها في أول الأمر، لكنها محاولات أدت لنتائج عكسية، وهو وضع لا ينفصل عن خارطة القوميات داخل إثيوبيا. ومثلها مثل أغلب دول القارة السمراء، تعاني إثيوبيا من تنوع وتعدد القوميات حيث توجد ثلاث قوميات رئيسية تشكل أغلبية السكان وهي الأورومو وتشكل حوالي 34% من الشعب الإثيوبي يليها الأمهرة بنسبة 26% ثم التيجراي بنسبة 6% إلى جانب مجموعات عرقية أخرى، لكن الصراعات الداخلية ارتبطت أكثر بهذه القوميات الثلاثة. عندما تولى أبي أحمد السلطة في إبريل 2018 عمل على إجراء بعض الإصلاحات السياسية في محاولة لتغيير أساس النظام من العرقية الإثنية إلى نظام قائم على ائتلاف يضم التحالفات العرقية القوية، وفي نفس الوقت عمد إلى تفكيك جبهة التيجراي ودمجها في مفاصل الدولة، لكن ضعف الحكومة المركزية في مواجهة حكومات الأقاليم وخلل بنيانها أدى لفشل ذريع في احتواء شعب التيجراي الذي تفجر غضبا بسبب تصاعد العنف لتشتعل حرب داخلية شعواء عام 2020 وذلك بعد إقالة ابي أحمد قياداتهم في الحكومة وملاحقتهم وقصف وتدمير الإقليم، وهي الحرب التي أدت إلى مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف منهم. ولم تكد تنتهي حرب التيجراي عام 2022 حتى فوجئ أبي أحمد باشتعال جبهة داخلية أخرى، فعلى الرغم من مشاركة قومية الأمهرة في حرب الحكومة ضد التيجراي، إلا أنهم أعلنوا عن غضبهم بعد انتهاء الحرب لقيام الحكومة بدمجهم مع جميع قوات الأمن العسكرية والشرطية في كل الأقاليم الإثيوبية الأمر الذى أدى إلى اندلاع قتال عنيف في عام 2023 بين شعب الأمهرة بقيادة ميليشيا فانو المحلية والحكومة المركزية.
المثير في الأمر أن أبي أحمد فشل في إرضاء واحتواء كل القوميات داخل بلاده بما فيها القومية العرقية التي ينحدر منها هو شخصيا. لقد سعد شعب الأورومو كثيرا بخلع ديسالين وتعيين ابنهم أبي أحمد بدلا منهم على أمل تعويضهم عن سنوات الظلم والمعاناة نتيجة انتهاك حقوقهم والتمييز ضدهم، لكنهم سرعان ما شعروا بخيبة الأمل من حكم أبي أحمد وافتقاد الثقة فيه واتهموه بتهميشهم وتضييع حقوقهم السياسية. وكانت واقعة مقتل مغني شهير منهم شرارة أشعلت اشتباكات وموجة غضب واسعة لشعب الأورومو ضد الحكومة الإثيوبية.
لقد فشل أبي أحمد في التعاطي الموضوعي مع الإثنيات المختلفة واستخدمهم كأسلحة لمواجهة بعضهم البعض ما أدى إلى نزع الثقة بينه وبينهم، وصارت كل قومية تسعى للقضاء على الأخرى وإقصائها من المشهد لتحقيق طموحاتها السياسية، ما يعني استمرار البقاء في حلقة مفرغة وسط احتمالات قوية لتجدد الحروب الداخلية.
إلى جانب عجز الحكومة وفشلها في هذه الأزمات، يثور التساؤل حول ما إذا كانت هناك رغبة وإرادة حقيقية لدى أبي أحمد في تسوية الصراعات وتخفيف حدة الاستقطابات العرقية!
وفتنة طائفية أيضا!!
لم يتوقف الأمر عند الخلافات العرقية على السلطة والتنازع على الحقوق السياسية، إنما امتد الأمر في عهد أبي أحمد إلى حدوث ظواهر مجتمعية جديدة خطيرة تمثلت في ملامح فتنة طائفية بين أصحاب الديانات المختلفة.
لقد تعرض المسلمون في إثيوبيا إلى استهداف متطرفين لمساجدهم ومحلاتهم التجارية في واقعة احترقت فيها أربعة مساجد في إقليم أمهرا في بلدة “موتا” بمنطقة “غوجام” واعتداء على ممتلكات إسلامية أدت لاشتعال مظاهرات واحتجاجات غاضبة.
لم يقتصر العنف الديني على ما بين الديانات المختلفة وإنما تفجرت ملامحه في أوساط أبناء الديانة الواحدة وهو ما شهدته إثيوبيا من صراعات بين أصحاب الديانة المسيحية فيما بين البروتوستانت والأرثوذكس سرعان ما ظهرت بعد شهور قليلة من تولي أبي أحمد. ففي يوليو عام 2019 تم قتل أكثر من 100 شخص من الأرثوذكس وحرق أكثر من 30 كنيسة أرثوذكسية ما أدى لحدوث احتجاجات واسعة.
وتجدد الصراع بينهما في يناير 2022 عندما نظمت كنيسة خمسينية بروتوستانتية فاعلية للتجمع وجمع التبرعات في ميدان ماسكال الإثيوبي الشهير، مما آثار اعتراض كنيسة التوحيد الارثوذكسية التي تعتبر ذلك الميدان خاصا بهم وحكرا عليهم، الأمر الذي أحدث جدلا دفع محافظ العاصمة للتواصل مع بطريرك الكنيسة الارثوذكسية لحل المشكلة.
ويشعر الإثيوبيون الأرثوذكس بالقلق والخطر مع انخفاض نسبتهم في التعداد السكاني مع انتقال 5 مليون منهم إلى مذهب البروتوستانت بسبب النزعة التبشيرية وارتباطها بتقديم خدمات التعليم وحل مشكلات أبناء طائفتها بفضل ما يصلها من تمويلات خارجية تبلغ 70% من دخل الكنيسة وفي ظل حرية التدين التي كفلها النظام الفيدرالي التي جعلت من السهل على البروتوستانت شراء أرض لبناء كنائسهم ومدافنهم حتى صارت تتنافس مع منشآت الكنيسة الارثوذكسية.
ويحذر الخبراء من تداعيات هذه الظواهر المستحدثة التي لم تكن موجودة بنفس الحدة قبل مجئ أبي أحمد وهو ما يؤكده البروفيسور النرويجي تيرجي كيستبا المتخصص في دراسات الأديان في إثيوبيا الذي يقول أن إثيوبيا ظلت لفترة طويلة تشهد علاقات سلمية بين أتباع الأديان ولكن الصورة اختلت مؤخرا لظهورما يشبه موجة عنف ديني تزداد مخاطره عندما يكون مترافقا مع حالة الاستقطاب العرقي.
ويعد هذا دليل جديد على فشل آخر لحكومة أبي أحمد، الذي خيب الظنون عندما توسم فيه الجميع ضمان الاستقرار المجتمعي والتعايش الديني بجمعه بين عقيدته المسيحية وخلفيته الإسلامية التي ينحدر منها، وهو ما لم يحدث.
وعلى الرغم من نص الدستور الإثيوبي على العلمانية إلا أن أبي أحمد استغل الدين كوسيلة للسيطرة على شعبه والتلاعب بالقوميات المختلفة وقام بتوظيفه للإعداد للمعارك والشحن المعنوي، وهو ما يؤدي إلى تعميق أكثر للخلافات الدينية.
وعلى سبيل المثال ساهم صراع التيجراي في زيادة التطرف الديني عندما تعمدت الدولة تجويع شعب التيجراي عام 2020 بتدمير القطاع الزراعي والحرمان من الأسمدة والبذور وحيوانات الحقل ما تسبب في تعريض 400 الف نسمة للمجاعة التي أودت بحياة 9500 منهم.
وتحذر دراسات حديثة ذات صلة من خطورة تنامي ظاهرة الصراع الديني في إثيوبيا الذي أرجعته إلى فشل حكومة أبي أحمد في عملية بناء الدولة القومية ومراوغة النخبة الحاكمة في عمليات تقاسم السلطة وزيادة عملية التمثيل غير المتكافئ داخل القطاع الأمني لصالح نخب سياسية بعينها ومنح البروتوستانت عدد أكبر من الوظائف الحكومية، بما يشي بحدوث فساد كامن في السلطة تسبب في انتشار الأسلحة في أيدي الميليشيات المشبوهة.
المشاكل الحدودية والأطماع التوسعية
تعد الخلافات الحدودية من المشكلات المستمرة التي تشكل صداعا دائما في رأس القارة الإفريقية. وعلى الرغم من وجود اتفاقيات تاريخية لتنظيم هذه المسألة بين الدول إلا أن المشكلة تتأزم بصورة فجة في منطقة القرن الإفريقي، بسبب انتهاج إثيوبيا سياسات استفزازية لجيرانها ناتجة عن أطماع توسعية لاستعادة حلم المجد الإمبراطوري القديم. وأدى ذلك إلى إثارة حالة من التوتر، رغم الإجراءات “الإستعراضية” التي قام بها أبي أحمد بعد وصوله للسلطة بزياراته المختلف لدول الجوار وتتويجها بالإعلان عن طي صفحات الماضي وفتح صفحات جديدة يسودها السلام والتعاون. إلا أن ممارساته الواقعية كشفت عن مكنون خطته في السيطرة على المنافذ البحرية لدى جيرانه والوصول بأي وسيلة للمياه الدافئة مهما كلفه ذلك من صدامات مع الجيران تخالف ما يتظاهر به من دعوة للسلام، الأمر الذي أثار الريبة لدى جيرانه وجعلهم ينظرون إلى “أديس أبابا ” كجارة عدوانية لا أمان لها.
تأكيدا لذلك، فقد طغت إثيوبيا على جيرانها في العديد من المواقف والوقائع التي كانت محل استنكار إقليمي ودولي لما تمثله من اعتداء صارخ على القوانين الدولية وتجاهل لسيادة جيرانها على أراضيهم.كان أحدثها محاولة أبي أحمد الدخول من الباب الخلفي للسيطرة على منفذ بحري صومالي بطريقة ملتوية حينما عقد اتفاقا مع إقليم انفصالي هو “أرض الصومال”غير المعترف به دوليا، تحقيقا لمطامعه في الوصول للبحر الأحمر وامتلاك منفذ ساحلي عليه بطول 20 كيلو يضم خصوصا ميناء بربرة وقاعدة عسكرية وهو ما تسبب في أزمة كبيرة مع دولة الصومال، وكان سببا في قيام الصومال بعقد اتفاق ثلاثي مع إريتريا ومصر وكذلك تعاون عسكري مع الأخيرة لمواجهة الخطر الإثيوبي في انتهاك سيادة دول الجوار.
إلى ذلك كانت هناك محاولات لاعتماد إثيوبيا على ميناء جيبوتي قبل أن يسعى أبي أحمد للسيطرة على المزيد من المنافذ الساحلية في إطار خطته للسيطرة على أهم خمسة موانئ في منطقة القرن الإفريقي منها ميناء بورتسودان بالسودان وميناء بربرة وميناء عصب الإريتري وكذلك مصوع الإريتري أيضا والذي قام من أجله باتفاق سلام مع الجانب الإريتري بعد سنوات طويلة من الحروب في يوليو 2018 مقابل إعادة الأراضي المتنازع عليها لإريتريا لكن سرعان ماتجمد المخطط مع تورط الحكومة الإثيوبية في نزاعات محلية وإقليمية منها حرب التيجراي ومناوشاتها على الحدود مع السودان، بسبب مطامعها في الاستيلاء على منطقة الفشقة السودانية مستغلة الموقع الجغرافي الذي يتيح لها محاذاة أربع ولايات سودانية، هي القضارف وسنار وكسلا والنيل الأزرق.
على صعيد آخر يتهدد إثيوبيا كدولة بالقرن الإفريقي مخاطر تنعكس سلبا على استقرارها في الفترة الحالية يأتي في مقدمتها الأنشطة الإجرامية من قرصنة وإرهاب وتهريب أسلحة، وهي أنشطة في فترات الصراعات العرقية حيث تكون الحدود مفتوحة وسيطرة الجهات الأمنية أقل إحكاما بحكم تعدد جبهات الصراع التي تشتعل بين وقت وآخر بالداخل والتي تلعب دورها في ترويج تجارة السلاح سيما مع انتشار الميليشيات. وفي هذا السياق يحذر خبراء عسكريون إثيوبيون مما يسمى تحديات الجيل الرابع من الأسلحة التي تنتشر وتهدد الأنظمة العسكرية التقليدية ما يفرض ضرورة التطوير بالنسبة لجيوش المنطقة للتمكن من مواجهة هذه التكنولوجيا.
التواجد المصري
في ظل هذه التهديدات الإثيوبية في منطقة القرن الإفريقي التي تتمتع بأهمية استراتيجية لدول المنطقة ولمصر أيضا باعتبار أمنها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، كان من الطبيعي أن تتحرك مصر مع الدول المضارة من هذه التهديدات، وتتلاقى إراداتها مع إرادتي الصومال وإريتريا في توطيد علاقات التعاون لمواجهة أي خطر، وهي الخطوة التي تلت قيام مصر بعقد أول اتفاق تعاون عسكري من نوعه مع الصومال تأكيدا على صرامة موقفها من النهج الإثيوبي العدواني بالمنطقة.
لاشك أن تواجد مصر في المنطقة ووقوفها ودعمها العسكري للصومال ثم تعاونها مع الصومال وإريتريا بمثابة رادع قوي لكل من تسول له نفسه العبث بأمن دول المنطقة وهو ما أكدته تصريحات أبي أحمد التي عكست انزعاجه وقلقه الشديد من التحالف الثلاثي وهو ما دفعه للتوعد ضد كل من يمس بلاده. ولذلك يمكن اعتبار هذا التطور الإقليمي الجديد فرصى مهمة لزيادة الضغط على إثيوبيا حتى تتوقف عن نهجها التوسعي بالمنطقة.
ولكن على صعيد آخر يثير هذا التطور تخوفات من تحول المنطقة إلى ساحة للصراع وحروب الوكالة بين مصر وإثيوبيا لما بينهما من توتر بسبب أزمة سد النهضة، خاصة في ظل توطد العلاقة بين إثيوبيا وإسرائيل واستفادة الأولى من دعم عسكري كبير وكذلك دعم مادي ونوعي قد يغريها للتطاول على الجيران والانتقام منهم. ويثور تخوف من أن يدفع الصومال ثمنا للصراع المصري الإثيوبي خاصة مع احتمالات مخاطر العبث الإثيوبي بالامن الصومالي في ظل تواجد إثيوبي عسكري وأمني كبير بالصومال عبر اتفاقيات ثنائية إلى جانب رفض بعض الحكومات الإقليمية الصومالية وخاصة الإقليم الجنوبي الغربي للتواجد العسكري المصري وتأييدهم لبقاء القوات الإثيوبية.
لكن قوة مصر العسكرية لا يستهان بها كما أن هناك أطرافا دولية أخرى في المنطقة ليس من مصلحتها وصول الصراع إلى مستوى الحرب، منها الصين والولايات المتحدة الأمريكية العدوتان اللدودتان اللتان تطاردان بعضهما البعض وتتنافسان بشكل محموم على تعظيم مصالحها في منطقة القرن الإفريقي الاستراتيجية. ومع ذلك تبقى لإسرائيل مخططاتها في التوغل في القارة السمراء عبر إثيوبيا صديقتها وبناء علاقة قوية معها ودعمها في مشروع سد النهضة على أمل الحصول على حصة من مياه نهر النيل والاستفادة الاقتصادية من مشروعات السد الإثيوبي. ولذلك يتطلب الأمر من التحالف الثلاثي التمسك بتحالفهم والعمل بحزم وجدية على تطويره بما يمكنهم مواجهة أي خطر إثيوبي.
الموقف الدولي
يتحرك أبي أحمد على الصعيد الدولي وفق ديناميات السياسة ومتطلبات الأمر الواقع بحيث لا يعمد إلى الدخول في عداء مطلق، وهو ما يجعله قادرا على تفادي الصدام المباشر مع الدول الكبرى والتحرك البراجماتي وفق اعتبارات المصلحة بالدرجة الأولى. ففي عام 2020 توترت علاقته بأمريكا بسبب فرض الأخيرة عقوبات على إثيوبيا وحجبها مساعدات بقيمة 272 مليون دولار عقابا على أزمة التيجراي، وكانت النتيجة تقارب إثيوبيا مع الصين المنافس التقليدي لأمريكا. ولكن بعد مجئ إدارة بايدن خشيت الولايات المتحدة أن تفقد حليفها المهم في القرن الإفريقي في ظل تقاربها مع الصين، فعاد الدفء للعلاقة الأمريكية الإثيوبية بعد اتفاق السلام مع التيجراي ونجاح أبي أحمد من الإفلات من العقوبات الغربية وهو الأمر الذي انعكس سلبا على الموقف المصري من أزمة السد الذي خسر حليفه الأمريكي في المعركة.
ويبقى الموقف الدولي من إثيوبيا عاديا بشكل عام فهو لا يهتم كثيرا بالصراعات الداخلية إلا عندما تنعكس آثارها على المصالح العالمية كأمن واستقرار البحر الأحمر، ووقتها يتم التدخل لاستعادة الاستقرار في إطار حالة التنافس المحموم بين القوى الغربية والصين وروسيا من جانب آخر وحسابات التموضع الأمريكي إقليميا ودوليا.