مواقف الصومال تجاه القضايا العربية (1960-1990)

“الصداقة مع الجميع”  هي أول خطوة اتخذتها حكومة رئيس الوزراء عبد الرشيد شارماركي عام 1960 على الصعيد الخارجي. أبرمت بعد ساعات من رفع علم الاستقلال اتفاق شراكة مع إيطاليا، وقدمت طلبا للإنضمام إلى الأمم المتحدة التي وافقت على عضوية الصومال في 20 سبتمبر عام 1960 . وعلى إثر ذلك بادرت حكومة رئيس الوزراء شرماركي بإقامة علاقات دبلوماسية مع 26  دولة أوروبية، وعربية ، وإفريقية، وآسيوية ، وافتتاح سفارات في العديد من عواصم الدول المؤثرة بينها بريطانيا ، وايطاليا ، وإثيوبيا عام 1961. وفي  القاهرة ، وموسكو،  وبرلين، والرياض عام 1962 .

فالحكومات الأخرى التي عقبت حكومة عبد الرشيد شارماركي كحكومتي عبد الرزاق حاج حسين ، ومحمد إبراهيم عغال  سلكت ذات المسلك واعطت زخما لإستراتيجية بناء علاقات دبلوماسية متميزة  وإن بدرجات متفاوتتة مع الدول العربية الكبرى وذات الثقل الإقليمي والدولي مثل جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية بيد أن هذا التقارب لم يرق للدول الغربية وخاصة إيطاليا التي حرصت حتى قبل الاستقلال على القضاء على مؤيدي الإتجاه العربي المعادي للغرب. في عهد الوصاية الأممية،  ضغطت الإدارة الصومالية على إغلاق حزب صوماليا الكبرى الداعى إلى القومية العربية واعتقال رئيسه محمد حسين وعدد كبير من أعضائه . وعندما اعترض وزير الداخلية الصومالي حاج موسي “بقر” على تلك الإجراء، وأعاد فتح بعض فروع الحزب دون الرجوع إلى الحكومة جرى إطاحته من منصبه.  

في البداية ، ركز الصومال على إقامة علاقات جيدة مع الدول التي ترتبط معه بمصالح قصوى أو توجد فيها جاليات صومالية كبيرة ولم يتمكن من إرسال بعثات دبلوماسية إلى جميع الدول وأن المانع من ذلك كان  العبء المالي لميزانية الدولة. بدأ علاقاته كما أسلفنا بإيطاليا وبريطانيا  وأعطاهما اهتماما خاصا بحكم الروابط التاريخية بين الجانبين وكذلك مع الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي باعتبارهما القوتين المهيمنتين على العالم ، والمملكة العربية السعودية نظرا لمركزها الديني والثقافي،  وجمهورية مصر العربية لدورها الكبير في سعي الصومال للحصول على الاستقلال، وما تلى ذلك من دعم في مجال الثقافة والتعليم[1]. ثم سعى الصومال إلى الانضمام إلى  جامعة الدول العربية ، وذكرت مجلة روز اليوسف المصرية أنه قد تقرر عرض الطلبين  المقدمين من الصومال وموريتانيا للانضمام إلى الجامعة العربية على مؤتمر مجلس روساء الحكومات العربية الذي عقد في الثاني والعشرين من شهر آذار عام 1966، لكن لم يتحقق انضمام الصومال إلى جامعة الدول العربية في ذلك الوقت وحين سئل السيد حسونة الأمين العام لجامعة الدول العربية هل سينضم الصومال إلى الجامعة العربية فقال إن هذا أمر يعود إلى الزعماء الصوماليين انفسهم وذكر أن الجامعة سترحب بالصومال عضوا فيها إذا كان الصومال يعتبر نفسه بلدا عربيا[2].

لم تؤت سياسية الصداقة مع الجميع ثمارها، وأن  مشكلة الحدود بين الصومال والدول المجاورة كانت أحد أبرز العوامل المؤثرة سلبا على العلاقة الصومالية مع نظرائه في العالم ، وقللت من شأن تحركاته داخل النادي الإفريقي أو في النوادي الأخرى ، وكانت مواقف الدول تجاه الأراضي التي كانت تحت الاحتلال الإثيوبي أو الفرنسي أو الكيني تلعب دورا في تحديد طبيعة علاقة الصومال مع الدول. ونص ذلك بشكل صريح برنامج الحكومة الصومالية السادسة  حول السياسية الخارجية ، حيث أكد أن معيار الود والتقارب الذي تقيمه مع أي هيئة أو بلد يرتكز على التفهم الذي تبديه تلك الهيئة أو البلد بالنسبة لسياسة الحكومة الصومالية تجاه الأقطار الصومالي ة المحتلة[3].

 وبالتالي لم يتمكن الصومال من إقامة علاقة استراتيجية مع أحد من الأطراف التي ذكرناها، بل إنها عاملت مع الصومال بحذر خوفا من تداعيات السياسة الصومالية غير المنضبطة في بعض الأحيان ، وحتى الاتحاد السوفيي الذي دعم الصومال بقوة تخلى عنه، لأنه لم يثق بالسياسة الصومالية متهما إياها بالتقلب وعدم الثبات. لكن رغم ذلك أثبت الصومال جدية سياساته تجاه الدول العربية على طول الخط ووقف إلى جانب قضاياه العادلة ليس فقط طمعا وانما إيمانا بتحقيق العدالة والحق، ورغبة في إقامة علاقات متميزة مع الدول الذي تربطه بمصير وأهداف مشتركة.

الصومال والنزاع العربي الإسرائيلي

اهتم الصوماليون بقضايا العالم العربي والاسلامي حتى  قبل الاستعمار، وكانوا يتابعونها عبر الإذاعات والصحف وأقرب مثال لذلك موقفهم من العدوان الثلاثي على الجمهورية العربية المتحدة في أكتوبر  عام 1956 حيث تقدم كثير من الصوماليين للتطوع في القتال مع مصر ضد إسرائيل؛ لأنهم كانو ينظرون إليها على أنها قلعة ومأوى العرب، وتعهد بعض زعماء الصومال بإرسال مقاومين إلى الأراضي المقدسة في فلسطين المحتلة . وذكرت صحيفة الوحدة في عددها الصادر  يوم الجمعة 12 ديسمبر 1947 أن  عبد الرحمن عزام  باشا الأمين العام للجامعة الدول العربية تلقى برقية من مدينة بربرة بتوقيع من الأمير عبد القادر سلطان يقول فيها إن 50  ألفا من المقاتلين الصوماليين مجهزين بأحسن العتاد تحت امرته وأنهم على رهن  إشارة من الجامعة العربية[4]. وشكل الأهالي في الصومال الإيطالي لجنة لجمع الإعانة لفلسطين برئاسة الشيخ أحمد مدهش الخرباش ، ولجنة أخرى في هوبيه برئاسة الشيخ أحمد محمد شحبل[5].

في عام 1967،  أعلن الصومال دعمه القوي للمملكة العربية السعودية بشأن الصراع مع اسرائيل ، وقرار الملك فيصل بن عبد العزيز وقبله الملك سعود بمقاطعتها،  ووقف تصدير البترول  للدول الداعمة لإسرائيل ، وبعث الرئيس الصومالي  السيد آدم عبد الله عثمان في يونيو عام 1967 برقية إلى الملك فيصل يؤكد على وقوف بلاده إلى جانب أشقائه العرب ودعمه القوي لقرارات المملكة العربية السعودية. وجاءت رسالة الرئيس آدم كما يلي:

 جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية – الرياض.

لقد سمعنا بالإعتداء الغاشم الذي قامت به اسرائيل وأنني أود أن أبعث لجلالتكم نيابة عن حكومتي وشعبي تأكيدنا الراسخ و تأييدنا التام وأحب أن أشعركم أننا مستعدون لتقديم أية مساعدة في حدود طاقتنا للدفاع عن أرض اخواننا العرب وإعادة فلسطين التي اغتصبها الصهاينة بتأييد ومساندة القوى الأجنبية واعداء الوحدة العربية أولئك الذين خلقوا اسرائيل لأغراضهم الدنيئة. 

وتقبلوا فائق التحية والاحترام.

آدن عبد الله عثمان رئيس جمهورية الصومال.”

 وفي رد لهذه الرسالة بعث الملك فيصل بن عبد العزيز رسالة إلى الرئيس الصومالي جاء فيها ما يلي:

 حضرة صاحب الفخامة الأخ الرئيس آدم عبد الله عثمان رئيس جمهورية الصومال

 أشكر فخامتكم من صميم القلب على تأييدكم ومناصرتكم لإخوانكم في الدين الذين يخوضون معركة المصير دفاعا عن دينهم وعروبتهم ومقدساتهم وأننا لنسأل الله العلي القدير أن يأخذ بيدنا ويمدنا بنصر من عنده  .

التوقيع فيصل.

أوضح السفير الصومالي لدى الكويت موسى إسلام فارح  في مقابلة مع صحيفة القبس الكويتية  عام 1974 أن «الصومال وقف دائماً إلى جانب الحق العربي، وكان للصومال دور فعال في إقناع الدول الأفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع العدو الصهيوني، وكان ذلك يتم بإرسال الوفود إلى هذه الدول لإقناعها بعدالة القضية العربية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره». وقال السفير الصومالي: «إنه خلال معارك يونيو -حزيران- عام 1967 قرر الصومال إرسال قوات إلى الجبهات العربية لكن المعركة انتهت قبل إرسالها، وفي حرب 6 اكتوبر قدمنا جميع المساعدات المادية والمعنوية والطبية إلى كل من مصر وسوريا، وهناك الآن لجنة شعبية يرأسها نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ووزير الداخلية لجمع التبرعات وتقدم كثيرون من الشباب الصومالي للتطوع مع الجيوش العربية في معركة الشرف» .

وخلال عدوان إسرائيل على مصر عام 1967 وقف الصومال حكومة وشعبا إلى جانب مصر والدول العربية  التي احتلتها إسرائيل على راضيها وشارك بقوة في الجهود الدولية للتنديد بإسرائيل واجبارها على  الانسحاب من الاراضى العربية المحتلة. قال محمد إبراهيم عقال رئيس الوزراء الصومال في مؤتمر صحفي بعيد تعيينه رئيسا للوزراء عام 1967 إنه مادام فشل العالم في استنكار العدوان الاسرائيلي على العرب ومطالبة إسرائيل بسحب قواتها من الأراضي العربية المحتلة فلن يكون هناك سلام في تلك المنطقة. وفي هذا العام  طالب الصومال عقد جلسة استثنائية لوزراء خارجية منظمة الوحدة الإفريقية في أديس أبابا في 28 يونيو عام 1967 لمناقشة عدوان إسرائيل على الجمهورية العربية باعتبارها عضوا في المنظمة. وقدم وزير الخارجية الأسبق عمر عرته غالب الذي كان وقتها سفير الصومال لدى إثيوبيا مذكرة بإسم حكومته إلى سكرتيرية المنظمة. وقالت المذكرة إن المنظمة لا يمكن أن تقف مكتوفة الإيدي أمام عدوان صارخ على دولة ذات سيادة من أعضائها لكن الصومال قررت التاجيل بعد التشاور مع مصر حتى تنتهي الدورة الاستثنائية  للجمعية العمومية بحسب ما  نشرته جريدة الأحبار المصرية عام  1967.

وفي الأثناء صرح السيد على أحمد حاجي دعاله سفير الصومال بالقاهرة إن الصومال أمة وشعبا في الحضر والبوادي يساند القضية العربية ويرى أن الحل الوحيد أولا وقبل كل شيئ وبدون شروط هو انسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية إلى  ماكانت عليه قبل 5 يونيو وأن الصومال تدعم العرب بكل ما تملك من  قوة مادية وعسكرية ومعنوية فمصير الصومال مرتبط  بمصير شعوب منطقة الشرق الأوسط العربية التي تربطنا بها  علاقات تاريخية ودينية وثقافية واستراتيجية.

أكد عمر عرته وزير خارجية الصومال خلال زياته للقاهرة عام 1973وذلك قبل انضمام الصومال لجامعة الدول العربية مساندة بلاده للشعوب العربية في نضالها العادل من أجل استرجاع أراضيها التي تحتلها إسرائيل، وجدد الوزير الدعوة لعقد مؤتمر للدول العربية المطلة على البحر الأحمر لبحث التحركات الإسرائيلية المشبوهة في بعض مناطق الاستراتيجية. وقال عرته في تصريح ادلى به أنه بحث مع المسؤولين المصريين خلال الزيارة تطورات الموقف بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط. وكان السيد عمر عرته عاد في ذلك الوقت من ليبيا ، حيث شارك فيها اجتماعات وزراء خارجية الدول الإسلامية في بنغازي.

قاطع الصومال أكثر من مرة حفلات تنظمها شخصيات صهيونية في نيويورك تضامنا مع العرب. وفي احدى المرات وفي الستينات من القرن الماضي وافق الوفد الصومالي  الإنضمام إلى الوفود العربية لدى الأمم المتحدة في مقاطعتها لحفل استقبال كان يقيمها جون ليندسي رئيس بلدية نيويورك لأعضاء وفود الأمم المتحدة وذلك بسبب مواقفه المؤيدة لإسرائيل[6].

عقد السيد إبراهيم عثمان وزير التجارة والصناعة ورئيس الوفد الاقتصادي صومالي الذي زار الأردن عام 1963  مؤتمرا صحفيا بعمان حضره عدد من رجال الصحافة المحلية، ووكالات الأنباء العربية والأجنبية وذكر أن الصومال مرتبط بعلاقات طيبة مع البلاد العربية والإسلامية وأشار إلى أن الشعب الصومالي تربط مع الشعوب العربية بروابط   الثقافة والعرق والدين الأمر الذي جعل حكومة الصومال تشدد المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل. ثم تحدث عن سياسة بلاده الخارجية فقال إن سياستها حيادية وتشدد على ضرورة تتقيد ميثاق الأمم المتحدة ومؤتمر الدول الآسيوية والافريقية في باندونغ مشيرا إلى شعوره بالأسى والذي يحس به الصوماليون أيضا عندما يرون البضائع الصومالية تخرج من الأراضي الصومالية الواقعة تحت الحكم الأجنبي لتصدر إلى المنطقة المحتلة من فلسطين بسبب التسهيلات التي تقدمها الدول المحتلة للأجزاء الصومالية  وهو يقصد جيبوتي والصومال الغربي في إثيوبيا ومنطقة أنفدي في كينيا[7]  .

موقف الصومال تجاه اليمن

أيد الصومال ثورة اليمن ونضالها ضد الإستعمار البريطاني بالدعم المادي والمعنوي. في  خطاب ألقاه وزير خارجية الصومال أمام اجتماع للأمم المتحدة عام 1965  دعا  بريطانيا  إلى إيقاف الأعمال  التعسفية  في جنوب الجزيرة العربية ، وجلاء قاعدتها العسكرية ، ورفع القيود على الحريات ، وإطلاق سراح السجناء السياسيين. كما تقدم  سفير الصومال لدى الولايات المتحدة في اللجنة الرابعة المنعقدة في 22 كانون الأول/أكتوبر عام 1965 ما يشبه  مبادرة لحل القضية اليمنية.

الصومال والقضية الفلسطينية.

أدى الصومال دورا لافتا في المحافل الاقليمية والدولية بصفته دولة افريقية  وإسلامية وعضو في دول عدم الانحياز للدفاع عن القضايا الأمم المظلومة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأعلنت الحكومة الصومالية عام 1960 أن بلادها تعتبر إسرائيل العدو الثاني لها بعد إثيوبيا[8].  

تقدم الصومال وباكستان في الدورة العشرين للأمم المتحدة بتعديلات على مشروع القرار الأمريكي وقضية اللاجئين الفلسطينيين ونص التعديل الصومالي- الباكستاني  على التنديد صراحة بإسرائيل على رفضها المستمر لتنفيذ البند الحادي عشر من قرارات الأمم المتحدة الذي يدعو إلى  منح اللاجئين الفلسطينيين حق الاختيار بين العودة وتلقي التعويضات[9]، وطالب مندوب الصومال لدى الأمم المتحدة عبد الرحيم عابي فارح  في الدورة العشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 أكتوبر  عام 1965 على ضرورة إقرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين،  والأهم من ذلك أن الصومال اتخذ موقفا جريئا عندما أعلن بأنه حالة حرب مع إسرائيل [10] مع أنه يعتمد بما بشكل شبه كلي  على دعم الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل.  

 كانت القضية الفلسطينية نقطة رئيسية في لقاءات الوفود الصومالية مع نظرائها الغربيين في الستينيات من القرن الماضي. الرئيس بري خلال زياراته إلى العالم وضع القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط على رأس أولويات اجنداته مع الرؤساء والملوك والأمراء الذين يلتقي بهم ، وكان يؤكد على تماسك التضامن العربي الإفريقي ، ويذكر لهم أن الصومال ليست بعيدة عن العرب وتطالب بتسوية عربية لأزمة الشرق الأوسط ، وتسوية عادلة لقضية فلسطسين قضية العرب الأولى ، وعودة حقيقية لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وفي وطنه[11]، مبديا استعداد بلاده للمشاركة في الحرب الجارية لتحرير الأراضي العربية التي تحتلها اسرائيل. وخاطب في إحدى الأيام من عام 1973 أمام مهرجان شعبي  قائلا “إن الشعب الصومالي على استعداد للقتال إلى جانب أشقائه العرب لإلحاق الهزيمة بالمعتدين الإسرائيليين”[12]. في أبريل عام 1973  ، أعرب الرئيس الصومالي محمد سياد بري والرئيس موبوتو في بيان مشترك صدر عقب انتهاء زيارة موبوتو للصومال عن تخوفمها من أن تظل أزمة الشرق الأوسط بلا حل ، وكررا تأييدهما لقرار مجلس الأمن رقم 242 .[13] وقدم الرئيس سياد بري  جزء كبيرا من الأسلحة التي تساعدها الدول العربية على شرائه للفلسطينين كما أكد ذلك  مستشار نائب القائد العام لمنظمة التحرير الفلسطينية  د. محمد حمزة[14].

في إحدى زيارات رئيس وزراء الصومال محمد إبراهيم عجال إلى إيطاليا، بحث مع المسؤولين الإيطاليين بالقضية الفلسطينية والإستقرار في  الشرق الأوسط، واتفق البلدان  الصومال وإيطاليا على بذل كل الجهود للمساعدة في الوصول إلى تحقيق السلم والاستقرار في الشرق الأوسط . كما أعلن الجانبان اهتمام الدولتين الخاص بالموقف في الشرق الأوسط بسبب موقعها الجغرافي ، وأشار البلدان إلى الصعوبات التي يسببها إغلاق قناة السويس لتجارة الصومال وبخاصة صادرات الموز كما اتفق الجانبان على العمل معا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى للوصول إلى تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط وأكدت المحادثات  التي جرت بين رئيس وزارء  الصومال ، ووزير الخارجية الإيطالي واستغرقت عدة ساعات على  أهمية وضرورة الإسراع بحل مشكلة الشرق الأوسط[15].

صرح محمود محمد فارح وزير الدولة للشؤون الصومالية في مقابلة تلفزيونية في دمشق عام 1964 أن الشعب الصومالي يعتبر فلسطين وطنه مثله مثل بقية الدول العربية وقال إن الصومال أعرب في مختلف المجالات الدولية عن استنكاره للوضع الراهن في فلسطين وطالب بإعادة الفلسطينين أصحاب الحق إلى وطنهم وذكر أن لجانا قد شكلت في الصومال لمقاومة تغلغل إسرائيل في إفريقيا[16].

تقدم الصومال عام 1966 مقترحا يندد إسرائيل بسبب رفضها إعادة اللاجئين الفلسطيين إلى ديارهم وقدم السيد عبد الرحيم عابي فارح مندوب الصومال في اللجنة السياسية الخاصة تعديلا على مشروع قرار امريكي يحث الحكومات المعنية على التعاون مع لجنة التوفيق الدولية في فلسطين  لاعادة اللاجئيين أو التعويض عليهم.. وأشار إلى أن الحكومات العربية أوضحت انها تريد تسهيل إعادة العرب في فلسطين إلى ديارهم وكانت اللجنة قد اجتمعت للنظر في مشروعين معروضين عليها إحداهما امريكي والاخر تبناه أربع دول ويحث الأمم المتحدة على تعيين حارس أممي[17].

وفي قمة افريقية عقدت عام 1964 تحدث ممثل الصومال في المؤتمر عن قضية فلسطين وقال إن هذه القضية لا تختلف في جوهرها عن قضية أنجولا وجنوب افريقيا ، فهناك شعب طرد من دياره ومن وطنه واغتصب املاكه واستوطنت أراضيه مئات الالاف من المهاجرين غير العرب  الذين أتوا من جميع انحاء العالم. وأضاف الممثل إنه لن يستقر سلام عادل في العالم اذا ظلت مثل هذه القضايا قائمة واعلن تأييد الشعب الصومال بكل قوة لشعب فلسطين العربي في استرداد لحقوقه المشروعة وحقه الثابت في أن يعيش في بلده في ظل حكومة يختارها بنفسه[18].

الصومال وغزو العراق على الكويت

قرر الصومال  بالوقوف جنبا إلى جنب مع الدول العربية التي عارضت عزو العراق على الكويت عام  1990، وتعهد بالمشاركة في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت لكن سقوط حكومة بري حال دون تنفيذ هذا التعهد.

الصومال والخلافات العربية

حاول الصومال أن يكون بلدا مساهما في حلحلة  المشاكل التي تعاني منها الشعوب العربية ، وسعى إلى إنهاء الخلافات التي تعيق العمل العربي المشترك  في السبعينات من القرن الماضي.  في نوفمبر 1978، قررت الدول العربية في القمة  التاسعة في بغداد، نقل مقر الجامعة العربية وتعليق عضوية مصر، كما قررت الدول العربية في 26 مارس  1979 قطع العلاقات مع مصر إثر توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.  لم تقطع الصومال علاقاتها مع مصر، وعارضت بشدة تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية ونقل مقر  الجامعة من القاهرة وفي نفس الوقت احتفظت بعلاقات قوية مع معظم الدول العربية المؤثرة ولاسيما المملكة العربية منها. لعب الرئيس الصومالي محمد سياد بري دورا كبيرا في إعادة مصر إلى حضنها العربي وقام بجولات إلى العديد من عواصم القرار العربي لإقناعهم بضرورة تعزيز العمل العربي المشترك وفي قلب هذا العمل جمهورية مصر العربية. وكذلك حاول الصومال التوسط بين المغرب والجزائر لحل مشكلة الصحراء الغربي.

الصومال والبحر الأحمر

تصدر الصومال الجهود التي جرت منتصف السبعينات من القرن الماضي ليكون البحر الأحمر عربيا وكان مستعدا لضمان القوة العسكرية العربية لحماية البحر الأحمر عندما  دعت جامعة الدول العربية  كخطوة احترازية للحفاظ على أمن البحر الأحمر إلى تكوين قوة دائمة للأمن العربي لمواجهة الأخطار المحيطة بهذا البحر الحيوي ، حيث اقترحت الامانة العامة  للجامعة من خلال مشروع تحضيري عن هذه القوة أن تتكون من ستة آلاف ضابط وجندي وأن تعمل تحت قيادة الأمانة العسكرية في الجامعة العربية كما تضمن المشروع أن تشارك كافة الدول العربية بحصة في القوات وأن تعين قوات في جيوشها تكون جاهزة عند اللزوم وذلك على غرار قوات  الأمم المتحدة ، واقترح المؤتمر أيضا أن يتولى وزراء خارجية السودان والجمهورية العربية اليمنية والصومال وجمهورية اليمن الديمقراطية شرح الموقف المفصل لقضية أمن البحر الأحمر وذلك من واقع القرارات التي تم الاتفاق عليها بين رؤساء الدول العربية في قمة صنعاء.

وكذلك زار الرئيس الصومالي  محمد سياد بري صنعاء عام 1975 وتحدث عن انشاء اتحاد للدول المطلة على باب المندب وهي: الصومال، واليمنيان الشمالية والجنوبية بالإضافة إلى جيبوتي ، وارتيريا.[19]

دعا العميد أركان حرب محمد علي سمنتر نائب رئيس المجلس الأعلى للثورة الصومالية وزير الدفاع والقائد العام للقوات الصومالية عام 1973 إلى عقد مؤتمر طارئ للدول العربية المطلة على البحر الأحمر تشترك فيه وتوضع فيه الخطط الكفيلة بالقضاء على خطر الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر وقال العميد سمنتر إن بلاده تدرك تماما خطورة هذه الوجود الاسرائلي الذي لا يمس الصومال وحدها وانما يمس الدول العربية كلها وطالب الدول العربية بالحيطة والحذر خشية التحركات الإسرائيلية في المنطقة[20].

وصرح السيد عبد القادر الحاج عضو مجلس الثورة الصومالي في حديث أدلى به لصحيفة الأهرام المصرية عام 1973 قائلا:  “نحن نعرف أن اسرائل لها أطماع في منطقة البحر الأحمر وخاصة في ساحل الصومال الفرنسي وفي  مناطق أخرى على البحر ولكننا باستمرار وراءهم  بالتنسيق مع اليمن الجنوبية. وأضاف: بصراحة نحن على يقظة كاملة بمخططات إسرائيل ولمن معهم…. وقال إنه من المهم جدا أن تهتم الدول العربية وباستمرار بهذه المشكلة سواء من أجل وضع خطة موحدة لمقاومة هذا التغلغل وهذه المخططات أو من أجل دعم البلدان المواجهة على الناحية الأخرى جنوب البحر الأحمر”[21]. وجدد أن الصومال تعمل من جانبها على مطاردة إسرائيل والاحتكارات الغربية التي تقف وراءها في منطقة القرن الإفريقي، وانها ترى خطر يهدد الكيان الافريقي وخاصة الصومال التي اشتركت وقامت بدور فعال في قضية تحرير الأراضي الافريقية المحتلة . وقال  الرائد عبد القادر الحاج: “لنا الحق في أن نحث مناضلي الدول الافريقية القريبة منا سواء في شرق أو وسط افريقيا على ان يقوموا بتصفية الصهيونية وعملائها في بلادهم”. وأكد عبد القادر الحاج من ناحية أخرى أن بلاده باستمرار يسلط الأضواء عن طريق وسائل الاعلام على خطورة التغلغل الإسرائيلي في افريقيا. وقال: “نحن مع عدن نتحكم في هذا المدخل ونتعاون في تدعيم سلامة البحر الأحمر والدول الواقعة في شواطئه وبالتالي لابد من تقوية  العلاقات بين هذين الطرفين واستمرار الصلة بينهما” مشيرا إلي وجود بعض الدول الافريقية التي أخذت مواقف مشرفة وأدركت ما كانت تدعو له الصومال من فترة في حين دعا للآخرين إلى الإدارك بحقيقة إسرائيل باعتبارها قاعدة امامية للاستعمار[22].

شارك الصومال في حماية الأسطول البحري المصري في البحر الأحمر أثناء حرب أكتوبر عام  1973، واستقبلها في المواني الصومالية. وفي أحدى المرات  تلقت المخابرات المصرية معلومات عن احتمال هجوم تقوم به طائرات معادية على إحدى المدمرات المصرية المشتركة في الحصار البحري على إسرائيل. واتصل الفريق أحمد اسماعيل بالرئيس السادات طالبا منه إذنه ليعطي أمرا للمدمرات ان تبتعد قليلا عن باب المندب وتتوجه إلى ميناء مقديشو في رحلة تستغرق ثلاثة أو أربعة أيام حتى يتم التأكد من المعلومات وامكانية صحتها . وكان مطلوبا من الرئيس السادات إلى جانب الاذن أن يبعث إلى الرئيس الصومالي محمد سياد بري رجاء بقبول استضافة المدمرات ، وتوفير حماية كافية لها في ميناء مقديشو والرئيس بري قبل ذلك[23]

وفي الختام،  يتجسد دور الصومال في دعم القضايا العربية  أيضا من خلال حراك ممثليه في الأمم المتحدة ومجلس الأمن  الذين كانوا دائما داعمين للقضايا العربية وقدموا اقتراحات  تدين الاعتداءات الإسرائيلية ضد مصر وسوريا والأردن ولبنان، وتطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية  المحتلة كشرط أساسي لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة إلى جانب مواضيع أخرى تهم الدول العربية. وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات  مرة اقتراحا خاصا من الصومال بإدانة احتلال الأراضي بالقوة  وإدانة إسرائيل المعتدية والطلب منها رسميا الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها بالقوة وأن تتخذ الإجراٍءات اللازمة لصيانة حقوق الشعب الفلسطيني.

تصدرت الصومال المواقف الداعمة  للقضايا  العربية في منظمة الوحدة الإفريقية ، وفي مؤتمر دول عدم الانحياز،  ولعبت دورا هاما في كشف النقاب عن النوايا السيئة لإسرائيل وتلاعبها بمواثيق أمم إفريقيا الحرة  وفضحها أمام الرأي العام العالمي مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية  مع إسرائيل  في مجال الدول الإفريقية الحرة إثر اعتدائها على مصر عضو منظمة الوحدة الإفريقية  وعضو في الأعضاء المؤسسين  وكذلك على سوريا في أكتوبر عام 1973[24].  وتقدمت الصومال  في أعقاب حرب الأيام الستة مقترحا طالبت فيه من منظمة الوحدة الإفريقية ، شجب العدوان الصهيوني ، ودعم مصر بوصفها دولة إفريقية وقع عليها العدوان.

قام  السيد فارح دوولي عضو مجلس الثورة الصومالية عام 1973 بجولة في عدد من البلدان العربية وعلى رأسها سوريا دعما للصمود العربي أمام إسرائيل. وقال السيد دوولي أنه حمل رسالة من الرئيس الصومالي محمد سياد بري إلى الرئيس السوري حافظ  الأسد  تتضمن تحيات حكومة وشعب الصومال للشعب السوري ودعم الصومال للصمود العربي وقال أنه سيقدم هدية من الصومال لسوريا تتألف من مليون علبة من اللحوم المحفوظة وحمولة باخرة من الموز الصومالي، وقام المبعوث الصومالي بعد زيارته لدمشق بزيارة إلى العراق والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين لذات الغرض.

وفي عام 1973 ، أعلن ناطق حكومي في مقديشو أن الصومال سترسل 250 طنا  من لحوم البقر واسماك معلبة إلى سوريا ومصر كجزء من مسامتها في الحرب ضد إسرائيل[25].  وطالب وزير الخارجية الصومالي عبد الرحمن جامع بري عام 1980 في كلمة أمام الجمعية العامة للام المتحدة بانسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس وقال “إن الأساس الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم بالنسبة للقضية الفلسطينة هو الاستجابة للحقوق الأساسية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها في هذا الصدد”. ودعا إلى ارغام العدو على الانسحاب من كافة الأراضي العربية المتحلة وضمان حق الشعب الفلسطني في تقرير المصير وإقامة دولته.[26]


[1]  برنامج الحكومة الصومالية الثانية تجاه السياسة الخارجية

[2] صحيفة فسلطين الصادرة في 1/2/1966

[3] برنامج الحكومة الصومالية الخامسة

[4]   صحيفة الوحدة في عددها الصادر  يوم الجمعة 12 ديسمبر 1947

[5]  صحفة الشورى المصرية  الصادرة عام 1936

[6] جريدة فلسطين

[7] صحيفة الجهاد العدد 2957 الصومال يوم الخميس 11 نيسان 1963م

[8]  مصر والصراع حول القرن الإفريقي مصدر سابق ص: 165

[9] مقال نشر في صحيفة الاتحاد بعنوان الصومال وباكستان تقترحان تعديل الاقتاح الأمريكي ويطالبان بالتنديد باسرائيل على رفضها تنفيذ حقوق اللاجئين بتاريخ 17 تشرين الثاني / يناير 1965 

[10] الحياد الإيجابي وسياسية الصومال الخارجية توريري ص 186-189

[11]   مقال بعنوان  البيت الكبير وأصالة الأداء…لقاءات جده.. استمرار لمسيرة السلام والعدالة في العالم منشور جريدة اليمامة الصادرة في 29\07\1397هـ  الموافق  15\07\1977م   المصدر- قاعدة المعلومات  الملك خالد عبد العزيز

[12] الرأي الأردنية 14/10  1973  العدد 798  الاحد

[13] مجلة السياسية الدولية مجلة دورية تصدر عن مؤسسة الأهرام كل ثلاثة أشهر العدد 32 أبريل  1973  الصفحة 213

[14]  مقابلة مع د. محمد حمزة مستشار نائب القائد العام لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال عهد الملك خالد  المصدر- موقع قاعدة   معلومات الملك خالد بن عبد العزيز

[15] جريدة الأخبار

[16] جريدة فلسطين

[17] فلسطين  الصادرة السبت 12 تشرين الثاني عام 1966

[18]  الاهرام الصادر 20 يوليو عام 1964

[19] مجلة السياسية الدولية مجلة دورية تصدر عن مؤسسة الأهرام كل ثلاثة أشهر العدد 48 أبريل  1977  الصفحة 191

[20] الرأي الأردنية الصادرة في  17 مارس 1973.

[21]      الأهرام  16 يناير عام 1973

[22]  صحيفة الرأي الأردنية 25 يناير 1973 السنة الثانية

[23] حرب أكتوبر 73 السلاح والسياسة  محمد حسنين هيكل  الطبعة الأولى 1993 مركز الأهرام للترجمة والنشر  ص: 591

[24]  المصدر السابق ص:  16

[25] الرأي الأردنية 14/10  1973  العدد 798  الاحد

[26]  صحيفة الرياض الأربعاء 1 أكتوبر 1980 العدد 4645

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى