التنقيب عن النفط في الصومال .. مؤشر تنموي أم تلويح بصراعات داخلية جديدة؟

وصلت أمس الجمعة إلى ميناء مقديشو الدولي سفينة الأبحاث السيزمية التركية “الريس عروج” ومعها فرقاطات ومروحيات حربية وسفن دعم، لبدء مهمتها في تنفيذ مسح سيزمي ثلاثي الأبعاد للغاز والنفط في السواحل الصومالية، وهي مهمة من المقرر أن تستمر لـ 7 أشهر.

في كلمته بهذه المناسبة، وصف الرّئيس الصومالي هذه الخطوة بـ “حدث تاريخي” يؤدّي إلى تنمية اقتصادية وخلق فرص عمل واسعة، معبّرا في الوقت ذاته عن مدى التزام الدّولة الصومالية بالاستغلال الجيد للموارد والثروات الطبيعية في البلاد، مع مراعاة المصلحة العامة للشعب الصومالي.

ووفقا للاتفاقية الموقعة بين تركيا والصومال في منتصف العام الجاري 2024م، فإنه من المقرر أن يتم التنقيب عن الهيدروكربونات وإنتاجها في 3 مناطق بحرية قبالة السواحل الصومالية على مساحة تقدر بنحو 15 ألف كيلومتر مربع.

كما أعلن السيد ألب أرسلان بيرقدار، وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، عن توقيع اتفاقية جديدة بين شركة النفط التركية “تباو” “TPAO” وهيئة البترول الصومالية، يتم من خلالها التنقيب البري المشترك عن النفط والغاز في الصومال.

ترحيب حذر من الشعب الصومالي:

على الرّغم مما تبشّر به هذه الخطوة من فتح آفاق اقتصادية للشعب الصومال، إلَا أن البعض رحّبها بحذر، متخوّفا من تبعاتها الاجتماعية والسياسية، حيث يتساءلون مدى إمكانية توافق الصوماليين على الاستفادة من حقل نفطي، وهم يتقاتلون على الموارد والآبار المائية في بعض المناطق الصومالية.

وقد صوّر البروفسور يحيى عامر، الخبير الاقتصادي الصومالي، ذلك الهاجس، بحوار خيالي بين قروي ومدني مهتم بإنتاج النفط، حيث يهرول القروي، حسب القصة التي كتبها البروفسور، بعد سماعه لخبر اكتشاف النفط، إلى اقتناء أكبر قدر من النفط، خوفا من وصول سياسيين ورجال أعمال نفعيين، قد ينكؤون جروحا عميقة بين عشائر تصالحت قبل فترة، بعد اقتتالهم على بئر للمياه، مما يدلّ على مدى تخوّف النخبة من التبعات السلبية لاستخراج النفط في الصومال!

بدوره، عبّر السيد النائب عبدالله فارح مري، عضو مجلس الشعب بالبرلمان الصومالي المنحدر من ولاية بونتلاند، عن انطباعه إزاء اللافته التي رفعت أثناء هذه المناسبة، والتي وضعت فيها خريطة توضيحية للمناطق الصومالية، يتم وصف بعضها بمناطق متنازع عليها.

فيتساءل السيد النائب البرلماني في منشور له على الفيس بوك، تعليقا على ذلك: “ما معنى اعتبار جزء من محافظة مذغ تابع لولاية بونتلاند، منطقة متناع عليها؟ وماذا يعني القول بأن مناطق “خاتمة” هي مناطق تتنازع عليها صوماليلاند وبونتلاند”؟ فيقول السيد النائب مجيبا بنفسه عن تلك التساؤلات: “فيما يتعلّق بمذغ هي خلق صراع غير موجود بين بونتلاند وغلمذغ، وشل لحركة ميناء “جرعد”، حيث تقول الحكومة الفيدرالية: لا يمكن الاستثمار فيها لأنها تقع في أرض متنازع عليها. ودعوة للشركات والهيئات إلى عدم الوصول إليها وعدم التنقيب فيها، وعدم الاستثمار فيها. أما فيما يتعلّق بمناطق سول وسناج، فهو موقف حكومي لا يعترف بنضال سكان المنطقة والإدارة التي أسسوا فيها، كما أنه أيضا دعوة إلى عدم الاستثمار أو ذهاب الهيئات إليها، وعدم تفكير سكان المنطقة في الاستفادة من ثرواتها”.

وفي الختام، يقول السيد النائب: “إن عصارة كل هذا هو تقديم الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى الأجانب هذه التقارير الغريبة وغيرها الكثير مما ورد في الخريطة“.

كيف يتم تقاسم الثروات الطبيعية؟

من الأمور التي تبعث على القلق لدى كثير من المتابعين، كيفية تقاسم الثروات الطبيعية، الأمر الّذي لم يتم البتّ فيه بعد، إذ تنص المادة الـ 44 من الدّستور الصومالي الانتقالي على أن “الدّولة الفيدرالية الصومالية تتفاوض مع الولايات التي تكوّن عضوا في الدّولة الفيدرالية على تقاسم الثروات الطبيعية لجمهورية الصومال الفيدرالية من خلال طريقة دستورية“.

وعلى الرغم من المحاولات المبذولة في هذا المجال، وفي مقدّمتها إصدار قانون للبترول في كل من عامي 2008م، و2019م، غير أن القانونين لم يستطيعا بشكل قاطع توضيح كيفية تقاسم الثروات الطبيعية، فبينما نص قانون عام 2008م، في مادته الـ 6، على أن إيرادات النفط توزع على الحكومات المركزية والإقليمية والمحلية، ويقسم البلاد على ولايات منتجة  للنفط والغاز، وأخرى غير منتجة تأخذ حصتها من عائدات النفط  من الحكومة المركزية، ينص قانون 2019م، على أن توزيع إيرادات النفط على الحكومة الفيدرالية والدول الأعضاء، لصالح البلاد، وهذه المادة لم تذكر بشكل واف  نصيب كل طرف، حيث تدور الخلافات على كيفة تقاسم هذه الثروة بين مناطق منتجة للبترول وأخرى غير منتجة، وهذا، كان من الأفضل أن يتم التوافق عليه قبل البدء في هذه العملية، حيث يكون الجميع على بيّنة من الأمر، وتتضاءل فرص الانحدار نحو الصراع على الموارد والثروات، إذ الكل مكبّل بالاتّفاقيات والمعاهدات الدّستورية المتعلّقة بالموضوع.

الخاتمة:

إن عمليات استطلاع واكتشاف الموارد المعدنية والبترولية في الصومال بدأت ما قبل الاستقلال عام 1960م، إلا أن  تاريخ القوانين المنظمة لهذه الموارد تعود إلى نهاية الثمانينات، وقد سن أول قانون مستقل للبترول عام 1984م، وبموجب هذا القانون وقّع نظام سياد بري اتفاقات امتياز مع العديد من  شركات النفط الكبرى. وعندما اندلعت الحرب الأهلية وانهار النظام اضطرت شركات النفط إلى وقف أنشطتها والانسحاب من الصومال، غير أن هذه الشركات عادت إلى الصومال من جديد مطلع عام 2000م ما دفع الحكومة الصومالية إلى إعادة النظر في قانون  المعادن الذي كان معمولا به منذ عام 1984 وجرى طرح قانون جديد للبترول عام 2008م، وكان معمولا  به إلى  2019م، فيما طرح في 2019م، قانون آخر، صادق عليه مجلسي الشيوخ والشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي السابق، غير أن ولايتي بونتلاند وجوبالاند، عارضتا القانون، على الرغم من توقيع الرئيس الصومالي آنذاك محمد عبدالله فرماجو، على القانون في فبراير 2020م.

زر الذهاب إلى الأعلى