القاهرة: صفاء عزب
في توقيت حرج ودقيق جاءت القمة الصومالية الإريترية المصرية حدثا مهما يحمل رسائل ودلالات تتعلق بالتوازنات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي، وهي القمة التي انعقدت مؤخرا بالعاصمة الإريترية وأثارت اهتماما مصريا كبيرا وردود أفعال إيجابية خاصة لما شملته من محاور حيوية بين زعماء الدول الثلاث. وقد تضمنت المحاور التأكيد على ضرورة الالتزام بالمبادئ والركائز الأساسية للقانون الدولي خاصة ما يتعلق باحترام المطلق لسيادة ووحدة أراضي بلدان المنطقة والتصدي للتدخلات في شؤونها الداخلية تحت أي ذريعة وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار الاقليمي وخلق مناخ مناسب للتنمية المشتركة والمستدامة. كما تم الاتفاق على تعميق التعاوان لتعزيز إمكانيات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية وتمكين الجيش الوطني من التصدي للارهاب وحماية حدوده البرية والبحرية والبحرية وصيانة وحدة اراضيه وانتهت القمة إلى الإتفاق على إنشاء لجنة ثلاثية مشتركة من وزراء خارجية البلدان الثلاثة للتعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات.
بالأمس القريب كان ذلك الحدث الكبير بقيام مصر والصومال بعقد بروتوكول تعاون عسكري قدمت الأولى بموجبه شحنات عسكرية للثانية وهو الأمر الذي أحدث دويا هائلا في منطقة القرن الإفريقي وآثار مخاوف بعض الأطراف ممن استشعروا الاستفزاز والقلق من الخطوة المصرية غير المسبوقة من عقود طويلة ونشاطها المتجدد بالمنطقة خاصة أولئك الأطراف الذي لديهم أطماع في جيرانهم، ويجدون في البروتوكول سدا منيعا للحيلولة دون تحقيق أطماعهم. وبينما يشهد القرن الإفريقي حالة من الغليان الكامن بسبب الصراعات والانقسامات العرقية الداخلية وسوء استغلال الحركات والتنظيمات الإرهابية لهذه الأجواء غير المستقرة ومعها عمليات القرصنة التي تهدد أمن البحر الأحمر ومصالح الدول المطلة عليه أو المرتبطة بتجارة تمر من خلاله، كانت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقبة لأسمرة ومشاركته في القمة الإفريقية الثلاثية بمثابة إعلان رسمي صارم بالتواجد المصري ودعم القاهرة لهاتين الدولتين في أي تهديد تواجهانه والتأكيد على تعاونهم جميعا في إطار الإتفاق المبرم.
ولا يمكن فصل هذا التطور الكبير بين الدول الثلاث عن التوترات التي تشهدها المنطقة بسبب السياسة الاستفزازية التي يصر رئيس الوزراء الإثيوبي على ممارستها في مواجهة جيرانه وتعنته في أزمة سد النهضة وعدم إبدائه أي تعاون مع الأطراف المعنيين، وهو الأسلوب الذي انتهجه المسؤول الإثيوبي وأغضب بسببه كثيرا من دول الجوار بحثا عن حلم التوسع الاستعماري وتحقيق المجد الامبراطوري. إضافة إلى ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات ساخنة وحروب طاحنة على أكثر من جبهة عربية انعكست سلبيا على الأوضاع الأمنية بمنطقة البحر الأحمر، وكذلك الملاحة في قناة السويس ومن ثم تأتي أهمية هذه الخطوة من التقارب الهام والتوافق الإيجابي بين الدول الثلاثة وهو ما عكسته تصريحات مسؤوليهم وتثمينهم للتعاون المشترك.
لم يكن من المتوقع أن تقف مصر متفرجة أو مكتوفة الأيدي وهناك من يعبث بالأمن الإقليمي أو يهدد جيرانه لتحقيق أطماع توسعية، وكان من الطبيعي أن تكون هناك تحركات مصرية تجاه الأشقاء والأصدقاء بمنطقة القرن الإفريقي الحيوية بعد غياب طويل لمصر عن القارة السمراء واستدعاء للتوازن في القوى مع التوغل الإثيوبي وتدخله في شؤون الصومال.
لذلك توافقت الدول الثلاث على متضمنات هذه القمة والتي شملت التعاون فيما يكفل الاستقرار ومواجهة كل ما يتسبب في توترات في القرن الإفريقي وحماية الأمن في البحر الأحمر وهو ما يعد تحالفا استراتيجيا قويا يعيد تشكيل التوازنات من جديد بتواجد مصر واستعادة لدورها من خلال التعاون مع دولتين من كبار دول المنطقة وأهمها.
هذا وتعد إريتريا دولة حديثة بعد انفصالها عن إثيوبيا وإعلانها الاستقلال عام 1993 ومنذ ذلك التاريخ يرأسها الرئيس أسياس أفورقي المعروف بقبضته القوية على الحكم. وقد نجح في إنهاء ما يقرب من عقدين من الحرب مع إثيوبيا باتفاق سلام عام 2018. إلا أن المشاكل العرقية والحركات الإنفصالية الموجودة لدى الطرفين والمشتركة بينهما، وخاصة مشكلة شعب التيجراي، تسببت في تعكير صفو العلاقات من وقت لآخر وإثارة التوتر على الحدود سيما مع سعي الدولة الحبيسة”إثيوبيا” إلى فتح أي منفذ لها على السواحل البحرية بشكل قد يصطدم مع مصالح الجيران.
يتواكب توقيت القمة الثلاثية مع ما تشهده العلاقات الثنائية بين كل من الصومال ومصر وإريتريا من تطورات إيجابية ملحوظة وتحولات مهمة على كافة الأصعدة والمجالات في اتجاه مزيد من التوطيد.
تجمع إريتريا والصومال علاقات طيبة مؤخرا بعد فترات من التوتر بسبب رفض أسمرة الإعتراف بالحكومات المتتالية في الصومال حيث كانت تنظر لها كتابع لإثيوبيا -خصمها السياسي- وبعد اتفاق السلام الإثيوبي الإريتري وإسقاط العقوبات عن إريتريا حلقت طيور الوفاق على الصومال وإريتريا وتم توقيع العديد من الاتفاقيات المشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى التعاون في مجال الدفاع والأمن. كما تضمنت تعزيز التعاون في المجالات التجارية والاستثمارية والتعليمية والثقافية.
وكذلك تجمع مصر بإريتريا علاقات طيبة وتقارب بين أفورقي والسيسي شملت التعاون في المجالات التجارية حيث توجد السلع المصرية في الأسواق الإريترية بجانب القوافل الطبية المصرية وهناك أيضا نماذج للإستثمار المصري في مجال الطيران المدني وصناعة الأدوية . كما توجد علاقة وطيدة في المجال الديني والثقافي خاصة في مجال الدراسة بالأزهر وتقديم المنح للطلاب الإريتريين. وإلى جانب ذلك يوجد تنسيق أمني على مستويات رفيعة في إطار الاهتمام بأمن المنطقة، وهو ما يؤكده زيارة وفد رفيع سبقت زيارة السيسي لأسمرة ضم رئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية وكان ذلك فيما يبدو للتنسيق بطبيعة الحال في المسائل الاستراتيجية والأمنية.
وبنظرة متعمقة لما تضمنته نتائج القمة الثلاثية نجد أنها تصب في مصلحة دعم الصومال ومساندته في مواجهة المعوقات الأمنية وكذلك في مساعدته على تحقيق خطط تنموية وتطور اقتصادي يسهم في تحسين مستوى المعيشة للشعب الصومالي.
ولمن يراهن أو يتخوف من احتمالات الصدام والصراع بين مصر وأي من القوى الدولية التي تتواجد في منطقة القرن الإفريقي فعليه أن يطمئن لأن علاقات مصر بكل اللاعبين الدوليين في القرن الإفريقي جيدة ولا مجال للصراع معهم سواء كانت الصين أو تركيا وغيرهما. لكن لا شك أن هناك طرف خاسر وهو إثيوبيا التي ستجد نفسها وقد فقدت ميزتها النسبية في استعراض عضلاتها أمام جيرانها بعد إعادة رسم التوازنات بالتواجد المصري وتعاونه مع الصومال وإريتريا.