قام رئيس الوزراء حمزة بري، نهاية الأسبوع الماضي، بزيارة مفاجئة إلى مدينة بيدوة استمرت يومين وصفت بـ المهمة والمفصلية في العلاقة بين الحكومة المركزية وولاية جنوب غرب الصومال.
جاءت الزيارة إثر ظهور بوادر مشكلة في العلاقة بين الطرفين بسبب تباين موقفهما بشأن النزاع مع إثيوبيا، حيث أبدى رئيس ولاية جنوب غرب الصومال عبد العزيز لفتاغرين قبل يوم واحد من زيارة رئيس الوزراء بصورة ضمنية رفضه توتير العلاقة مع إثيوبيا، في ظل إصرار الحكومة المركزية على ضرورة خروج القوات الإثيوبية من الصومال ضمن عملية انسحاب قوة بعثة الاتحاد الإفريقي المعروف بأتميس المزمع نهاية العام الجاري ردا على مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع إدارة أرض الصومال الإنفصالية.
زار رئيس الوزراء حمزة بري مدينة بيدوة وفي جعبته حزمة إغراءات وإملاءات لمنع التصعيد وإقناع رئيس الولاية عبد العزيز لفتاغرين بتأييد موقف الحكومة المركزية تجاه إثيوبيا الا أن جميع الدلائل تشير إلى عدم تحقق هذا الهدف، وأن الأسباب متعددة ونحاول شرحها في هذا المقال.
في البداية لا بد أن نضع النقاط على الحروف ونؤكد على أن الخلاف بين الطرفين أكبر وأقدم من الملف الإثيوبي، ولا يمكن قراءته الا في الإطار العام للصراع السياسي على السطلة في الصومال ، لكن نحن نحاول حصره في 4 قضايا رئيسية من الصعب اصلاحها وترميمها في عهد الرئيس حسن شيخ محمود وهي:
القضية الأولى: حصة ولاية جنوب غرب الصومال في الحكومة المركزية
يعتقد رئيس ولاية جنوب غرب الصومال عبد العزيز لفتاغرين أن حصة القبائل المنحدرة من الولاية في حكومة الرئيس حسن شيخ قليلة ولا تليق بحجم ومقام الولاية، وأن معظم الوزارات السيادية ذهبت لصالح القبائل الأخرى ، بل أهم من ذلك أن التشكيلة الوزارية خلت من أي وزير مؤيد لرئيس ولاية غرب الصومال لفتاغرين، بل ضمت واحدا من ألد خصومه وهذا ما يغضبه لفتاغرين ، ويثير شكوكه حول نويا الرئيس حسن شيخ محمود تجاه الولاية.
القضية الثانية: انتخابات ولاية جنوب غرب الصومال
يعتبر الخلاف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الولايات الاقليمية واحدا من أعقد وأكبر العقبات التي تعتري طريق تحسين العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات الإقليمية.
لقد انتهت الفترة القانونية لبعض حكام الولايات الاقليمية، وبالنسبة لآخرين شارفت على الإنتهاء ولم يتبق لهم سوى شهور قليلة، وأن رئيس ولاية جنوب غرب الصومال عبد العزيز لفتاغرين المنتهية فترة ولايته قبل عام مستعد ويسابق الزمن من أجل اجراء انتخابات في ولايته لكن بدون تدخل مباشر من الحكومة المركزية، أما الحكومة المركزية لا ترغب في ذلك وتعتبره في حال حدوثه نصرا سياسيا لمعارضيها على المستوى الفيدرالي وبالتالي يرى البعض المطلعون على هذا الملف أن رئيس الوزراء حمزة بري وضع أمام الرئيس عبد العزيز لفتا غريبن خلال لقائه الأخير 4 خيارات :
الخيار الأول
إجراء انتخابات برلمانية مباشرة تنظمها الحكومة المركزية، وتشارك فيها جميع التيارات والجهات السياسية في تلك الولاية والتي قد تفضي إلى تغييره أو على الأقل تحقق ضم مؤيدين للرئيس حسن شيخ في حكم الولاية
الخيار الثاني
أن يقبل فكرة توحيد الانتخابات على المستوى الفيدرالي والولائي وإرجاء انتخابات ولاية جنوب غرب الصومال إلى نهاية فترة ولاية الرئيس حسن شيخ ، مما يعني أن حظوظ عودة الرئيس لفتاغرين غير مضمونة أو على الأقل تأثيره في الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون محدودة وهذا ما لا يريده لفتاغرين. فهو يعمل جاهدا أن تأتي الانتخابات العامة وهو على رأس سلطة الولاية ، ويملك شرعية كاملة ليتمكن من أن يلعب دورا محوريا في الانتخابات العامة على غرار ما فعله في انتخابات عام 2022.
الخيار الثالث
اطلاق العنان لقوى المعارضة السياسية المنحدرة من تلك الولايات، وإعطائهم مساحة واسعة لممارسة الضغط على الرئيس عبد العزيز لفتاغرين
الخيار الرابع
التنازل عن السلطة طوعا مقابل امتيازات مالية وسياسية
فيما يبدو لا يمكن أن يقبل رئيس ولاية جنوب غرب الصومال، عبد العزيز لفتا غرين أيا من تلك الخيارات، ولن تبقى أمامه سوى اتخاذ خطوات لمواجهة تحركات الحكومة المركزية ما لم تثمر وساطة قائد قوات مصلحة السجون الجنرال مهد عبد الرحمن المقرب من الرئيس لفتاغرين الذي يزور حاليا مدينة بيدوة ، من بينها:
- اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ولاية جنوب غرب الصومال في أسرع وقت ممكن
- اعلان قطع العلاقات مع الحكومة الاقليمية على غرار ما فعلتة ولاية بونت لاند
- رفض سحب القوات الإثيوبية العاملة ضمن بعثة الاتحاد الافريقي أتميس والتي تتمركز في جميع أقاليم ولاية جنوب غرب الصومال بما فيها مدينة بيدوة عاصمة الولاية
- حشد النواب في مجلسي البرلمان الفيدرالي المنحدرين من ولاية غرب الصومال للضغط على الرئيس حسن شيخ ولدعم ولاية جنوب غرب الصومال ورئيسها عبد العزيز لفتاغرين
- قيادة حراك سياسي يهدف إلى تشكيل جبهة معارضة لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود تضم جميع رؤساء الولايات الاقليمية
القضية الثالثة: المشاريع التنموية والمساعدات العسكرية
يعتقد رئيس ولاية جنوب غرب الصومال عبد العزيز لفتاغرين أن ولايته لا تحصل على حصتها من المساعدات المالية والمشاريع التنموية والمساعدات العسكرية التي يقدمها المجتمع الدولي للصومال وأن معظمها تذهب للمناطق الأخرى الأمر الذي أدى إلى غياب المشروعات التنموية في الولاية التي باتت مدنها محاصرة منذ سنوات من قبل تنظيم الشباب. وبالتالي أوضح الرئيس لفتاغرين لرئيس الوزراء حمزة بري أن عدم تكافؤ الفرص أمام جميع المناطق والعشائر الصومالية يعنى أن هناك مواطنون من الدرجة الثانية وهذا أمر لا يمكن قبوله على الاطلاق.
التوقعات
لا يمكن أن يعلن الطرفان الحكومة المركزية وولاية جنوب غرب الصومال عن الطلاق البائن بسرعة، لكن فيما يبدو أن العلاقة بينهما قد تضررت بشكل كبير وبصورة لا يمكن ترميمها بسهولة، وأن الأيام القادمة تحمل في طياتها مزيدا من التوترات بين الولاية والحكومة المركزية، ويعتقد كثيرون أن الحكومة المركزية ستكون في النهاية هي الخاسرة وتهدر جهودها في قضايا معقدة وشائكة ولا تخدم لمصلحة البلاد الملحة.
بات الرئيس حسن شيخ محمود تقف هذه الأيام أمام مشكلتين عوصتين احداها داخلية وأخرى خارجية. تتمثل المشكلة الأولى في علاقة الحكومة المركزية مع حكام الولايات الإقليمية التي تعتبر بأنها أساسية في انجاح المسار الديمقراطي في الصومال ، وأن جميع القيادات الصومالية في مقديشو متفقون على أن ضبط علاقة الحكومة المركزية مع الحكومات الإقليمية مدخل رئيسي نحو الاستقرار السياسي والأمني في الصومال والحرب على الإرهاب والعلاقة مع دول الجوار، وبالتالي لم تكن هذه العلاقة منذ فترة طويلة جيدة وكانت متسمة بالمناكفات والخلافات، وأن جميع الحكومات التي مرت بالبلاد خلال الأعوام 15 عاما الماضية حاولت التعامل مع هذه الملف بسياسة العصا والجزرة، لكن لم تنجح أي من تلك الحكومات في لي ذراع حكام الولايات الاقليمية.
حاول الرئيس حسن شيخ محمود عندما أتى إلى السلطة عام 2022 المهادنة مع حكام الولايات الحاليين إلى أن يتمكن من تثبيت حكمه وتعديل الدستور ومن ثم الانتقال إلى تغيير حكام الولايات الحاليين سواء بالعصا الغليطة أو عن أي طرق أخرى ممكنه ، لكن الأمر بات صعبا ولا يمكن حدوثه في ظل وجود ثلاثة أمور:
الأمر الأول: وجود خلاف بين العشائر الصومالية الكبرى على قضية توزيع السلطة والثروة وعدم ايجاد آلية واضحة للتوزيع.
الأمر الثاني: وجود حركة الشباب المسلحة التي تشكل تهديدا مباشرا على الجميع
الأمر الثالث: انتشار قوات دول الجوار في الصومال في بعض الولايات الإقليمية التي دائما تقف إلى جانب حكام الولايات وتساعدها في مواجهة الحكومة المركزية.