نظّم مركز مقديشو للبحوث والدّراسات مساء أمس الخميس الـ12/سبتمبر_أيلول/2024م، ندوة بعنوان: “الحرب في السودان وانعكاساتها على منطقة القرن الأفريقي”، وذلك في قاعةٍ بفندق “حياة” في العاصمة الصومالية “مقديشو”.
وكانت الندوة تتكوّن على شقين، قدّم المتحدّثون في الشق الأول منها، مادة الندوة عبر محاور ثلاثة، هي:
المحور الأول: ديناميات الصراع وأبعاده الجيوسياسي، قدّمه البروفسور السوداني عبدالوهاب طيب بشير، خبير ومختص بالقرن الأفريقي، تحدّث فيه بإسهاب عن طبيعة الصراع الحالي في السودان، ومستويات التفاعل معه، ومحرّكاته من العوامل الدّاخلية والخارجية، ونتائجه الأولية المتمثلة في إلغاء السلم والأمن في المنطقة.
وفي المحور الثاني: الأزمة السودانية والتجربة الصومالية .. مقاربات ومقارنات، قام فيه الأستاذ أحمد صديق، مدير معهد السلام والتنمية في “مقديشو”، بعمل مقاربات ومقارنات بين الحرب الحالية في السودان، والتي شهدتها الصومال في 1991م، مشيرا إلى أن هناك أوجه تشابه واختلاف بين الحربين سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، فمن المفارقات في الجانب السياسي، أن الجيش الصومالي انهار أمام المليشيات المسلحة في 1991م، بينما في السودان على العكس من ذلك، حيث لا يزال الجيش السوداني متماسكا في مواجهة قوات الدّعم السريع، ويدير المعركة في السودان.
وفيما يتعلّق بنظام الحكم، فقد أشار الأستاذ أحمد صديق إلى أن السودان دولة فيدرالية مما أتاح لها فرصة نقل أجهزة الدّولة إلى ولاية البحر الأحمر، واتخاذها من هناك مقرّا انتقاليا لإدارة البلاد والمعارك، بينما كان النظام في الصومال دولة مركزية، مما ضيّق فرص بقائها أمام قوى التمرد المسلحة.
وفيما يتعلّق بموقف الشعب، التف الشعب في السودان حول الجيش، بينما الصوماليين في 1991م، التفوا حول المليشيات المسلّحة بسبب الممارسات الاستبدادية للنظام السابق.
أما أوجه التشابه بين الدّولتين، ففي الحالة الصومالية تم تصنيف الدّولة الصومالية بالدّولة الفاشلة أو الغائبة، مما مثّل ذريعة للتدخّل الدّولي، وهو ما بدأت تظهر ملامحه في أفق الحرب السودانية الحالية.
كذلك، من أوجه التشابه بين الحالتين السودانية والصومالية، أن دور المنظمات الإقليمية والدّولية كان ضدّ مصالح هذه الدّول وشعوبها، فيما تم تسييس الحرب في الصومال، وهو ما بدت ملامحه تظهر في السودان.
ومن المفارقات الأمنية، ظهور انشقاقات داخل الجبهات الصومالية، وهو ما لم يحدث حتى الآن في السودان، لكن هناك مخاوف من ظهور حركات مسلحة أيديولوجية في السودان إذا طال أمد الصراع.
واقتصاديا، انهارت العملة الوطنية الصومالية جرّاء الحرب، نتيجة لتوقف المؤسسات الحكومية، وهو ما يُخشى وقوعه في السودان في المستقبل القريب.
وفي الجانب الاجتماعي، هناك تجانس عرقي وإثني في الصومال، على خلاف السودان الّذي يتّسم بتعدد الأعراق والإثنيات.
أمّا المحور الثالث، فقد تحدّث فيه الدّكتور عبدالشكور شيخ حسن فقي، باحث في قضايا القرن الأفريقي، عن تداعيات الحرب السودانية على منطقة القرن الأفريقي التي تواجه ظروفا إستراتيجية لارتباط الأمن القومي لدولها ببعضها البعض، حسب البروفسور عبدالشكور فقي.
ومن أبرز تداعيات هذه الحرب وفق الدّكتور عبدالشكور فقي، التّحديات الأمنية، المتمثلة في المشاكل الإثنية والحدودية والإرهاب وسوء استخدام السلطة، كما أن تدويل الأزمة السودانية وتورّط جهات خارجية فيها (مؤامرة دولية) سيفرض المزيد من التداعيات الأمنية الأخرى في المنطقة، فضلا عن تنامي الجريمة المنظمة في المنطقة.
من بين تداعيات هذه الحرب، ارتفاع وتيرة التنافس الإقليمي، إذ إن الصراع في السودان يطيل حلّ أزمة سدّ النهضة، وبالتالي فإن تحرّك مصر نحو الصومال (التعاون الدّفاعي بين مصر والسودان) يأتي في إطار حماية أمنها المائي في البحر الأحمر، بعد علمها أن خيار التفاوض لا يُجدي مع إثيوبيا، كذلك من تداعيات هذه الحرب أزمة اللجوء، إذ إن تدفق اللاجئين على الحدود سيؤثر على المنطقة.
كما أنّ من تداعيات هذه الحرب اكتشاف هشاشة آليات فض النزاعات في القرن الإفريقي، حيث فشلت دول الإيغاد في حلّ أزمة السودان.
وفي الشقّ الثاني من الندوة، فُتح المجال للحضور والمشاركين الّذين أثرو الجلسة بالمداخلات والتفاعلات المتمثلة في تعليقاتهم واستفساراتهم وإضافاتهم حول موضوع الندوة والأوضاع الحالية في السودان، فكانت المداخلة الأولى من نصيب الدّبلوماسي السيد عمار أحمد، سفير السودان لدى الصومال، الّذي أطلع على الجميع الأوضاع في السودان، وقدّم توصيفا دقيقا لمجريات الأحداث هناك، مشيرا إلى أن الصراع الحالي بدأ بأطماع شخصية نحو الوصول إلى السلطة بدعم من الخارج، وخاصة من دول إقليمية شقيقة وأخرى في الجوار السوداني، غير أنّه طمأن الجميع على أن هناك بشريات تتمثل في تماسك الجيش السوداني وتضامن الشعب معه، إلى جانب تراجع بعض دول الجوار مثل كينيا وإثيوبيا، من موقفهما السابق إزاء الحرب في السودان، مما يبشّر بحسم المعركة لصالح الشعب السوداني ودولته الشرعية.
بدوره، عزّز الدبلوماسي ضياء الدّين المستشار في سفارة جمهورية السودان الشقيقة لدى الصومال، خلال مداخلته في تعقيب المتحدّثين والمعلّقين، من أهمية تماسك الجبهة الداخلية لدول المنطقة، وأنه كلما ترهل هذا التماسك، كلما تزداد مخاطر التفكك والصراع داخل مكوّنات دول وسكان القرن الأفريقي، بل والقارة الأفريقية بشكل عام.
من جانبه، نفى الدّكتور محمد عبدالكريم أستاذ القانون في جامعة أفريقيا العالمية بالسودان، وجود طرفي صراع في السودان، وبدلا من ذلك أوضح أن النظام الشرعي المعترف به والمتمثل في المؤسسة العسكرية، يواجه مليشيات متمرّدة خارجة عن القانون، وبالتالي فلا يمكن –حسب الدّكتور- وصف الحالة في السودان بحرب أهلية وإنما هي محاربة جماعات متمرّدة تتلقى الدّعم من الخارج.
أما الأستاذ الباحث ليبان أحمد شري، مدير مركز القرن الأفريقي للتنمية والبحوث والدّراسات، فقد أعرب في مداخلته عن السيناريوهات المحتملة للحرب في السودان، من وجهة نظره، والتي لا تتعدّى أحد ثلاثة سيناريوهات هي:
- استمرار الحرب وطول أمدها
- انتصار طرف على آخر (وهو أمر مستبعد بالنسبة إليه)
- إجراء تسوية ومصالحة وطنية، وهو السيناريو الّذي يميل إليه
وفيما يتعلّق بانعكاسات هذه الحرب على الصومال بوجه خاص، أشار السيد ليبان شري، إلى أن الصومال فَقَدَ دولة صديقة وشقيقة، وقفت إلى جانبه في سنوات التيه والضياع، وصوتا مساندا له في المحافل الإقليمية والدّولية، وقبل هذا وبعده، فَقَدَ الصومال بهذه الحرب، العديد من المنح الدّراسية السنوية التي كانت تقدّمها السودان للصومال لمختلف المراحل التّعليمية الجامعية.
هذ، وقد حمّل بعض الحضور مركز مقديشو للبحوث والدّراسات، مسؤولية إيصال مخرجات هذه الندّوة إلى مراكز صنع القرار في الصومال، حتى يقف الصومال وقفة رسمية وقوية إلى جانب الشعب السوداني ودولته.
كما وقد حضر الندوة لفيف من العلماء والمثقفين الصوماليين والسودانيين، فضلا عن مسؤولين في السلك الدّبلوماسي السوداني بالصومال وعلى رأسهم السيد عمار أحمد، سفير السودان الشقيقة لدى الصومال، والسيد ضياء الدّين مستشار السفارة السودانية لدى الصومال.
وفي الختام، شكر السيد عبدالله فاتح، نائب مدير مركز مقديشو للبحوث والدّراسات، جميع الحاضرين من متحدّثين ومعلّقين وحضور، على إثرائهم لموضوع الندوة بالمعلومات والتحليلات، متعهّدا بأن المركز سيعقد ندوات ومؤتمرات علمية أخرى حول الموضوع في المستقبل بإذن الله.