منذ بداية نشأة الدول بمفهومها الحديث، تراوحت علاقات البلدان المتجاورة بين التعاون و التنافس، بين الود والعداوة و خاصة بين السلم و الحرب في أغلب الأحيان تكون المشاكل الحدودية بين هذه الدول السبب الأول في النزاعات العسكرية ولنا في التاريخ أكثر من مثال حي. فهل توجد حلول أخرى لفض هذه المشاكل بطرق سلمية و دون الدخول في متاهات الحروب و ما ينجر عنها من مآسي؟ و هل يمكن إيجاد حلول من هذا القبيل تكون قابلة للتطبيق في منطقة القرن الإفريقي؟
إن القانون الدولي لا يجيز ضما بالقوة من جانب واحد لأراضي أو مناطق متنازع عليها أو موضع خلاف و إن كان بسيطا، و لكنه يجيز تبادل الأراضي بالاتفاق بين جميع الأطراف المعنية.
إن فكرة تبادل الأراضي[1] بين الدول كانت مرتكزة على خطط ومشاريع السلام تفاديا للحروب و النزاعات بجميع أنواعها. من المفترض أن أول تبادل للأراضي في التاريخ الحديث تم في أمريكا الجنوبية بين القوتين الإستعماريتين في ذلك الوقت إسبانيا و البرتغال و ذلك بعد التوقيع على معاهدة تورديسيلاس سنة 1494 التي حددت نفوذ كل منهما نسبة إلى خط وهمي يقسم أمريكا الجنوبية بالطول إلى شطرين فسيطرت بذلك البرتغال على الشرق و إسبانيا على الغرب.
عديدة هي الأسباب التي من الممكن أن تجعل العالم الحديث بمكوناته الحالية يفكر في حل تبادل الأراضي (و السكان أحيانا) درءا للحروب و منها:
- وجود نزاعات تتعلق بمطالب إقليمية لبعض الدول (السودان و جنوب السودان، فنزويلا و غويانا، الصومال و أثيوبيا…)
- حدود وضعها الإستعمار دون تدخل أو مشاركة السكان المحليين و دون إحترام خصوصيات المنطقة من الناحية العرقية و الدينية و اللغوية
- تداخل جغرافي كبير بين بعض الدول مما خلق جيوبا منعزلة لكل بلد داخل أراضي بلد آخر (بنغلاديش و الهند، طاجيكستان و قرغيزستان، الإمارات العربية المتحدة وعمان، بلجيكا و هولندا…)
- وجود أراضي تتبع إحدى الدول بدون حدود مباشرة مع الدولة الأم و تكون مفصولة عنها بأراضي دولة أخرى (نخجوان التابعة لأذربيجان، كابيندا التابعة لأنغولا، ألاسكا التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، مسندم التابعة لعمان، كالينينغراد التابعة لروسيا …) أو أن تكون هذه الأراضي موجودة بالكامل داخل أراضي دولة أخرى (منطقة ليفيا الإسبانية و التي تحيط بها فرنسا من جميع الجهات من دون أن تكون لفرنسا أراضي داخل إسبانيا)
- وجود أقليات عرقية على حدود الدولة الوطنية لهذه الأقليات في مناطق تتبع دولا أخرى (الأقليات الروسية في جورجيا و أوكرانيا، الأقليات الأرمنية في أذربيجان، الأقليات العربية في إيران، الأقليات التركية في بلغاريا…)
- وجود دولة حبيسة حدودها قريبة للغاية من سواحل تتبع بلدانا أخرى و قد كانت هذه السواحل في يوم من الأيام تحت سيطرة هذه الدولة الحبيسة (بوليفيا[2]، مولدافيا[3]، أثيوبيا[4])
و تبقى خطوط حدود الماضي وخاصة تلك التي حددها الاستعمار لأغراض نفعية له في ذلك الزمان قابلة للتعديل بموافقة الدول المستقلة. و قد وقعت بالفعل في عدة مناطق في العالم خلال العقود الأخيرة عدة اتفاقيات بين دول متجاورة كاسرة قدسية الحدود مما أدى إلى إعادة رسمها من جديد بشكل يستجيب لاحتياجات و مصالح الأطراف المعنية. ومن هذه الاتفاقيات يمكن ذكر الآتي كمجرد أمثلة:
- اتفاقية سنة 1965 بين الأردن و المملكة العربية السعودية حيث حصلت الأخيرة على 7000 كم2 من الأراضي الأردنية مقابل حصول الأردن على 19 كم لتوسيع خطها الساحلي على خليج العقبة بالإضافة لـ 6000 كم2 من الأراضي الداخلية السعودية
- اتفاقية سنة 1984 بين الأردن و العراق حيث جرى تبادل للأراضي بالتساوي حيث تخلى كل بلد عن 195 كم2 لفائدة البلد الآخر
- اتفاقية سنة 2000 بين اليمن و المملكة العربية السعودية حيث نص الاتفاق على استعادة اليمن لـ 40000 كم2 من الأراضي التي يطالب بها من السعودية مقابل عدم مطالبته بـ 3 مقاطعات أخرى تبقى تحت السيادة السعودية
- اتفاقية سنة 2004 بين سوريا و الأردن حيث استعادت الأخيرة من سوريا 125 كم2 مقابل تخليها عن 2.5 كم2 و قد قبلت الأردن بالحصول على أراض سورية محاذية لها مقابل أراضيها الأصلية التي أصبحت مأهولة بسكان سوريين و ذلك بمبدأ المساواة في المساحة والأهمية
- اتفاقية سنة 2015 بين بنغلاديش و الهند والتي أنهت واحدا من أطول و أعقد المشاكل الحدودية في العالم حيث حدث تبادل للأراضي و السكان تخلت بموجبه بنغلاديش عن 110 جيبا داخل الأراضي الهندية مقابل تخلي الهند عن 50 جيبا داخل الأراضي البنغالية.
حُرمت أثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر مع استقلال أريتريا و إعلانها دولة سنة 1993 وأصبحت بالتالي دولة حبيسة بنمو سكاني كبير و اقتصاد متسارع مدعوم من عديد الدول الغربية. تريد أثيوبيا الوصول إلى البحر مهما كان الثمن و ما تصريحات رئيس وزرائها في السنوات الأخيرة و توقيعها لاتفاق غير قانوني مع أرض صومالية انفصالية إلا بداية لأزمات قادمة تهدد سلام و أمن منطقة القرن الإفريقي إن واصلت أثيوبيا في غيها.
ترغب الدول الغربية في جعل أثيوبيا شرطي المنطقة والعصا الغليظة التي يؤدب بها زعماء الغرب و حلفاؤهم من يخرج عن طوعهم و يرفض وصايتهم. هذا الدور الذي قبلت أثيوبيا بلعبه عاد عليها بالضر وليس بالنفع فقد أصبحت تصرفاتها وسياساتها تثير الريبة و الشك و أصبح كل جيرانها يعاملونها بحذر شديد.
تعتمد التجارة الدولية بشكل كبير على النقل البحري و الموانئ التجارية و هو ما جعل من أثيوبيا تعتمد اعتمادا كليا على موانئ جيبوتي وهو ما يتطلب منها الحفاظ على علاقات متميزة مع هذا الجار الصغير الذي يمثل نقطة الوصل الأهم التي تربط أديس أبابا ببقية العالم. فهمت أثيوبيا و تأكدت من أنها لن تكون قوة إقليمية يُقرأ لها ألف حساب من دون الوصول المباشر إلى البحر و أن كونها دولة حبيسة يمثل أكبر نقاط ضعفها رغم ضخامة مساحتها و كثرة سكانها.
تراوحت سياسات أثيوبيا بين اللين تارة و التلويح باستعمال القوة طورا مع جيرانها البحريين حتى تتحصل على ممر بحري يفك عزلتها. في حقيقة الأمر تعلم أثيوبيا أن استعمال القوة ليس بالأمر السهل فجيبوتي حليفة قوية للغرب و تستضيف 6 قواعد عسكرية أجنبية[5] و الصومال تسير على طريق الديمقراطية والإصلاح الإقتصادي و الإجتماعي و قد أعادت بناء جيشها ورُفع عنها حظر شراء الأسلحة و وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع كل من تركيا و مصر. أما عن أريتريا و رغم عزلتها الدولية فهي ليست بالفريسة السهلة و لها تاريخ طويل مع الحروب كما أنها تُعتبر الطفل المدلل للكيان الصهيوني في المنطقة[6]. عند دراسة كل هذه الوضعيات من الممكن أن تعي أثيوبيا أن التعاون و نشر السلام و اندماجها في محيطها هي الأشياء الوحيدة التي قد تسمح لها بالوصول إلى شواطئ البحر الأحمر. و تبقى مسألة تبادل الأراضي حلا من الحلول الممكنة.
أما إذا واصلت أثيوبيا في افتعال المشاكل و استغلال الأزمات الداخلية لجيرانها لمصلحتها الخاصة، و ما الأزمة الصومالية الأثيوبية الأخيرة إلا حلقة من حلقات مسلسل طويل لن ينتهي أبدا إذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن، فلن تسكت أطماعها التي يراها ساسة أديس أبابا حقا مكتسبا إلا بإحدى هاتين النهايتين[7]:
- تقسيم أثيوبيا إلى دويلات ضعيفة و صغيرة و ذلك بأن تسيطر كل أقلية من أقلياتها على مساحة من الأرض و تعلنها دولة مستقلة في انتظار الاعتراف الدولي
- حصول أثيوبيا على ممر بحري يصلها بالبحر الأحمر بطرق سلمية و منها ما تم ذكره سابقا من تبادل للأراضي مع أحد جيرانها
الحل الأول لن يرضي القوى الغربية الحليفة لأثيوبيا و لكنه من الممكن أن يرضي جيرانها و أعداءها على المدى القريب والمتوسط. أما على المدى البعيد فلن يرضي هذا السيناريو أحدا لأن هذه الدويلات ستتصارع على ترسيم حدودها و ستصبح مصدرا للاجئين و موطنا للإرهاب الذي يتغذى من الفقر والجهل.
أما الحل الثاني فيبدو الأفضل على أن يكون اتفاق تبادل الأراضي بين أثيوبيا و أحد جيرانها منصفا ومغريا لمن سيتخلى عن بعض سواحله لجارته الحبيسة. تبقى كينيا و السودان وسواحلهما بعيدة عن الأراضي الأثيوبية مما يجعلهما خيارين مستحيلين و بدون جدوى.
أما وصول أثيوبيا إلى البحر الأحمر عن طريق بعض الأراضي الصومالية الانفصالية فيُعد أمرا غير محمود العواقب كما أنه لا يؤسس لعلاقات سلمية بين البلدين. و لا ننسى بأن أهم بند في اتفاقيات تبادل الأراضي بين الدول يرتكز على خطط و مشاريع السلام درءا للحروب و النزاعات بجميع أنواعها وهو ما لا يتوفر هنا فالصومال دولة فيدرالية و شمالها يريد إعلان استقلاله و تأسيس دولة لا يعترف بها أحد في كل أرجاء المعمورة كما أن تاريخ البلدين حافل بالحروب و النزاعات المسلحة على الحدود و الفظاعات التي ارتكبها الجيش الأثيوبي بحقوق المدنيين الصوماليين الأبرياء في الأراضي التي سيطر عليها الأحباش في فترة من الفترات تحت ذريعة محاربة الإرهاب. كما أنه لا يمكن نسيان أن الصومال كانت و لازالت تطالب بأراضي ضخمة المساحة تسيطر عليها أثيوبيا إلى اليوم و يقطنها سكان ذوو أصول صومالية يدينون بالإسلام.
لقد كانت إيطاليا و من بعدها بريطانيا سببا رئيسيا فيما حدث ويحدث بين الصومال و أثيوبيا فقد دق الاستعمار إسفين الشقاق والنزاعات بين بلدان القرن الإفريقي بعد أن أعطى لمن لا يستحق ما لا يستحق وهو ما جعل من كامل شرق إفريقيا منطقة تعيش على صفيح ساخن منذ عقود.
تبقى سواحل أريتريا الطويلة (2234 كم) وسواحل جيبوتي (370 كم) أقرب الشواطئ لأراضي أثيوبيا بمسافات لا تبلغ حتى الـ 100 كم في عدة مناطق وهو ما يجعلها مؤهلة لأن تكون محور تبادل للأراضي بين أثيوبيا وإحدى هاتين الجارتين.
Ω تبادل للأراضي بين أريتريا و أثيوبيا:
عانت أريتريا من ويلات إحتلال أثيوبي مرير ودفعت ثمنا غاليا من أجل إعلان استقلالها وتأسيس دولتها سنة 1993. وقد تواصلت هذه المعاناة بعد الانفصال الأريتري بسبب النزاعات الحدودية التي تطورت إلى حرب دامية سنة 1998 ولا زالت أثيوبيا إلى الآن تسيطر على أراض تطالب بها أسمرة كإقليم بادم. و رغم التقارب الملموس بين البلدين في السنوات الأخيرة فإن المشاكل لا تلبث أن تطفو على السطح عند أول صدام أو سوء تفاهم و إن كان بسيطا كمنع السلطات الأريترية مؤخرا دخول طائرات الخطوط الأثيوبية لمطار أسمرة الدولي بناء على تشكيات مواطنين أريتريين من سوء معاملة و غلاء أسعار وسرقة أمتعة من قبل موظفي الشركة الأثيوبية.
في أواخر سنة 2023 أثارت تصريحات وزير التعليم الأثيوبي موجة من الغضب في أريتريا و موجة من الجدل الممزوج بالأحلام الوردية في أثيوبيا بعد أن أشار الوزير إلى إمكانية تغيير الخارطة الأثيوبية من جديد و قد كان يرمي إلى إمكانية الاستحواذ على ميناء عصب الأريتري مبرزا أن عديد القوى الدولية تدعم هذا التوجه و تعمل على تكييفه مع القانون الدولي باعتبار أن أثيوبيا سيطرت على هذا الميناء و المناطق المتاخمة له لحوالي ثلاثة عقود متواصلة من 1962 إلى [8]1991. الواضح أن الأطماع الأثيوبية لا تفتأ أن تتعاظم يوما بعد يوم ولكن على حكامها أن يفهموا و يتيقنوا من أن استعمال القوة لن يجدي نفعا و أن الحرب ستعود بالوبال على المنطقة جمعاء. يكمن الحل و الخلاص الأثيوبي في التفاهم مع جيرانها والعمل على إيجاد حلول سلمية ومنصفة ودائمة لمشاكلها القديمة والجديدة و منها تبادل سلمي للأراضي يمنح أديس أبابا ساحلا صغيرا يضمن لها إنشاء ميناء تجاري يدعم مبادلاتها التجارية. ثمن الوصول إلى البحر يجب أن يكون مجزيا و مرضيا لكل الأطراف و على أثيوبيا أن تدفعه طواعية و عن طيب خاطر.
منطقة جنوب البحر الأحمر الأريترية و عاصمتها مدينة عصب تمتد على مسافة 500 كم على طول ساحل البحر الأحمر مع عرض بسيط لا يتجاوز 50 كم في بعض المناطق. تشكل هذه المنطقة الحدود المشتركة بين أريتريا و جيبوتي و تشهد هذه الحدود مشاكل و نزاعات لا تلبث أن تشتعل بين الفينة و الأخرى بسبب تعديات أريتريا المتعددة و توغلاتها العسكرية المتتالية داخل الأراضي الجيبوتية[9].
في حقيقة الأمر إن تبادل الأراضي بين أثيوبيا و أريتريا ليس بالأمر السهل و قد يتطلب الأمر مفاوضات و مساومات طويلة و منهكة. إن مشاركة أطراف دولية أمر لا مفر منه و على الاتحاد الإفريقي و منظمة الأمم المتحدة أن يلعبا دورا فيصليا لتقريب وجهات النظر بين البلدين و على أثيوبيا أن تفهم أن مساحة المناورة عندها محدودة للغاية كما أن على أريتريا أن تفهم أن فشل المفاوضات يمكن أن يؤدي إلى وبال قد يدخل كامل شرق إفريقيا في دوامة من الحروب و العنف.
إذا حصل اتفاق أثيوبي أريتري فمن الممكن أن تحصل أثيوبيا على حوالي 25 كم من السواحل انطلاقا من الحدود الجيبوتية – الأريترية إلى حدود مدينة كيلوما التي تقع في بداية خليج عصب حيث توجد المياه الضحلة (هذه المنطقة صحراوية قليلة السكان حيث لا تتجاوز الكثافة السكانية الـ 4 س/كم2) و بعمق يصل إلى حوالي 85 كم ليربط الأراضي الأثيوبية بساحل البحر الأحمر.
ستحصل أثيوبيا بهذه الطريقة على مساحة تعادل تقريبا 3000 كم2 و بإمكانها إنشاء ميناء تجاري جديد. من المفترض أن تكون معادلة تبادل الأراضي[10] (3:1) لصالح أريتريا أي أن الأرض التي ستتحصل عليها الأخيرة ستعادل تقريبا 9000 كم2. من الممكن أن يتم اقتطاع الأراضي التعويضية لأريتريا من إقليم العفر الأثيوبي الذي بدأ يلعب في السنوات الأخيرة دور سلة غذاء أثيوبيا وهو إقليم قليل الكثافة السكانية و يمتد سكانه من قومية العفر من أريتريا إلى جيبوتي مرورا بأثيوبيا. إضافة لذلك، من الممكن أن تطالب أريتريا بتعويضات مالية إضافية مقابل المنشآت الواقعة على الأراضي التي ستتحول إلى السيادة الأثيوبية.
سوف تتراوح نتائج تبادل الأراضي بين أريتريا و أثيوبيا بين الإيجابي و السلبي و ستكون تأثيراته على صعيد إقليمي ودولي:
- ستفقد أريتريا و جيبوتي حدودهما البرية المشتركة وستصبحان شبه محاصرتين من قبل أثيوبيا
- ستأخذ أثيوبيا مكان أريتريا في نزاعها الحدودي مع جيبوتي و من الأفضل أن يناقش هذا الأمر منذ البداية لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف المتداخلة منعا لمشاكل مستقبلية قد تتطور نحو الأسوأ
- ستفقد جيبوتي أهمية موانئها و سوف تخسر مداخيل سنوية بمئات ملايين الدولارات نظير مرور صادرات و واردات أثيوبيا من أراضيها
- ستتغير خارطة العالم مجددا مثلما حصل في السنوات الأخيرة التي شهدت ظهور دول جديدة أعلنت استقلالها وانفصالها عن كيانات أخرى (كوسوفو، جنوب السودان)
- سوف تصبح أثيوبيا دولة ساحلية لها ميناؤها الخاص مما يساعد على انفتاحها على العالم الخارجي و يسهل تجارتها الدولية
- المنطقة التي ستتحصل عليها أثيوبيا تُعد شبه خالية من السكان و لكن هذا لن يمنع إمكانية تبادل للسكان و خاصة نقل السكان الأثيوبيين من الأراضي التي ستتحصل عليها أريتريا في إقليم العفر الأثيوبي
- ستتحصل أريتريا على أراضي جديدة و خصبة ستزيد من مساحتها بحوالي 6000 كم2 وهو ما يقارب مساحة سلطنة بروناي
- سيصبح النقل البحري و حركة البضائع و المسافرين من أثيوبيا إلى الجزيرة العربية أكثر سلاسة و سهولة
- سيعم السلام المنطقة بعد أن تتخلى أثيوبيا عن أطماعها الاستعمارية و بعد أن يبرم البلدان اتفاق سلام دائم يحل كل المشاكل الحدودية بينهما و ذلك برعاية إفريقية و أممية
- ستصبح أثيوبيا منتجا للثروات البحرية و ذلك لثراء المنطقة التي سوف تتحصل عليها بالثروة السمكية وهو ما قد يساعد في جعل الاقتصاد الأثيوبي اقتصادا متنوعا
من الممكن أن يلاقي هذا الاتفاق معارضة من عديد الأطراف لأسباب متعددة تختلف حسب مصالح كل بلد:
- العلاقات بين مصر و أثيوبيا متوترة و تزداد توترا بسبب سد النهضة الأثيوبي الذي بات يهدد حصتي السودان و مصر من مياه النيل. وصول أثيوبيا إلى البحر قد يضر بالمصالح المصرية في المنطقة و ذلك في صورة أن أثيوبيا ستعمل على إنشاء قاعدة عسكرية بحرية. أما في صورة اكتفاء أثيوبيا باستغلال سواحلها الجديدة كميناء تجاري دون أي أغراض عسكرية فقد يرضي ذلك القاهرة التي ستتحصل على مداخيل إضافية جراء مرور السفن الأثيوبية من قناة السويس و دفعها لمعاليم ذلك
- حصول أثيوبيا على ممر بحري من أريتريا قد يزعج جيبوتي لما له من تأثيرات اقتصادية عليها
- قد يرفض السكان العفر الأثيوبيون التخلي عن بعض أراضيهم لصالح أريتريا و ترحيل بعضهم إلى أماكن أخرى و قد يطالبون بتعويضات مجزية من الحكومة المركزية في أديس أبابا.
Ω تبادل للأراضي بين جيبوتي و أثيوبيا:
يبقى الخيار الثاني هو حصول أثيوبيا على ممر بحري من دولة جيبوتي مع تبادل للأراضي بين البلدين. قد يكون هذا الحل أكثر واقعية و أهمية من الخيار الأول و ذلك لعدة اعتبارات و منها العلاقات الجيدة بصفة عامة التي تربط جيبوتي بأديس أبابا و صغر مساحة جيبوتي و هيمنة المناخ الجاف و القاحل على أراضيها حيث ستتحصل على أراضي جديدة أكثر خصوبة. كما لا ننسى أن جيبوتي عرضت مؤخرا في أواخر شهر أغسطس 2024 حلا عمليا للتوترات الأخيرة بين الصومال و أثيوبيا و ذلك بعد أن قامت باقتراح منحها ميناء بحريا لأثيوبيا يبعد عن حدودها حوالي 100 كم على أن تستقل الأخيرة بإدارته إدارة كاملة. إن مشاركة أطراف دولية كمنظمة الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي و جامعة الدول العربية في المفاوضات المفترضة بين البلدين سيضمن حقوقهما كاملة.
يمكن لأثيوبيا الحصول على ممر بحري من جيبوتي بطريقتين مختلفتين الأولى جنوبا على الحدود الجيبوتية – الصومالية و الثانية شمالا على حدود أريتريا. أما الحل الأول فهو غير محبذ و غير ممكن لعدة أسباب:
- توجد العاصمة جيبوتي قريبا من الحدود الصومالية كما أن الكثافة السكانية في هذه المنطقة تُعتبر مرتفعة
- تتواجد القواعد العسكرية الأجنبية الست في جيبوتي جنوب البلاد قرب الحدود الصومالية و حول العاصمة
- تمثل جيبوتي امتدادا للصومال من ناحية اللغة و العرق[11] و زرع كيان غريب بين الشعبين لن يكون أمرا مرحبا به من قبل القبائل المحلية
- الحساسيات بين الصومال كدولة فيدرالية و أثيوبيا قديمة و لا تلبث أن تطفو على السطح و من المنتظر أن ترفض مقديشو هذا الحل حتى لا تخسر حدودها مع جيبوتي و كي لا تصبح محاصرة أكثر من قبل أثيوبيا.
و هكذا يكون الحل الثاني هو الأسلم و الأكثر معقولية و قابلية للتطبيق على أرض الواقع. من المنتظر أن تمنح جيبوتي أراضي لأثيوبيا تقوم باقتطاعها من شمال إقليمي تاجورة و أبخ على الحدود مع أريتريا على أن تحصل أثيوبيا على 20 كم من سواحل أبخ من رأس دميرة المتنازع عليها مع أريتريا شمالا إلى خارج بلدة مول هولة جنوبا. بهذه الطريقة ستحصل أثيوبيا على مساحة تعادل تقريبا 3000 كم2 من أراضي جيبوتي على أن تقوم بتعويضها بمعادلة (3:1) لصالح جيبوتي أي أن تقوم بتسليمها ما يعادل 9000 كم2 تقريبا من إقليم العفر الحدودي أو من إقليم الصومال الأثيوبي[12]. و من الممكن أن تطالب جيبوتي بتعويضات مالية إضافية نظير التجمعات السكانية و المنشآت و ممتلكات السكان الخاصة التي ستتخلى عنها.
سوف تتراوح نتائج تبادل الأراضي بين جيبوتي و أثيوبيا بين الإيجابي و السلبي و ستكون تأثيراته على صعيد إقليمي و دولي:
- ستفقد جيبوتي و أريتريا حدودهما البرية المشتركة و ستصبحان شبه محاصرتين من قبل أثيوبيا وهو ما قد يخلق ممانعة من قبل أسمرة
- ستأخذ أثيوبيا مكان جيبوتي في نزاعها الحدودي مع أريتريا و من الأفضل أن يناقش هذا الأمر منذ البداية لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف المتداخلة منعا لمشاكل مستقبلية قد تتطور نحو الأسوأ
- ستفقد جيبوتي أهمية موانئها و سوف تخسر مداخيل سنوية بمئات ملايين الدولارات نظير مرور صادرات و واردات أثيوبيا من أراضيها. هذا الأمر يمكن أن تضعه جيبوتي على طاولة المفاوضات و أن تطالب بتعويضات مجزية لقاء ذلك
- ستتغير خارطة العالم مجددا مثلما حصل في السنوات الأخيرة التي شهدت ظهور دول جديدة أعلنت استقلالها و انفصالها عن كيانات أخرى
- الأراضي المتبادلة بين جيبوتي و أثيوبيا ليست خالية من السكان رغم كثافتها السكانية الضعيفة وهو ما سيؤدي إلى تبادل و نقل للسكان المحليين إلى مناطق أخرى في كلا البلدين
- ستتحصل جيبوتي على أراضي جديدة و خصبة ستزيد من مساحتها بحوالي 6000 كم2 وهو ما يقارب ربع مساحتها الأصلية
- سوف تصبح أثيوبيا دولة ساحلية لها ميناؤها الخاص مما يساعد على انفتاحها على العالم الخارجي و يسهل تجارتها الدولية (و خاصة لتصدير أهم منتجاتها: القهوة)
- سيصبح النقل البحري و حركة البضائع و المسافرين من أثيوبيا إلى الجزيرة العربية أكثر سلاسة و سهولة
- سيعم السلام المنطقة بعد أن تتخلى أثيوبيا عن أطماعها الاستعمارية و بعد أن يبرم البلدان اتفاق سلام دائم و ذلك برعاية إفريقية و أممية
- ستصبح أثيوبيا منتجا للثروات البحرية و ذلك لثراء المنطقة التي سوف تتحصل عليها بالثروة السمكية وهو ما قد يساعد في جعل الاقتصاد الأثيوبي اقتصادا متنوعا
- سيصبح مضيق باب المندب تحت سيطرة جيبوتي و أثيوبيا و اليمن
و من الممكن أن يلاقي هذا الاتفاق معارضة من عديد الأطراف لأسباب متعددة تختلف حسب مصالح كل بلد:
- العلاقات بين مصر و أثيوبيا متوترة و تزداد توترا بسبب سد النهضة الأثيوبي الذي بات يهدد حصتي السودان و مصر من مياه النيل. وصول أثيوبيا إلى البحر قد يضر بالمصالح المصرية في المنطقة و ذلك في صورة أن أثيوبيا ستعمل على إنشاء قاعدة عسكرية بحرية. أما في صورة اكتفاء أثيوبيا باستغلال سواحلها الجديدة كميناء تجاري دون أي أغراض عسكرية فقد يرضي ذلك القاهرة التي ستتحصل على مداخيل إضافية جراء مرور السفن الأثيوبية من قناة السويس و دفعها لمعاليم ذلك
- حصول أثيوبيا على ممر بحري من جيبوتي قد يزعج بعض الدول المجاورة و يمس من أمنها القومي و خاصة اليمن و ذلك لإمكانية استغلال الميناء الأثيوبي من قبل الكيان الصهيوني نظرا للعلاقات المتميزة التي تربط أديس أبابا بتل أبيب
- تطالب الصومال باستعادة إقليم أوغادين الذي تسيطر عليه أثيوبيا و لذلك من المتوقع أن ترفض تبادلا لأراضي يتم اقتطاعها من هذا الإقليم. بإمكان أثيوبيا إيجاد حل لهذا المشكل و ذلك بأن تقوم بتبادل الأراضي الجيبوتية المتحصل عليها بأراضي من إقليم العفر الأثيوبي.
تقبع منطقة القرن الإفريقي على صفيح ساخن تؤجج نيرانه الأحداث الأخيرة المتسارعة التي لا تنبئ بخير طالما واصلت أثيوبيا في تعنتها و عدم احترام سيادة جيرانها. إن الوصول إلى البحار بالنسبة للدول الحبيسة، في صورة إمكانية حدوث ذلك، يُعد أمرا حياتيا بالغ الأهمية لديمومة المنظومات الحاكمة في هذه البلدان و لتحسين مستوى حياة شعوبها.
و لكن مثل هذه الأمور في وقتنا الحالي لم يعد من الممكن أن تتم باستعمال القوة و إعلان الحروب و هضم حقوق الشعوب المجاورة. و قد سهل القانون الدولي إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشاكل و منها تبادل الأراضي بين الدول. فهل ستفهم أثيوبيا الدرس و تقتنع بأن عليها دفع الثمن المناسب مقابل ما تريد الحصول عليه؟
[1] تبادل الأراضي بين الدول يمكن أن يكون بالتساوي أو بغيره و ذلك بالاتفاق بين الدول المعنية و حسب أهمية المناطق التي ستتم مبادلتها
[2] كانت بوليفيا تمتلك 400 كم من السواحل على المحيط الهادئ و لكنها خسرتها لصالح دولة الشيلي بعد هزيمتها في حرب المحيط الهادئ التي دارت رحاها بين سنتي 1879 و 1883
[3] كانت مولدافيا و لقرون عديدة تمتلك سواحل على البحر الأسود و لكنها خسرتها في ثلاثينات القرن العشرين عنما كانت جمهورية سوفييتية حيث قام جوزيف ستالين باقتطاع السواحل المولدافية و الحاقها بأوكرانيا
[4] كل السواحل الأريترية الحالية كانت تحت السيطرة الأثيوبية لعشرات السنين إبان الاحتلال الأثيوبي لأريتريا
[5] القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي تعود لـ: فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و الصين و إيطاليا و إسبانيا
[6] تحتفظ أثيوبيا أيضا بعلاقات متميزة مع الكيان الصهيوني و لطالما لعبت دور الخنجر الذي يغرسه الصهاينة غدرا في ظهر الأمة الإسلامية
[7] تبقى المحافظة على الوضع الراهن شيئا صعبا للغاية مع النمو السكاني الكبير لأثيوبيا و المشاكل الداخلية التي تضرب البلاد مما يجعل إحدى النهايتين المذكورتين لاحقا أمرا لا مفر منه
[8] بدأ وزير الدفاع الأثيوبي هذه الموجة من التصريحات التي استفزت البلدان المجاورة لأثيوبيا سنة 2020
[9] شهدت الحدود بين البلدين عديد المعارك التي سقط فيها ضحايا من الجانبين و قد وافق البلدان سنة 2010 على وساطة دولة قطر التي قامت بنشر جنود لحفظ السلام على الحدود إلى غاية سنة 2017 حيث حصلت أزمة دبلوماسية بين قطر و أريتريا سحبت الدوحة جنودها على إثرها
[10] هذه المعادلات يتم الاتفاق عليها بالتراضي بين جميع الأطراف المتداخلة و من المتعارف عليه أن من يريد الحصول على سواحل جديدة أو توسيع سواحله يقوم بإعطاء مساحة أكبر من الأراضي الداخلية مقابل الأراضي الساحلية وهو ما حصل في اتفاقية 1965 بين الأردن و المملكة العربية السعودية
[11] كانت جيبوتي تُسمى الصومال الفرنسي إبان الاحتلال الفرنسي للبلاد
[12] إقليم الصومال الأثيوبي واسمه الأصلي إقليم أوغادين و تعتبره الصومال أرضا صومالية محتلة من قبل أثيوبيا و تطالب باسترجاعه