القاهرة: صفاء عزب
على الرغم من انضمام إثيوبيا تحت لواء الإتحاد الإفريقي في إطار من الوحدة والتضامن والحفاظ على السيادة والسلامة الإقليمية للأعضاء وفق نهج التعاون المشترك، إلا أن الممارسات الإثيوبية سواء مع جيرانها في منطقة القرن الإفريقي أو جيرانها في القارة بشكل عام، تتخذ سلوكا عدائيا في كثير من الأحيان تكشفه سياستها الخارجية الاستفزازية لهم لتحقيق أهدافها وأطماعها التوسعية والتمدد وراءها على حساب مصالح الشعوب الأخرى، مهما كان حجم الإضرار بالآخرين، ضاربة عرض الحائط بالقوانين والمواثيق الدولية، وهو ما يجعلها سببا في إثارة التوتر وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
حلم الإمبراطورية والأطماع في الصومال وكينيا!
ترجع الأطماع الإثيوبية في القرن الإفريقي إلى سنوات بعيدة وتحديدا إلى عام 1891 عندما أرسل الإمبراطور منليك إلى رؤساء الدول الأوروبية يخبرهم بالحدود الفعلية لإمبراطوريته بأنها تمتد من بلدة تومات الواقعة عند ملتقى نهري ستيت وعطبرة إلى كركوج على النيل الأزرق وتشمل مديرية القضارف، معلنا عن عزمه استعادة حدوده القديمة التي تمتد غربًا حتى الخرطوم وجنوبًا حتى بحيرة فكتوريا! ويبدو أن ذلك الحلم القديم لازال يراود أبي أحمد فنجده يتحدى الأعراف والقوانين سعيا لتحقيق الهيمنة على كل الإقليم، خاصة وأنه أشار إليه صراحة في خطاب له عام 2018، عندما قال أن والدته أخبرته وهو في سنّ 7 سنوات بأنه سيكون الإمبراطور السابع المقدر إلهيًّا ليوحد ويحكم إثيوبيا! ولاشك أنه لايذكر هذه العبارة عفويا وإنما للكشف عما بداخله من مخططات توسعية على حساب الجيران. وهو ما أكدته تصريحاته التي ألقاها في خطابه أمام البرلمان الإثيوبي تحدث فيه عن أطماع إثيوبيا ورغبتها فى الوصول إلى المياه الدافئة، من خلال ميناء سيادى على البحر الأحمر عبر إريتريا أو الصومال أو جيبوتى. ولكنه قوبل بممانعة من هذه الدول حرصا على سيادتها ووحدة أراضيها، فحاول الدخول من الباب الخلفي وهو ما فعله بإبرام اتفاقه مع إقليم انفصالي غير معترف به، تحقيقا لمطامعه في الوصول للبحر الأحمر وامتلاك منفذ ساحلي عليه مرتكبا جرما قانونيا في حق السيادة الدولية الصومالية. وحصل بموجب هذا الاتفاق على منفذ على البحر الأحمر بطول 20 كيلو يضم خصوصا ميناء بربرة وقاعدة عسكرية وهو ما تسبب في أزمة كبيرة مع دولة الصومال، إضافة إلى ردود فعل دولية وإقليمية رافضة لهذا المسلك الإثيوبي بما فيها موقف الاتحاد الإفريقي و “الإيجاد” وجامعة الدول العربية التي وصفت ما حدث بأنه انقلاب صارخ على الثوابت العربية والإفريقية.
ولا تتورع تلك الدولة القابعة في القرن الإفريقي من الاستعانة بأطراف خارجية للإستقواء بهم واستعدائهم على جيرانها. ولازلنا نذكر حرب الستينيات بين الصومال وإثيوبيا على إقليم أوجادين الذي استعانت فيها إثيوبيا بالدعم الأمريكي بالمال والسلاح مستغلة حالة الحرب الباردة بين القوتين العظميين آنذاك ونجحت وقتها في الحصول على نصف المساعدات الأمريكية لقارة إفريقيا.
و بخلاف أطماعها في الصومال، يحفل السجل التاريخي لإثيوبيا بالعديد من المشكلات والأزمات التي أثارتها مع جيرانها بسبب أسلوبها الاستعدائي المتعنت سواء في كينيا وإريتريا وصولا للسودان ومصر.
لم يسلم الكينيون من أطماع جارتهم الإثيوبية وكان هناك خلاف كبير وقع بين البلدين عندما قامت مجموعة (ميريلى) الإثيوبية التى تعيش فى الجانب الآخر من الحدود مع كينيا، أكثر من 20 شخصا فى قبيلة (توركانا) الكينية، كما ترتب على ذلك احتلال جزء من الأراضي الكينية على طول الحدود المشتركة مع إثيوبيا. وكان ذلك مجالا لعقد اجتماع مشترك بين القادة في البلدين على هامش حضورهم أداء اليمين الرئاسية للرئيس الأوغندى يورى موسيفينى، لبحث استعادة كينيا لجزء من أراضيها التي احتلها الإثيوبيون.
كما عانت كينيا أيضا من عدم وفاء إثيوبيا بوعودها والشروط المتفق عليها بشأن اتفاقية الطاقة الموقعة في يوليو 2022 والتي نصت على على أن تبيع إثيوبيا الكهرباء لكينيا لمدة 25 عاما لكن إثيوبيا واجهت تحديات في عدم قدرتها على إنتاج ما يكفي من الطاقة لتصدير الكهرباء إلى الخارج مما دفع كينيا لإعادة النظر في الأمر بعد فقدان الثقة في جدارة إثيوبيا بتنفيذ الشروط.
أزماتها مع السودان وإريتريا
وفي السودان كان لإثيوبيا أزمة أخرى بسبب مطامعها في الاستيلاء على منطقة الفشقة السودانية مستغلة الموقع الجغرافي الذي يتيح لها محاذاة أربع ولايات سودانية، هي القضارف وسنار وكسلا والنيل الأزرق، على مسافة 744 كيلومترًا، كما ويمتد شريط الحدود بين ولاية القضارف وإقليمَي تيجراي وأمهرة الإثيوبيين، نحو 265 كيلومتر. الأمر الذي يفتح شهيتها لالتهام ما يمكنها ابتلاعه من هذه المناطق، مستغلة النظرة الغربية إلى إثيوبيا، بوصفها المرتكز الاستراتيجي للغرب في منطقة القرن الإفريقي.
وكشفت الوقائع عن المطامع الإثيوبية في شرق السودان من خلال تسلل مواطنيها (مزارعين) إلى منطقة الفشقة وغيرها من المناطق الحدودية بعد خروج الاحتلال الإنجليزي من السودان رغم عدم وجود أي سند قانوني لدى إثيوبيا يمكنها من إثبات أي حق لها في أرض الفشقة أو غيرها من الأراضي السودانية. وقد أكدت الممارسات الإثيوبية الواقعية لأنظمتها السياسية المتعاقبة استغلالها لسيـــاسة الــــسودان القــائمة على حل المنازعات الحدودية عبر التفاوض وبالطرق السلمية حيث عمدت إلى تكريس فرض سياسة الأمر الواقع وبقاء الأمر على ما هو عليه مع محاولات لالتهام مساحات جديدة من الأراضي السودانية بمرور الوقت. ومع ذلك لم تخل العلاقات الثنائية بين البلدين من توتر بل وقطيعة ديبلوماسية منذ ستينيات القرن الماضي وذلك في عهدي الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري “1964-1985″، والرئيس السابق عمر البشير “1989-2019”. بسبب تلك الخلافات الحدودية في مثلث الفشقة وأم بريقة واختراق المزارعين الإثيوبيين لعمق الأراضي السودانية في بلدة “دوكة” عام 1966 ما اضطر السلطات السودانية إلى القبض على مئات الإثيوبيين. وهو الصراع الذي يتجدد من وقت لآخر بسبب الأطماع الإثيوبية في أراضي السودان.
لم تتورع إثيوبيا في تحقيق مصالحها الضيقة إلى الإتيان بأي فعل مهما كان غير مشروع وفي ذلك استعانت بقوات أجنبية ومرتزقة في حروبها مع جبهة التيجراي وهو ما كشفته تقارير وأكدته تصريحات إعلامية لغيتاتشو رضا، المتحدث باسم الجبهة، الذي قال فيها أن المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب قوات أبي أحمد ربما ينتمون إلى تركيا، أو الصين، أو إسرائيل، أو الإمارات.
جدير بالذكر أنه منذ توقيع أديس أبابا اتفاق السلام مع جبهة التيجراي في نوفمبر 2022، توترت العلاقة بين إثيوبيا وإريتريا بسبب تباين موقفيهما إزاء الكيفية التي جرى بها إنهاء الحرب التي خاضاها معاً ضد الجبهة، يضاف إلى ذلك الحملة الإثيوبية لتأمين منفذ بحري، والتي أطلقها رئيس الوزراء آبي أحمد في 13 أكتوبر2023، والتي زادت التوترات بين البلدين. وقد ساهم الخطاب الطويل لآبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي في 13 أكتوبر الماضي، بخصوص أجندة البحر الأحمر والتي وصفها بأنها باتت مسألة “حياة أو موت”، في إزعاج جارته إريتريا رغم سعيه لاحقاً لطمأنتها لكن الشواهد تشي بوجود حالة من القلق والتوتر بين الطرفين بسبب الأجندة الإثيوبية المريبة في المنطقة.
الصدام مع مصر
استمرارا لإصرار إثيوبيا على إثارة القلاقل والاضطرابات في المنطقة وممارسة هوايتها في إلحاق الضرر بجيرانها من أجل تحقيق أجندتها الخاصة، امتدت أزماتها وخصومتها إلى خارج منطقة القرن الإفريقي وصولا لأقصى شمال القارة حيث اشتعلت الأجواء بينها وبين مصر بسبب مشروع سد النهضة وتعنتها في رفض التفاوض مع مصر والسودان- باعتبارهما دولتي المصب – حول حقوقهما المائية والتسويف والمماطلة لفرض سياسة الأمر الواقع وتعمد ملء السد بشكل انفرادي دونما مراعاة لأية اعتبارات خاصة بحقوق الجيران والشركاء في مياه نهر النيل وهو الأمر الذي أثار ردود أفعال مصرية غاضبة، والذي استتبعه مؤخرا تحركات مصرية مهمة للحفاظ على أمنها القومي والاستراتيجي في البحر الأحمر وحرصها على الوقوف مع شقيقتها الصومال ودعمها في مواجهة الأطماع الإثييوبية التوسعية.