شحنات أسلحة عابود واق….  الروايات المتعددة ومكمن الخطورة

دخلت منتصف شهر يوليو الماضي في مناطق بوسط الصومال كميات كبيرة من أسلحة تشمل أنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة وذلك لأول مرة منذ قرار مجلس الأمن  رقم 2714  والمتعلق برفع حظر السلاح عن الصومال ما أثار جدلا واسعا على المستوى الرسمي والشعبي حول مصدر الأسلحة والجهة التي تقف ورءها والهدف من إدخاله إلى الصومال في هذا التوقيت الدقيق وفي ظل أزمة كبيرة بين الحكومة الصومالية  وإثيوبيا حول مذكرة التفاهم بين إدارة صومالي لاند  الإنفصالية والحكومة الإثيوبية بشأن حصول الأخيرة على ممر بحري عبر المياه الإقليمية الصومالية في شمال البلاد، وأن الجميع متفقون على خطورة هذه الأسلحة وتداعياتها على المستوى السياسي والأمني وتأثيراتها السلبية على الحرب على تنظيم الشباب.

الأسلحة المهربة…. الحجم والطبيعة

 تتكون شحنات الأسلحة التي كانت تنقل عبر شاحنتين من:

  1.  240 بندقية  كلانشكوف
  2.  130 من الصواريخ المحمولة بالأكتاف من طراز أربي  جي
  3. 45  رشاشا من طراز دوشكا
  4.   250 من الرشاش المتوسط PKM ( Pecheneg) من عيار  7.62  
  5.  230 من مدفع الرشاش 14.5 ملم
  6.  125 من سلاح القنص من طراز دراغونوف SVD Dragunov
  7. 4400  مسدس
  8. كميات كبيرة من الرصاص

 ذكرت التقارير  أن السلاح جاء من إثيوبيا وجرى نهبه في منطقة تبعد عن مدينة عابود واق  وسط الصومال بحوالي 20 كم، وتتحدث تقارير غير مؤكدة أن قوات من الاستخبارات الصومالية كانت ترافق الشاحنتين المحملة بالأسلحة ، وأن اشتباكات دارت بينها وبين مليشيات قبلية وقتل من قوات المرافقة للشاحنتين حوالي 10 جنود بينما قتل ٩ مليشيات من عشائر مريحان التي نهبت الأسلحة.

مصدر الأسلحة: الروايات المتعددة

 تعددت الروايات بشأن مصدر السلاح الذي قدر بقيمة أكثر من نصف مليون دولار ووجهته قبل أن يتم نهبه   في منطقة عابود واق القريبة من الحدود الصومالية الإثيوبية  والجهات المتورطة في شراء هذه الأسلحة أو نقلها إلى الصومال. كما تعددت الروايات حول دور الحكومة الفيدرالية وحكومة جلمدغ في هذه القضية، ومدى علمهما بمسار السلاح ووجهته. بالإضافة إلى ذلك يلف غموض كبير على دور الحكومة الإثيوبية التي تعتبر مصدر هذه الأسلحة أو  على الاقل معبر لها ويتسائل كثيرون كيف يمكن أن تجتاز هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة الأراضي الإثيوبية وفي وضح النهار ودون علم الحكومة الإثيوبية واستخباراتها وجيشها المنتشر بشكل كثيف على الحدود بين البلدين.

 الرواية الأولى : شبكات الأسلحة  الإجرامية

تقول هذه الرواية إن هذه الأسلحة ليست سوى  جزءا من الأسلحة التي كانت تدخلها الصومال بإنتظام منذ إنهيار  الدولة عام 1991  شبكات اجرامية عابرة للحدود تتاجر الإسلحة. يوجد في الصومال واحدة من أكثر أسواق اللإتجار بالأسلحة انتشارًا في أفريقيا وذلك بحسب نتائج مؤشر الجريمة المنظمة العالمي لعام 2023، وذكرت النتائج بإن الصومال سجلت 9 نقاط من أصل 10، بزيادة قدرها 0.5 نقطة منذ عام 2021. وأوضح المؤشر أن عدد الأسلحة غير المشروعة المتداولة في الصومال، والتي تتراوح ما بين  الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة إلى البنادق الهجومية، كبيرة وتشمل الجهات المتورطة في هذه الأسواق أنواعًا مختلفة من الجماعات الإجرامية. وبالإضافة إلى الميليشيات العشائرية المحلية والشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، تشارك الجماعات المسلحة المرتبطة بحركة الشباب أو الفصيل الصومالي لتنظيم الدولة الإسلامية بشكل كبير في السوق، باستخدام الأسلحة لتنفيذ هجماتها العنيفة والانخراط في أنواع أخرى من الإتجار. وبالتالي يرى كثيرون أن كميات الأسلحة التي دخلت الصومال منتصف شهر يوليو الماضي ضمن الاسلحة  المتدفقة في أسواق الأسلحة الصومالية ، لكن تسعى جهات داخلية وخارجية إلى الاستغلال منه إعلاميا لتحقيق أغراض سياسية  ، والضغط على الحكومة الفيدرالية الصومالية والرئيس حسن شيخ محمود لرضوخ مطالبها التي لم تستطع تحقيقها في المسار السياسي.

 الرواية الثانية: إثيوبيا

يرى أخرون أن الحكومة الإثيوبية هي التي تقف وراء هذه الأسلحة، وأنها تهدف من وراء ذلك إلى زعزعة الإستقرار الهش في الصومال، والانتقام من الحكومة الصومالية التي رفضت حصول إثيوبيا  على  ممر بحري في المياه الصومالية ، وتقول تلك الرواية إن الحكومة الإثيوبية أرسلت هذه الأسلحة إلى شخصيات سياسية تقود مليشيات قبلية في مناطق بوسط الصومال تربطها علاقات قوية معها وذلك في إطار استعداداتها للخروج من الصومال ضمن خطة الإتحاد الإفريقي لسحب القوات الإفريقية من الصومال نهاية العام المقبل أو استجابة لدعوة الحكومة الصومالية من سحب إثيوبيا قواتها التي لا تعمل ضمن بعثة الإتحاد الافريقي من الصومال احتجاجا على مذكرة التفاقهم الموقع بين إثيوبيا وإدارة أرض الصومال في أول يناير العام الماضي .

الرواية الثالية : قيادات سياسية

 تتحدث تقارير أخرى أن شحنات الأسلحة تملكها شخصيات سياسية صومالية تسعى إلى استخدمها في  تنفيذ اجندات تتعلق بالإنتخابات المزمع اجراؤها في ولاية جلمدغ وأن هذه الأسلحة بالنسبة لها ضرورية لردع معارضيها أو لضرب أي جهة تحاول الوقوف أمام طموحها لتولي قيادة  جلمدغ، وأن هذه التقارير تشير إلى أسماء بعينها، لكن اللافت أن الشخصيات الواردة في تلك التقارير التزمت الصمت ولم تعلق تلك الإتهامات .

 الرواية الرابعة : جهات من الحكومة الفيدرالية

أشارت تقارير أخرى أن تلك الأسلحة اشترتها جهات استخبارتيه من الحكومة الفيدرالية مستفيدة من رفع الخطر عن الأسلحة الصادرة إلى الصومال وأن الهدف منها تسليح قوات خاصة خارج إطار تشكيلات القوات الصومالية لمحاربة تنظيم الشباب وحماية الإستقرار في العاصمة مقديشو.

الرواية الخامسة: إيران وجماعة الحوثي

في إطار هذه الروايات المتضاربة تقول بعض الجهات إن هذه الشحنات جزء من الأسلحة التي ترسلها إيران إلى حركة الشباب عبر الحوثيين بواسطة سماسرة صوماليين . وتأتي تلك الاتهام في ظل تقارير غربية تحدثت عن جسر أسلحة بين جماعة الحوثي وتنظيم الشباب.

 مآلات السلاح وتداعياته

كما هو معلوم لدى الجميع أن هذه الأسلحة سقطت بيد مليشيات قبلية في مدينة عابود واق ومواطنين عاديين، وأن الحكومة حاولت مصادرة هذه الأسلحة وأرسلت وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ اسماعيل الملقب بفرتاق والمنحذر من القبائل القاطنة في المدينة ؛ لكن فيما يبدو لم تكلل جهد الحكومة بالنجاح ولم تتمكن من استلام الأسلحة وعاد وزير الأمن إلى مقديشو خالي الوفاض. وعند  هذه  النقطة توقف الحديث عن السلاح سواء في الأروقة السياسية الرسمية  وغير الرسمية، ويعتقد كثيرون أنه من الصعب مصادرة تلك الأسلحة الي سقطت بيد الشعب وأنها ستنضم إلي الآلاف من قطع السلاح التي لا تزال بيد الشعب الصومالي ، بل االأهم من ذلك هناك مخاوف من أنها ستقع بيد  جهات معادية للحكومة الصومالية أو بيد تنظيم الشباب .

وكذلك يجب الإشارة إلى أن هذه الاسلحة تتزامن مع أربع تطورات مهمة في الصومال: تصاعد وتيرة المواجهات بين قبائل صومالية في مناطق متعددة بالصومال ، وفي ظل انتهاء فترة ولاية عدد من رؤساء الحكومات الإقليمية وتصاعد خلافات سياسية بشأن  هذه الإنتخابات. كما أنها تأتي في وقت  تظهر بوادر معارضة شديدة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ، وأن هذه التطورات مرشحة للتدهور مع وجود هذا الكم الهائل من الأسلحة الجديدة بيد جهات سياسية قبلية  في البلاد ولا يشك المحللون أن هذه الأسلحة ستستخدم قريبا في تحقيق اجندات بعض الجهات السياسية أو القبلية وأنها لن تتوقف مسارها في مدينة عابدواق بل إنها ستنقل إلى المناطق الجنوبية والعاصمة مقديشو.

زر الذهاب إلى الأعلى