لماذا الإعلام يغطي الأحداث مع أول وهلة  ويهملها عند مفترق الطرق؟

المتابع لمجريات الأحداث في العالم يدرك أن الإعلام سلاح أخطر من النووي وأخطر من الاوبئة وأخطر من جميع أنواع العتاد التي استخدمتها الدول في إنهاء الحرب لصالحهم.

ولذلك ينصح بعض المختصين في هذا الشأن أن لا تعادي اعلاميا ولا تقترب منه .

إن طبيعة البشر المجبولة علي حب الخبر والانصات لسماع الأنباء والأحاديث ساعد في أهمية الموضوع.

وكان الناس في الماضي يحبون الشعر ويقربون الشعراء الي مجامعهم وافراحهم وحتي في اسوأ حالاتهم عند فقد الأحبة ، وكانو يجتمعون لسماع الشعر .

وكان الحافز الأكبر بين الشعراء المتنافسين هو اهتمام الناس في سماع كل شعر جديد وبين ردود الشعراء وكان العامة يحبون الهجاء بينما الملوك والأمراء يحبون الفخر والمدح.

 ولذلك كان الشعر هو المعني الملائم للإعلام اليوم فيستطيع أن يشيطن شخصا طيبا معروفا أو يصلح في عيون الناس فاسدا ويستطيع في طرفة عين قلب المعلومات والمصطلحات وطمس الحقائق والتواريخ.

هناك مئات الأمثلة والشواهد التي عاصرتها وأنا بالغ عاقل مثل :

جائجة كورونا :

عندما حاصر كورونا مدينة ووهان الصينية  نهاية عام ٢٠١٩ م كان الإعلام يسخر من الصينيين بأنهم يأكلون الحشرات فسبب لهم هذا الفيروس الذي لا يعرف من أين أتي ؟ ولا يري بالمجهر.

 لكن بعد انتشار الفيروس أمسي الإعلام المستهزئ بالشعب الصيني وكل العالم أجمع يحسبون الف حساب لهذه الجائحة. 

وكان يتصدر نشرات الأخبار كل ساعة ، كل دقيقة ، كل ثانية، قرابة سنة  انقطع الاتصال بين البشر واوقف السفر والترحال بين الدول .

كان الشغل الشاغل للناس كيف ينجون من هذه الجائحة؟ اغلقت الجامعات والمدارس وتعطلت المسيرات الحافلة .

تصيب هذه الجائحة مئآت الآلاف يوميا وتقتل الآلاف، يصيب الرئيس الأمريكي حينها دونالد ترمب وزوحته ، يصيب رئيس وزراء بريطانيا  حينها بوريس جونسون ويصرح هو إنها كانت حقا لحظة صعبة للغاية حين اصابته وكانت لدي الأطباء استراتيجية  للتعامل مع كورونا تماما  مثل سيناريو فيلم موت ستالين .

ويصيب كثير من المسؤولين علي مستوي العالم. وبعد سنة أو أقل اختفي كورونا من الساحة الإعلامية ولم يعد له وجود في الاذهان الا كذكري سئية أو كابوس مؤلم مر بسرعة البرق .

بعد سنة أو أقل من انتشاره لم نري اي أثر تركه  للإعلام سوي ما أبقاه في مخيلتنا أنه أخطر وباء ينشتر بسرعة.

فالبعض كان يعتقد أن كورونا ما كان إلا مؤامرة أمريكية لحصار الصين بعد أن اصبحت أقوي اقتصاديا ومنافسة للولايات المتحدة.

بينما الآخرون كانو يرون العكس أن الصين هي وراء جائحة كورونا لأنها تحكمت بالسيطرة عليه بينما فشل الغرب في سيطرة الفيروس .

والفريقين من أصحاب النظريات التآمرية الذين  لهم النصيب الوافر في تسيير الإعلام وتحريف الحقائق ولبس الحق بالباطل.

لكن المؤكد أن هذه الجائحة قتلت الآلاف وتسبب في تكبيد خسائر مالية فادحة ، والمؤكد كذلك أنه كان كأن لم يكن ولم يعد له وجود وبسرعة فاىقة  اختفي عن الإعلام.

نجد أن الإعلام ضخم كورونا في ذاك الوقت أين كورونا الآن؟ لماذا لا يستمر مثل الفيروسات الأخري ؟ ولماذا توقف بسرعة وهو الي الآن لم يوجد له لقاح فعال ورسمي ؟ كل هذه الأسئلة تحتاج الي أجوبة مقنعة.

الحرب الروسية الأوكرانية :

ما إن بدت ملامح الحرب بين روسيا واوكرانيا حتي طار الإعلام العالمي بتغطياته وتحليلاته وأفكاره وكل النخب المثقفة الإعلامية علي أن الحرب العالمية الثالثة بدأت وأن العالم مقبل علي أسوأ أيامه ونهاية الدنيا قد أزلفت .

اصبح الحديث عن الحرب الروسية -الاوكراينة حديث الإعلام وتغطية الرقم واحد في العالم بأسره -الإعلام الغربي والعربي-.

وكنا نسمع ونقرأ التغريدات رغما عنا اذ الخبر طار في الآفاق .

ونري تحليلات المحللين بأن النهاية اقتربت وأن روسيا ستستخدم النووي لكي تنتصر في الحرب. كنا نري الأخبار تطلع بأن روسيا قصفت العاصمة الأوكرانية كييف وأسرت جنود اوكرانين ..

وفي المقابل زيلينسكي رئيس اوكراينا يصرح أنه لا بد له من دعم عسكري حقيقي أمريكي وترد أمريكا بأنها اذا تدخلت تدخلا مباشرا ستكون حربا نووية وهذا لا تريده.

مما زاد في تعقيد الحالة توقيعات مختلفة وتوقيت واحد بين الرئيسين بايدن وبوتين وهما يوقعان علي حرب ليست في أرضهم فالاولي يري أن أوكرانيا حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية ولا بد من دفاعها والأخير يقول أن مهاجمة أوكرانيا هو حماية للأمن القومي الروسي وجزء لا يتجزأ من روسيا.

كنا نري بوتين يستشهد بآيات من القرآن الكريم في بعض مناسباته ليجد تعاطفا ولو قليلا عند المسلمين ، ويتسائل بوتين بسؤال غريب وهي مالذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية للهجوم علي العراق ؟ ونسي أو تناسي هجومه علي سوريا  وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية  نفسها دون سبب أيضا أم هي حلال علي وحرام علي غيري .

كنا نري بوتين يهدد باستخدام النووي اذا تدخلت أمريكا تدخلا مباشرا في حرب أوكرانيا وبعد أقل من ستة شهور تقريبا يأفل نجم هذه التغطية الهائلة ويصبح شيئا من الماض. وبعد أقل من ستة من شهور أيضا لم نسمع التصريحات المدوية بين البلدين.

هل انتهت الحرب لصالح روسيا ام لصالح اوكرانيا؟ لا ندري بالطبع لأن الإعلام توقف عن التغطية ، لا ندري لأن الإعلام أهمل هذا الجانب وجعلها حكاية من أساطير الأولين لا تسمن ولا تغني من جوع.

الحرب في السودان :

طبيعة الإعلام مثل الحرباء يتلون ولا يستقر بلون واحد …فما إن تفتح موجة جديدة حتي يهرع إليه. بعد إندلاع الحرب في السودان بين قوات الدعم السريع وبين الجيش السوداني وسبب ذلك في قتل الآلاف وتهجير آلاف أخرين .

كنا نري الخرطوم تتدمر مثل حلب وحمص ومثل غزة الجريحة قصف عشوائي لا يفرق بين صغير وكبير وبين مسجد ومسكن .

وبعد شهرين فقط أو أقل من  الحروب والمعارك في السودان توفقت عجلة الإعلام سريعا عن التغطية الميدانية.

هل توقف الحرب حتي ينسي الإعلام ويهملها؟ لم يتوقف الحرب وينشد السودانيون نحن نباد لماذا؟

لماذا لا نسمع ولو همسا عن حال السودانيين؟ 

هل انتصرت قوات الدعم السريع ام الجيس الوطني ؟ لا نعلم بالضبط لأن الإعلام توقف عن ذلك وأهمل هذا الجانب .

ويبقي السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الإعلام يغطي الأحداث مع أول وهلة ويهملها عند مفترق الطرق وعند حلول النتائج وعند حاجة الناس الي معرفة الكثير عن  ألاحداث.

محمد بن الحسن

كاتب وباحث صومالي ، خريج ماجستير في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى