يتميز الشعب الصومالي بتجانسه الفريد من حيث العرق واللون واللغة والدين والعادات والتقاليد، والرقعة الجغرافية المتصلة التي يقطنها، لكن انتمائه العرقي والثقافي كان وما زال موضع جدل في الأوساط الشعبية والنخبوية، هناك نظريتان متعاكستان يتبناها كثير من النخب الثقافية والعلمية، كل له أدلته وحجته التي يستند إليها في تبرير دعواه، إحداها ترى أن الصوماليين يرجع أصلهم إلى العروبة، والأخرى ترى عكس ذلك اي أن الصوماليين حاميون أفارقه ليسوا عربا وليس لهم أصل عربي.
الأدوات المستخدمة في معرفة وتحديد أصول الشعوب والقبائل واجناسهم، معروفة، إما عرفية (علم الانساب، والتاريخ الموثقة) أو علمية مادية، ومن خلالهما يمكن إيجاد بعض التوافق بين النظريتين المذكورتين أعلاه، إذ يستحيل التوافق التام بينهما.
بسبب نزرة المصادر والمراجع التاريخية الصومالية الموثقة، نضطر الاعتماد في كتاباتنا عن القبائل الصومالية وأصلها وانتمائها العرقية والثقافية، على المرويات الشعبية وقصصها، وحكايات الكبار السن أو بعض المصادر التي من دورها نقلت واعتمدت على الأغلب على المرويات الشعبية، التي لا تخلو من مبالغات وأساطير. نحن لا نتبنى هذه المرويات الشعبية بعمومها، ولا نبني عليها احكاما، وفي نفس الوقت لا ننفيها، بل نذكرها لأنها تراث شعبي توارثه الناس جيلا بعد جيل ينبغي علينا مراعاتها، لكن من حقنا نقدها وتفنيدها، وإبداء رأينا فيها ولا نجعلها من المسلمات.
ادعاءات ومزاعم أغلب قبائل الصومال انتمائهم للعرب، حسب رأيي ليس نابعا عن حبهم للعرب أو اعتقادا منهم أنهم عرب، بل العكس، وتراثنا الشعبية مليئة بعبارات التفرقة والتمييز بين العربي والصومالي، جيث يصف البعض العرب بأوصاف يفوح منها رائحة العنصرية، ويتجلى هذا الأمر أكثر عند المعاملات اليومية بين الصومالي البدوي الأصيل وبين العربي في المدن الصومالية، غالبا ما يكون بينهما الشك وسوء الظن المتبادل، ونرى الصومالي في حياته وتصرفاته اليومية حتى أكله وشربه، ولبسه، مغاير تماما عن العربي.
إنما منبعث هذا الزعم اي الانتماء إلى العرب هو حب الشرف وعلو المكانة، والتفاخر والتباهي بالأنساب لأن النبي صلي الله عليه وسلم عربي، والانتساب للعرب خاصة بنو هاشم يضفي على منتسبها نوعا من التشريف وعلو الشأن. وهذه هي تركيبة القبلية الصومالية المبنية على التفاضل والتفاخر بالحسب والنسب.
الصومالي يختلف ويتميز كل شيء عن العربي، الشكل واللون واللغة والعادات والتقاليد، الشيء الوحيد الذي يشاركه أو يجمعه مع العربي هو الدين والعقيدة (الإسلام).
الادعاءات والمرويات الشعبية الصومالية حول أصل الصومالي العربي لا تتطابق مع مجموعة من الحقائق والبيانات، العرقية، والفسيولوجية، والتاريخية، وتفتقر إلى دلائل واضحة حول أصولهم العربية المزعومة، الشعب الصومالي ليس من المجموعات العربية ولا نتيجة تطور او تحول منه، بل العكس الصومال يمثل جنس خاص فريد من نوعه مع سمات وملامح بارزة تميزه عن باقي الشعوب تميزا جوهريا، وطبائع البشرية بين الصومالي والعربي تختلف اختلافا واضحا كما هما مختلفان في الفسيولوجيا والاوستيولوجيا(في تركيبتهما الجسمانية وهيكلهما العظمية).
يقول الدكتور حمدي سيد سالم[1] وأن السمات الجسمانية والعناصر اللغوية، والعادات، ونظم الحكم، وغير ذلك من وسائل الارتباط الاجتماعي القائم على أسس أنثروبولوجية كوحدة مميزة قائمة بذاتها، وتلك الدراسة هي من أنجح الوسائل لمعرفة الصوماليين باعتبارهم جزءا من الأمة الحامية في أفريقيا، انتهي.
اللغة الصومالية تختلف أيضا جذريا عن اللغة العربية من حيث التركيبة العضوية والنحوية، وغير ذلك من جذور وقواعد اللغة، ومن المحال أن يكون احدهما مشتق من الآخر، وإن وجدت بعض الكلمات والألفاظ او المصطلحات العربية في اللغة الصومالية انما هي دخيلة عليه، وكذلك الأسماء الأشياء والأدوات المنزلية التي يستخدمها الصومالي الأصيل يعني البدوي الذي لا احتكاك ولا تأثير عليه مع أحد خارج بيئته البدوية وكل ما يحيط به وما له صلة بحياته اليومية، لا علاقة لها باللغة العربية، ولنأخذ مثلا: أسماء الحيوانات، والجمادات والأدوات المنزلية، وآلة الحرب، والطبيعة، الخ. كلها تحمل أسماء صومالية محلية، خاصة لبيئته.
أما الأشياء التي ليست من بيئته أو دخيلة عليه أو أتت من خارج بيئته ولم يعهدها من قبل، بقيت وحافظت أسماءها الاصلية وان أصبحت جزء من لغته، ويسمّي أسماء مستعارة وستبقي أسماء مستعارة وغير معتبرة[2].
أما العادات والتقاليد والفلكلور الشعبي حامية إفريقية بامتياز، الرقص وايقاعه، والشعر، والغناء والفنون بأشكالها المختلفة من وحي شعوب الإفريقية، فلا مجال للمقارنة مع التقاليد والعادات العربية.
أما الصومالي الحضري فبحكم علاقاته التجارية، والدينية واحتكاكه مع العرب، فمن الطبيعي أن يتأثر ويؤثر بهم ويأخذ بعضا من عاداتهم ولغتهم.
ولا ننكر إمكانية وجود بعض العشائر ذو أصول عربية التي انصهرت في المجتمع الصومالي، وفقدت سماتها العرقية واللغوية بين القبائل الصومالية، مثل عشيرة عرب صالح، وقبيلة الاشراف. وهذا ما يستدله المشككون في انتماء الصوماليين للعروبة، لأنه عند ما يأتي شخص ما إلى مجتمع مغاير له، ثم يخالطهم ويصاهرهم حتما سيفقد مع مرور الوقت سمته العرقية واللغوية الأصلية لإن المجتمع والبيئة يأثرانه.
وقد تقرر وثبت في الأدلة التاريخية وجود جنس البربر، وهو غير جنس العربي أو الحبشي أو الزنجي في شبه جزيرة الصومال، وقد ذكرهم جغرافيو ومؤرخو العرب، وقد تعرضنا لها في مقالات سابقة وسنذكر هنا بعضا ما قاله شعراء الجاهلية العربية عن البربر وبلاد البربر.
يذكر ابو يعقوب الهمداني (٣٣٦)[3] من قول “ال اسعد ملكيكرب تبع” القرن الخامس م
ومِنّا بأرض الغرب تعلّقوا…….إلى بربر حتى اتو أرض بربرِ.
وقال امرؤ القيس الكندي (٥٤٥م)
علي كل مَقْصوص الذُنَابَي معاوِدٍ……بَرِيدَ السُّرَ بالليل من خيل بربرا
وقال في موضع آخر، يتفاخر بانه كان يملك جمعا من قوم بربرا بجانب جيشه فيقول:
وبعدَ ابى في حصن كندة سيداً……يسود جموعا من جيوش وبربرا.
وذكر شاعر آخر من شعراء العصر الجاهلي وهو عدي بن زيد العبادي التميمي(٥٩٠م) في إحدى قصائده عن بلاد اليمن بقوله:
يوم يقولون يآلَ بربرَ وال….. يَكْسُومَ لا يفلحنَّ هاربها.
وذكر أيضا في إحدى قصائد الشعر الجاهلي الشاعر اليمني علقمة ذي جدن الحميري (٦/٧م) في احدي مراثيه لحصون حمير بقوله:
ولميسُ كانت في ذؤابةٍ ناعِطٍ…….يَجْبِي إليها الخَرْجَ ساكن بربرِ
وذكر اسم بربرا الشاعر مرداس بن أبى عامر السلمي توفي في سنة ١٨هجرية ذكرهم في أحد أشعاره عند ما أخذت منه بنو بكر بن كلاب أبله التي غنمها في إحدى حروب الجاهلية التي عرفت بيوم شِعب جَبَلة التي وقعت حوالي ٥٧٠م وقيل ٥٥٣م، بقوله:
تداعت بنو بكر عليّ كأنما….. تداعت عليّ بالأحِزَّةِ بربرٌ.
كثرة الذكر اسم بربرا في الشعر العربي الجاهلي يدل على العلاقة العرب بشعب البربري في شرق أفريقيا منذ ما قبل الإسلام.
ونعتقد أن الصوماليين وشعوب المجاورة لهم مثل العفر والاورومو وما شابههم، هم المقصودون أو المعنيون بالبربر المذكورة في الشعر العربي الجاهلي.
السؤال الذي يطرح نفسه وينبغي أن يجيب عليه أصحاب نظرية عروبة الصومال، إذا افترضا صحة هذه المرويات الشعبية التي تقول إن الصوماليين من أصول عربية وينحدرون من جزيرة العرب، متي جاءوا إلى هذه البلاد؟ وكيف فقدوا سماتهم ولغتهم العربية؟، وكيف اكتسبوا إن صح التعبير اللغة الصومالية إذا كانوا عربا؟، ومن كانوا سكان ”الصومال” قبل مجيئهم؟
لا اوجِّه هذه الأسئلة إلى أشخاص بعينهم، ولا هي من باب التحدي وإنما هي من باب الرأي، والرأي الأخر.
[1] مؤلف كتاب الصومال قديما وحديثا
[2] د.محمد عبد غاندي في لقاء تليفزيوني تحت عنوان تاريخ أصل الصومال في قناة صومالي جنال
[3] كل الأشعار الذي سأذكره نقلته من مجلة المؤرخ العربي العدد ٢٦ المجلد الثاني ٢٠٢٠ بحث تحت عنوان الصومال بلاد البربر في شرق أفريقيا في مصنفات الجغرافيين والرحالة المسلمين في الفترة من القرن الثالث ه إلي الثامن ه بقلم د.محمد خلفية ركابي حمدلله