على الغير العادة و على مدة أسبوعين متتاليين و أنا كلما دخلت إلى باحة الجامعة أشاهد شُبان في قمة الأناقة ، وشابات يتفجراً تألقاً ، قُلت ربما الجامعة تستضيف إحدى الوفود و هؤلاء الطلاب من ضمن المرحبين بالضيوف ، لكن التألق زاد و الأناقة منصوبها ارتفع وأضيف إليه ربطة عنق ، وجداران الجامعة أعتلتها صورة و شعارات، و خضم ذلك وصلتني رسالة من العميد بأن لا نسمح لأي حملات انتخابية أن تقطع علينا محاضراتنا و يجب أن نواصل أنشطتنا دون رؤية ، حملات انتخابية! يبدوا بأن الأمور قد فُرجت و العُرس الديمقراطي خرج من المُحاصرة ، ويالها من حملات انتخابية راقية بدأت من مقاعد الجامعة عوضاً من مجالس شيخ القبيلة ، لكن تكملة الرسالة نبهتني بأن السباق ليس إلى كُرسي الرئاسة و إنما لتزعم رابطة طلاب الجامعة شرق إفريقيا ، و بالمناسبة هذا الطقس الجامعي تعقده أغلب جامعات العالم ، و مجاراة جامعات صومالية لهذا العرف العالمي لأمر محمود بل و مطلوب لأن السماح بعقد هذا النوع من التنافس الحر المُقيد بأهداف عامة في بيئة صومالية مليئة بالتحزب القُطري و ماهرة بالتصنيف و الإقصاء القلبي لأمر مُشجع وباعث على الأمل ، فالجو الانتخابي الذي ساد الجامعة على مدى أسبوعين نبئنا بأن القادم للوطن مختلف ، فالكل الفرق المتنافسة على سبيل المثال أسس لنفسه مقر انتخابي يضم لجان تحري و جمع معلومات وتجسس، و متخصصي خطط ، و عناصر للإقناع ، ومبرمجي دعاية و إعلانات واختيار أعضاء الفريق يقوم على أسس القدرة والتمكن و تقاسم القناعات والأهداف ، فالمال الانتخابي غائب أو هكذا خمنت ، وحتى أتأكد من تخميني سئلت أحدى الشباب عن طرق الإقناع التي يعتمدون عليها قال بأنهم يستوقفون الطالب الناخب و يشرحون له بأدب أجندت البرنامج الذي يدعون إليه وفي حال لم يقتنع الطالب أعرض عليه أن أصحبه إلى المقهى و أعزمه على كوب من المشروب الساخن و أحدثه أثناء ذلك مرة أخرى عن برنامجي، لكن لماذا كوب من مشروب الساخن ، قال لي يا أستاذة أنا رجل” جنتل مان” و يجب أن أكون بقدر من اللطافة حتى أجتذب الأصوات، و هل نحن يا قوم إلا ضحايا هذه الجلتنمانية الصومالية ، فعلاً ما يفعلوه الكبار يكرره الصغار على قدر جيُبيهم ، مع ذلك فالجامعات الصومالية تمتلك كلمة السر لخروج الصومال من عنق الزجاجة فأبين يديها فرصة فعلية للاستثمار الصحيح و المدروس لحيوية و نشاط وطموح هذه النخبة الشبابية الجامعية التي سوف يخرج التغيير من عباءتها ، فكل ما تحتاج الجامعات هو شجاعة لتخرج من حالة الانتظار وتلعب دورها التاريخي الذي لعبته الجامعات قديما وحديثاً في توليد النخب السياسية للوطن من خلال تكوين آرائهم وبلورة مواقفهم السياسية و تجنِيبهم الصرعات و التجاذبات المحتملة ، والسماح لنشأة الأفكار السياسية صحيحة و احتضان الأحزاب السليمة حينها فقط يُستدل الستار على مرشح الـ “Gentle man”.