تزامنا مع اليوم العالمي للشباب (يوم الشباب الدّولي ١٢ أغسطس/ آب )، أرصد فى هذه العجالة بعضا من الملامح الرئيسية للأدوار التى تبنتها الفئة الشبابية فى الصومال (أكثر من ٧٠ % من مجموع تعداد سكان البلد) هل كانوا عوامل بناء أو هدم عبرالتحوّلات التى شهدتها البلاد؟.
يمثّل الشباب فى كلّ أقطار العالم العمود الفقرى لكلّ النزاعات وصناعة الثورات وكذلك -وان قلّت- مبادرات السلام. فمن المسلّمات التى أفرزتها التجارب، أنّ للفئة الشبابية فى أيّ إنتقال نهضوى أوفوضى للأمم دورا رياديا فى المشاركة فى صنع اللبنات الأولى للتغيير. فالشابّ هو المحرّك الرئيسى والحيوي داخل كل مجتمع بشرى ولهذا يرتبط مصيره بمصير الجماعة أو الأمّة. فهل كان شبابنا أدوات هدم أم بناء لمكتسبات وطننا المنكوب؟ فشبابنا بإختصار إجتمعت ولازالت تجتمع فيهم النقيضان. فعلى أيدهم تحققت آمالا جساما ، إذ أن الصومال كان من أوائل الدول الأفريقية إستقلالا إبّان الحرب العالمية الثانية. شباب تلك المرحلة تفانوا فى سبيل تحرير البلاد من براثن الإستعمار و سطّروا تاريخ كفاحهم هذا بدمائهم.
لكن هل أتت تلك الحرّية المنشودة أُكلها على أكمل وجه؟ للأسف لا! رغم ثقل المهمّة التي حملها الشباب لتحرير الوطن ، إلّا أنّهم غيّبوا عن القرارات السياسية. ولم يكن الشباب على قدر كاف من الوعي للمطالبة بحقوقهم السياسية ولازالوا حتى الآن تحت أنقاض التهميش المبرمج من قبل الساسة وصنّاعى القرار. أصبح نتاج هذه الحقيقة المرّة أن يتحوّل الشباب إلى أدوات هدم لمكتسبات الوطن الذى بنوه بعرق جبينهم.
ولقد شهدت البلاد بعد إطاحة نظام العسكر بزور أمراء حرب يتاجرون بحياة الشباب التائهين العاطلين عن العمل وجعلوهم سلالم بشرية لبلوغ مآربهم. وقد إشتهر فى أوساط الشعب إطلاق هؤلاء الشباب الموتورين بلقب “مليبانياشا لغوليباناي” (Maliibaanayaasha Lagu Liibaanay) بعدما استخدمهم أمراء الحرب حطبا لأتون الحرب الأهلية. و لا تزال فى الذّاكرة أن الواحد منهم كانت تمرّه الليالى والأيام ولايجد ما يسدّ به رمقه غير لقيمات القات التى يمضغها ، كئيب المنظر ، رثّ الثياب، حافي القدمين! لكن…لكن وفى نفس الوقت متوشح / مدجّج ب (PKM) و (RPG-7) بقيمة آلاف الدولارات الأمريكية!!!
لم يمكن بالإمكان أن تمرّهذه السنوات المثخنة بالأزمات دون ان تترك بصماتها على معنويات الشباب ليبقى تائها بين ضياع الرؤية وتبدّد الأمل. من هنا يمكن تلخيص أسباب ضياع و إهدار طاقات الشباب فى العالم الإسلامي عموما وفى الصومال خصوصا فى النقاط التالية:
- إنتاج إنسان النصف: لفيلسوف الحضارة (مالك بن نبي) وصف دقيق يقول فيه بأن إفساد النهضات يكون بإنتاج “الإنسان النصف”: إنسان شديد الإلحاح بطلب حقوقه و لكنه لا يقوم بالحدّ الأدنى من واجباته أو من ثقافة المتاح المتوفرة بين يديه ! “يذهب للعمل و يقضي ساعاته بأي طريقة ، المهم بالنهاية أن ينقضي الوقت و يعود لحياته و يحصل على معاشه ! لا يدرس كطالب ، و لا يعمل كموظّف، و لا يبدع في معمل ، و لا يبتكر في متّجر ، و لا ينجز في مشروع ! هو بإستمرار إنسان النصف .. يطالب بحقوقه و لا يقوم بواجباته.”
- النعرات القبليّة والنزاعات الفئوية: بعض الشباب ما زالت تتحكم فيهم الخلافات مامن شأنه ان يعيق مسيرة الوعي المتزايد لدى الشباب فى الآونة الأخيرة للحفاظ على مكتسبات الوطن. هذه الخلافات غالبا ما تترك تأثيرات سلبيّة على العمل الجماعى بين مختلف التوجهات والمناطق الجغرافية فى البلاد.
- ندرة النماذج والقيادات على الساحة: ندرة نماذج جديدة وشخصيات ناجحة لها حفاوة وسط الشباب الباحثين عن رموز يقتدى بهم.
فى النهاية، إيقاظ شعورالمسؤولية فى الشباب وإعادة الثقّة إلى نفوسهم يحتاج إلى كثير وقت وخبرة. لكن مالحل؟ أعتقد ان المسارات التالية ستساعد على إيجاد شباب واع لايستخدم كأدات هدم بل على العكس يكون بمثابة لبنة قويّة يشارك فى بناء مستقبل البلد.
أولا: بناء شخصية الولد بحبّ الوطن فى سنّ مبكّرة وتنمية قدراته الذهنية.
ثانيا: تطوير البيئة المحفزّة فى سنوات التكوين والنضج العلمي.
ثالثا: تعزيز المشاركة فى قرارات البلد المصيرية.
رابعا: إستثمار أمثل فى طاقات الشباب على أنها أغلى موارد الوطن.
وأخيرا: تهيئة الشابّ المثقّف لمراكز قيادة البلاد بهدف تجديف سفينة سياسة الوطن الضائعة بين الملّاحين (السياسيين)العابثين والركّاب (الشعب) النائمين.