ومن العوامل التي أدت إلى تأخر المنطقة العربية عن ركوب قطار تكنولوجيا الاتصالات، أي منذ نهاية التسعينات، اتخاذ الأنظمة العربية موقفا متحفظا إن لم يكن معاديا منها، إما لأسباب أخلاقية، كاعتبارها وسيلة لنشر الفساد والإباحة، أو لأسباب سياسية لمنع الأصوات المعارضة من التعبير عن آرائها وسد الطريق أمام المواطن كي لا يطلع على مصادر إخبارية غير رسمية.
وإذا لم يكن الحاجز أخلاقيا او سياسيا فقد يكون تقنيا او ماليا. إذ ُتعدُ معظم شبكات الاتصال في العالم العربي غير متطورة وملكا للقطاع العام. كما تتباين نسبة توفير خدمات الاتصال من بلد عربي لآخر، ففي الوقت الذي نجد فيه أكثر من 100 خط هاتفي لكل 100 منزل في الإمارات والكويت، لا تتعدى النسبة في سوريا ومصر والمغرب حيث الكثافة السكانية كبيرة، خمسين خط هاتفي لكل مائة عائلة.
“نحن نكون عالم يسمح لأي شخص، في أي مكان التعبير عن آرائه، أي كان اختلافها، دون خوف من أن يجبر أحد علي الصمت أو التوافق علي ما هو سائد…..”
قد تصدق تلك المقولة التي نشرها موقع ودادة نت ” wdada.net ” ضمن إعلان استقلال الفضاء التخيلي” لـجون بيري بارلو، على الكثير من بلدان العالم ، ولكن المتتبع للظروف والاعتبارات التي تحكم استخدام الإنترنت في المنطقة العربية ، سوف يجد نفسه بحاجة لإعادة التفكير مرة بعد أخرى إن كانت تلك المقولة تصدق على مستخدمي الإنترنت في تلك البقعة من العالم أم لا !
فعلى الرغم من النمو النسبي السريع لعدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية ، حيث يكاد عددهم يصل إلى 14مليون مستخدم ، وكذلك وصول تلك الخدمة لجميع بلدان المنطقة ، إلا أن العديد من مستخدمي الإنترنت بالعالم العربي ،قد بدءوا يطرحون بعض الأسئلة الهامة من نوع :
* هل تتمتع مراسلاتهم أو مشاركاتهم على الإنترنت بالحرية التي كانوا ينشدونها فعلا؟
*هل يتيح لهم الإنترنت فعليا ، مساحة من الحرية يفتقدونها بشكل واضح في حياتهم ، إزاء غياب الحريات الأساسية ضمن أغلب ربوع المنطقة؟
*أي قانون سيطبق عليهم في حال تجاوزهم الخطوط الحمراء التي تتحدد أساسا ضمن قواعد واعتبارات متغيرة باستمرار ، وغير واضحة ؟
يرى العديد من المهتمين بحرية الرأي والتعبير أن الإنترنت قد أتاح فرصا واسعة أمام كم هائل من المواطنين في مختلف بلدان العالم ، ومن ضمنها البلاد العربية في التعبير عن آرائها والإعلان عن أنفسهم ، ولا سيما المجموعات التي لم يكن متاحا لها بالسابق التعبير عن نفسها وطرح أفكارها وهمومها لأسباب قد تكون سياسية ” جماعات المعارضة السياسية يسارية و إسلامية أو جماعات حقوق الإنسان” ، أو أسباب دينية “مثل الشيعة أو المسيحيين ” أو لأسباب ثقافية ودينية مجتمعة ” المثليين جنسيا ” .
وقد بدا واضحا أن تلك المجموعات قد استفادت فعليا من الإمكانيات الهائلة التي تتيحها شبكة الإنترنت لمستخدميها ، لاسيما المنتمين للرؤية الإسلامية ، سواء كانوا منظمين ضمن مجموعات أم لا .
إلا أن تلك المجموعات وعلى اختلاف مرجعياتها قد أدركت سريعا ، أن الحكومات قد دخلت بدورها حلبة الصراع وبدأت تبذل الجهد لتحكم حصارها على هذه الوسيلة الجديدة التي قد تسبب لهم بعض المشاكل نتيجة لتلك المساحة من الحرية البعيدة عن سيطرتها ، فلجأت إلى الأساليب العادية التي تسم أغلب الحكومات العربية عند تعاملها مع مسألة حرية الرأي والتعبير وهو المصادرة والرقابة ، فضلا عن استخدامها للوسائل الجديدة والمتعلقة بهذا الوافد الجديد مثل تحكمها في المنبع من خلال برامج الفلترة الإليكترونية ، كما تلجأ بعض الدول إلى احتكار تقديم الخدمة مثل السعودية و تونس حتى شهور قريبة.
فضلا عن استخدام الحل الشائع و التقليدي ، وهو تلفيق القضايا والزج بمن يتجاوز الخطوط الحمراء -الغير معروفة أصلا- داخل السجون بدعاوى واهية مثل ” الإساءة لسمعة الدولة ، السب والقذف ، أو لحماية الآداب والقيم العامة … الخ”.
بل أن بعض الحكومات العربية قد اختصرت الطريق تماما بحرمان شعوبها أصلا من الاتصال بالإنترنت مثل حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، الذي برر منعه لاستعمال شبكة الإنترنت وحتى عام 2000 بزعمه أن شبكة الإنترنت ” وسيلة دعاية أمريكية”. يأتي هذا رغم حداثة الاتصال بالإنترنت في المنطقة العربية كلها حيث لا يزيد عمر أول دولة عربية اتصلت بالإنترنت عن ثلاثة عشر عاما ، حيث كانت تونس أول دولة تتصل بالإنترنت في عام 1991، و إن كانت قد أتيحت فعليا للمواطنين بدءا النصف الثاني من التسعينات في تونس وباقي البلدان العربية باستثناء السعودية التي أتاحت تلك الخدمة عام 1999 والعراق 2000.
ويبدو أن العديد من الحكومات العربية قد فاتها في بداية استخدام الإنترنت أنه يمنح مساحة واسعة لكل مستخدميه ، سواء كانوا مؤيدين لها أم لا ، فراحت تطلق التصريحات الرنانة وتشجع الجهات الحكومية على استخدامه فضلا عن بعض الإعفاءات الجمركية على مستلزمات الكمبيوتر تشجيعا لمواطنيها على اقتنائه واستخدامه .
إلا أن تلك السياسات التشجيعية سرعان ما بدأت تتراجع نظرا لأن شبكة الإنترنت ، تمنح كل إمكانياتها لكل مستخدميها ، دون أن تفرق بين حكومي ومعارض ، ضابط أو ناشط حقوقي ، ديني أو لاديني ، أسود أو ابيض ، رجل أو امرأة .. الخ.
لتبدأ مرحلة أخري يمكننا أن نطلق عليها “لعبة القط والفأر ” ، بين أغلب الحكومات العربية ومستخدمي الإنترنت ، ممن يسعون لكسر المنظومة القيمية السائدة ، دينيا أو سياسيا أو ثقافيا ، أو بمعنى أخر من يسيرون في عكس اتجاه تلك الحكومات .
وعلى الرغم من الصعوبات التي يعرفها العالم العربي، التقنية منها والسياسية، تشير جميع التوقعات إلى أن المنطقة العربية ستشهد تضاعفاً في نسبة مستخدمي الإنترنت خلال العامين القادمين.
بعضها يمليه تسارع انضمام الدول العربية إلى منظمة التجارة العالمية، وبالتالي تحرير العديد من القطاعات المؤثرة وفي مقدمتها قطاع الاتصالات.
كما أن العديد من القطاعات التجارية في العالم العربي ستُضطر لاستخدام تكنولوجيا الاتصال إما في مجال التجارة الإلكترونية الذي لا يتجاوز نسبة 0،2% من مجموع المبادلات التجارية الإلكترونية العالمية، أو للقيام باتصالاتها العادية، وهو ما قد يعطي دفعا لتطوير شبكة الإنترنت.
ويبدو أن تجربة بلدان الخليج أصبحت تُحدث شبه عدوى في باقي البلدان العربية من حيث الإقبال على تطوير شبكة الإنترنت، بحيث يخطط لبنان لإقامة مدينة إنترنت شبيهة بمدينة دبي.
وبنفس النسق، حدد الأردن من ضمن أهدافه رفع نسبة مستخدمي الإنترنت لديه إلى 80% مع حلول عام 2020، على حين تعهد الرئيس السوري بشار الأسد بإدخال سوريا إلى حقبة الكمبيوتر.
وفي الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول مثل العربية السعودية تجاوز تحفظاتها بخصوص استعمال شبكة الإنترنت بشكل معقول ومقبول، وذلك من خلال التخطيط لربط كل المدارس السعودية بالشبكة ضمن ما يعرف بالمشروع الوطني السعودي، نجد أن دولا مثل تونس لا زالت تفرض قيودا شتى على استعمال الشبكة.
حيث ترى الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في تقريرها للعام 2003 أنها “تقطع الطريق أمام العديد من المواقع الوطنية والعالمية حتى لا يصل إليها مستعملو الشبكة. ويستهدف القطع مواقع تونسيّة لجمعيّات مستقلّة و أحزاب معارضة ومخالفين في الرّأي و مواقع شبابيّة نقديّة و ساخرة و مواقع منظّمات غير حكوميّة دوليّة و مواقع إعلامية عربيّة و دوليّة تختلف في تغطيتها للأحداث الوطنيّة “….
أما العراق فقد كان نظام الرئيس صدام حسين السابق يبرر منع استعمال شبكة الإنترنت لكونها ” وسيلة دعاية أمريكية”.
ولا شك أن المواطن العربي يعد من أكثر مواطني العالم تطلعا لمعرفة مدى تأثير قمة مجتمع المعلومات على واقعه اليومي، ليس فقط من خلال الانفتاح على تكنولوجيا الاتصال، بل أيضا في ضمان حقوقه الأساسية وفي مقدمتها حقه في الحصول بحرية على المعلومات.