تم إنشاء الدولة الصومالية الحالية على أنقاض إقتسام القرن الأفريقي بين الامبراطورية البريطانية والفرنسية، والإيطالية ، والأثيوبية فى الحقب التاريخية المعروفة بفترة تدافع الأوربيين لافتسام أفريقيا فى القرن التاسع عشر ، و تم ترسيم الحدود السياسية الحالية لجمهورية الصومال تنفيذاً لمعاهدات بين قوى الاستعمار المحتلة لوطن الصومال وبالتالي لا تشكل هذه الحدود المصطنعة الحدود الطبيعية لمجتمع الصومال الكبير. ونتيجة طبيعية لذلك الاحتلال الغاشم وماترتب عليه من تشوهات فى الاستقلال المنشود لكل أجزاء الصومال أدت هذه الحدود السياسية المصطنعة التي رسمها المستعمر إلي تمزيق موطن المجتمع الصومالي الطبيعي إلي خمسة اشلاء هي جمهورية الصومال الحالية، وتمثل هذا المنطقة موطن غالبية أفراد المجتمع الصومالي الكبير، بينما توزع باقي أفراد المجتمع الصومالي في اراضي واقعة داخل الحدود السياسية لكل من كينيا، أثيوبيا وجيبوتي. لم تكن لجمهورية الصومال وجود سياسي كدولة ذات سيادة على ارضها خلال الفترة الاستعمارية وما قبلها ، وانما تشكلت أساساً من توحيد اراضي ما كان يعرف بمحمية الصومال البريطاني والتى استقلت في 26 يونيوفى عام 1960م ، مع اراضي ما كان يعرف بالصومال الايطالي والتى استقلت في 1 يوليو 1960م. علما ان غرة يوليو ا هو نفسه يوم اعلان توحيد شطري الوطن شماله وجنوبه وقيام جمهورية الصومال الموحدة ([1]).
كان حلم الصوماليون فى تحقيق الوحدة بين اجزاء الصومال كبيرا فيما قبل ميلاد الدولة الصومالية لاسيما تحت علم ودولة واحدة ، ولذلك نشطت الحركات الوطنية فى كل شبر من الاراضى الصومالية فى القرن الافريقى، ظهرت أحزاب هنا وهنالك تنادى بالوحدة وتناضل من أجل ذلك ، ولقد كان للصوماليون ارتباطات مع بعضهم البعض فى الأقاليم المختلفة يشارك عناصرها بأفكاره القومية الوحدوية خاصة ان فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كان شعور القومية الصومالية قد بلغ مبلغه بعد تبنى بريطانيا فكرة مشروع الصومال الكبير ([2]) . ففى الجنوب مثلا برزت حركة سياسية مركزية شبابية صومالية إستطاعت أن تستقطب ولاء الصوماليين فى صومالهم الكبير وعرفت باسم “حزب وحدة الشباب الصومالى”SYL”.
وقد تكون الحزب من لقاء ثلاثة عشر شابا صوماليا فى مايو 1943 م ، فى مقديشوا وفى ظل إدارتها الانجليزية عكست انتماءات هولاء الشباب معظم قبائل الصومال ، اتخذ الحزب رمزا له يتكون من خمس نجوم بيضاء ، منثورة فى مساحة العلم ممثلة الأقسام الخمسة التى تتجزأ اليها الاراضى الصومالية. و نشأ حزب وحدة الشباب فى ظروف الانفراج التى أعقبت الحرب العالمية الثانية ، كما اتفقت نشأته مع ترويج السياسة الانجليزية لفكرة الصومال الكبير والتى يعتبر وزير الخارجية البريطانية أرنست يبفن أحد مهندسيها وركز الحزب على أيامه الاول إنشاء الفروع فى مختلف انحاء الصومال الكبير وتعميق الإحساس بقضية القومية الصومالية ([3]) . وعلى الرغم من ان الحزب قد اتخذ فى بداية الأمر صورة نادى ثفاقى وإجتماعى ، إلا أنه تحول إلى حزب سياسى فى عام 1947م . وفى نفس الوقت ظل الحزب الرئيسى والأهم فى تاريخ الأحزاب فى الصومال الحديث .
وثمة أحزاب أخرى لعبت ادوارا مختلفة فى الصومال الإيطالى كحزب وحدة صوماليا الكبرى الذى تأسس فى يونيوا عام 1958م بعد خلافات حدثت داخل حزب وحدة الشباب لأسباب أيدولوجية تطورت فيما بعد حتى أدت الى فصل السيد : محمد حسين حامد من الحزب ، وهو الذى قاد الحزب ” وحدة صوماليا الكبرى” لاحقا ، وقد عرف هذ الحزب وقيادته بعدائهم المفرط للإيطاليين وكل ماله صله بالغرب ، وناضل الحزب من أجل تحقيق الإستقلال والتحرر من التبعية الإستعمارية وتوحيد كافة الوطن الصومالى([4]) .
ويلحق بالأحزاب التى نشطت فى المحمية الإيطالية حزب الدستور المستقل ” H.D.M ” حيث ظهر الى الوجود فى مارس 1947م ، ويعتبر الشيخ عبد الله شيخ محمد ” بغدى ” مؤسس هذا الحزب ، وقد سعى الحزب بجانب أهدافه القومية المتمثلة فى الحصول على الحرية والإستقلال إلى إيجاد معايير عملية نحو تشجيع الزراعة والتجارة والعمل على ما يعيد النفع والخير والسعادة على المجتمع الصومالى([5]) .
وعلى الرغم من ان القبلية قد لصقت بالحزب من قبل البعض مبكرا مع بداية ظهوره، إلا أنه لم يكن على تلك الهيئة بالمفهوم المتعارف عليه داخل المجتمعات القبلية ،وإن بدا من إسمه أولا أنه حزب فبلى محض إلا أنه قد تبتى أهدافا قومية إقترح خلالها اللامركزية الإقليمية اساسا فى الحكم وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ([6]). وقد حقق نجاحات محددة فى الإنتخابات المختلفة ، خاصة نتائج الإنتخابات السياسية فى صوماليا 1956م . إذ فاز بثلاثة عشر مقاعد محصلا بذلك أعلى نتيجة بعد حزب وحدة الشباب الصومالى الذى صارت عدد مقاعده 43 مقعدا من مجموع المقاعد المقدرة للصوماليين ب 60 مقعدا ([7]).
ومن الأحزاب التى برزت فى ساحة الصومال الإيطالى إتحاد شباب حمر الذى تركزت نشاطاته فى إقليم الساحل ” ساحل بنادر ” وكانت اتجاهاته تمثل نواحى إجتماعية وإقتصادية أكثر من غيرها وسعى الإتحاد إلى الحفاظ على المصالح الإقتصادية للبنادريين . وقد شهد عام 1947 م أحزابا ذات نزعات قبلية بحتة أمثال : اتحاد شباب ابجال 13 /فبراير 1947م ، وهداية الإسلام شيدلى وموبلين ” 5/ اكتوبر 1947م ، وإتحاد بيمال ” يوليو ا 1947م ، وغيرهم ، وكل هذه الأحزاب كانت تتركز أهدافها فى مسائل قبلية بحتة بيد انها تحالفت فيما بعد فى مسمى حزب المؤتمر الصومالى ” 18 سبتيمبر 1947م “ والذى كان عبارة عن تحالف أحزاب شعرت التهديد من سيطرة قبائل معينة فى حزب وحدة الشباب الصومالى ([8]).
أما فى شمال الصومال فقد بدأت الحركة الوطنية التى نادت بوحدة الصومال الكبير بالتزامن مع الحركات الوطنية فى باقى اجزاء الصومال ” الصومال الإيطالى ، الفرنسى ، الغربى ” وكانت الرابطة الوطنية الصومالية التى تأسست فى عام 1947 م هى الأكثر حضور ا فى الساحة الشمالية لتكون الحزب الثانى على مستوى جمهورية الصومال فيما بعد الإتحاد . وقد تبنى حزب الرابطة رؤية مبنية على أهداف سامية من بينها الإستقلال التام وتوحيد أجزاء الصومال الخمسة تحت راية واحدة ورفع مستوى المعيشة وتتمية الأقتصاد الوطنى ومحو الأمية عبر نشر التعليم الاسلامى وأفكار حديثة إضافة الى محاربة القبلية ذلك المرض العضال الذى يعوق كل الجهود النضالية والأعمال الوطنية الاخرى ، فصار الحزب نواة حقيقية للتحرك الوطنى من أجل الاستقلال ([9]). كانت هنالك أيضا احزاب أخرى فى الشمال مثل الجبهة الوطنية المتحدة والحزب الصومالى الموحد وفى الوقت تفسه ظلت الفبلية والعشائرية تمارس تأثيرا قويا على حركة التفاعلات السياسية حيث ان الاحزاب الثلاث التى نشأت فى شمال الصومال كانت تستمد قوتها ونفوذها السياسى من كونها تعبيرا سياسيا وحزبيا عن جماعات اثنية معينة فى الإقليم ([10]).
وكذلك تحركت نفس المشاعر فى الصومال الفرنسى بقيادة المناضل : محمد حريى والذى اسس لاحقا حزب التحرير الديمقراطى الذى جعل مبادئه الرئيسية قيادة الشعب نحو استقلال تام والسعى الى الوحدة بين محميات الصومال وجمعها تحت راية واحدة بجانب نبذ القبلية وتشجيع وتوحيد أسس النضال فى الأجزاء الصومالية الباقية .
وبطبيعة الحال إستمر النضال ضد الإستعمار بمسمياته المختلفة وفى كل المحميات الصومالية مع إيجاد هدفين رئيسيين ، محاربة المستعمر وتوحيد الصومال الكبير . وظل حزب وحدة الشباب هو الأكثر كفاءة فى قيادة مشروع الوحدة لأنتشاره فى ربوع الاراضى الصومالية كافة والدعم الذى تحصل من السلطات الانجليزية والتى كان هدفها فى المستقبل المنظور الانفراد فى الساحة وإستمرار الإحتلال للبلاد من خلال وضع وصاية تستند الى شرعية دولية بعد تأمين الموافقة الداخلية لتعاملها الإيجابى مع القوى الوطنية المتمثلة بحزب وحدة الشباب الصومالى([11]) .
حدثت حوادث متفرقة ومفصلية فى عامى 1948 و 1949م مثل معركة “عاشت ” التى بدأت بمظاهرات عمت فى ارجاء مقديشوا وذلك يوم 11 يناير 1948 م قتل فيها شهداء صوماليون من بينهم المناضلة ” حواء تاكو” التى اعترفت لاحقا رمزا للنضال والإباء . وقد ضادفت تلك المظاهرات فى نفس ذلك التاريح زيارة لجنة اممية تابعة للأمم المتحدة مكونة من دول الحلفاء المنتصرة فى الجرب العالمية الثانية بريطانيا وفرنسا وروسيا للبلاد بهدف تقصى الحقائق .
” اذ دارت المعركة بين الصوماليين والبريطانيين Dhagaxtuurاضافة الى الحادثة المشهورة بــــــــــ طغحتور “
إستخدم فيها الأخير القوة المفرطة ولكن الصوماليون نجحو ا كذلك بشن هجمات شرسة على المستعمر ممامهد الطريق الى فتح نقاش فى الجلسة العامة للامم المتحدة فى سبتميبر عام 1949م ، حول مصير الدول التى استعمرتها ايطاليا سابقا ومن بينها الصومال . وفد بعث حزب وحدة الشباب السيد : عبد الله عيسى الى جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة فى نيويورك ليلقى خطابا بعبر فبه موفف المجتمع الصومالى . أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 21 نوفيمبر عام 1949م قرارا يقضى تسليم الصومال لأيطاليا لمدة 10 سنوات من اجل الوصاية وبرعاية الأمم المتحدة .
ففى ابريل من عام 1950تسلم الايطاليون ادارة البلاد يشرفهم على ذلك الدول الثلات مصر والفلبيين وكولومبيا ممثليين للأمم المتحدة([12]) . كان موقع ايطاليا الجديد فى مستعمراتها السابقة فى الصومال دقيقا ووثيقا تم تحديدها فى إتفاقية الوصاية بالامم المتحدة التى تحملت المسئولية عن الاراضى الصومالية ،و طلب من الادراة الايطالية الموكلة لأمر الوصاية تعزيز التتمية ودعم إيجاد مؤسسات سياسيةحرة وكذلك التنمية السكانية للاراضى ممايقود الى إستقلال حقيقى . ولتحقيق ذلك يلزم على الادارة الايطالية توزيع المسئولية السياسية والادارية والرقابية للصوماليين على وطنهم بهدف تدريبهم تحت ادارة وخبرات الايطاليين المخولين للوصاية . تصمنت كذلك الاتفاقية المنصوصة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 2 ديسمبر عام 1950 م ، مرفقا يوضح المبادئ الدستورية الضامنة لحقوق الصوماليين وتنفيذها بيد أن الايطاليين لم يلتزموا منها الااليسير . ولكن الاصرار من قبل المجتمع الصومالى بإيجاد دولة صومالية بالكامل( [13] )أدى إلى تشكيل حكومة ذاتية من قبل حزب وحدة الشباب بفيادة السيد: عبد الله عيسى فى عام 1956م وواجهت حكومته معظم مشاكل البلاد بإرادة حرة وصارمة أثناء الحكم الذاتى ([14]).
وجملة القول: ان الحكم الذاتى أدى الى استقلال الصومال بجزئيه الشمالى والجنوبى فى عام 1960م محققا بذلك نوعامن الانجاز فى توحيد نفس الشطرين ، ولكن ما تم الاخفاق فيه طرد المستعمر من الاجزاء الاخرى الصومالية وجمعها فى راية واحدة . جهود مضنية بذلت فى سبيل ذلك ماقبل الاستقلال ومابعده ولكنها لم تكلل بالنجاح بأسباب تأتى فى مقدمتها رفض البريطانيين التعاون مع الرغبة الصومالية فى أمر الوحدة وما أقدمت عليه دول الجوار(اثيوبيا ، وكينيا ) من ابتلاع أجزاء صومالية وثم ضمها الى أراضيها لئلا تقوم للصومال الكبير المزعوم فى نظرهم قائمة بعد ذلك التقسيم المصبوغ بصفة شرعية دولية . وبذلك قد تتبد حلم تحقيق الصومال الكبير . ولقد تجسد التقسيم ببشاعته بصورة أكبر فى مسألة الحدود بين الصومال واثيوبيا، و قد أثيرت فى هيئة الأمم المتحدة التى كانت تشرف على الوصاية الدولية على الصومال منذ عام 1950 م حتى عام 1960 م ، لا من الصومال فحسب ، بل من رجال دوليين محايدين يخدمون روح مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها ، وحملوا رسالتها الى هذه الأرض المجزأة ، وقد ادركوا بأنفسهم خطورة هذه التجزئة وما قد ينتج عنها على مر الزمان من خطر يهدد السلم والسلام العالمى الذى هو من أهداف الأمم المتحدة ([15])
أما الوحدة التى تمت بين الشمال والجنوب فقد تمت برغبة شعبية عارمة والتى تجاوزت بعض الاصوات الشمالية المنادية بعدم الوحدة مع الصومال الجنوبى اضافة الى الدعم من قبل بريطانيا والذى ساهم فى تسهيل المفاوضات للوحدة ،خاصة بين المحمييتن البريطانبة والايطالية بعد ما ينالان إستقلالهما من المستعمر . وفعلا جرت نقاشات غير رسمية بين القيادة السياسيين فى المحميتيين ” أرض الصومال وجنوب الصومال ” فى نفس العام والتى حفزت بدورها أن تتشكل توجها ت عامة لدى المجتمع الصومالى نحو حركات وطنية صومالية . واتفق معظم القادة السياسيين فى الصومال والمحمية السعى إلى هدف موحد وهو توحيد الصومال الكبير .
[1] . ـJudith Gradner & Judy el Bushra: ( eds) Somalia The untold Story, The war through the eyes of Somali women, (London:1 published ,2004 by Pluto Press). P: 2.
[2] . عبدى يوسف ، مرجع سابق ص 126.
[3] . حسن مكى محمد ، مرجع سابق ص 100, 101.
[4] . عبدى يوسف فارح ، مرجع سابق ص 115، 116.
[5] . محمد حاج مختار حسن : الصومال الإيطالى فى فترة الوصاية حتى الإستقلال 1950، 1960م , رسالة دكتوراه في التاريخ الحديث ، يحث غير منشورة ، جامعة الازهر. القاهرة ، 1983م . ص 99.
[6] . عبدى يوسف فارح ، مرجع سابق ص 120.
[7] حمدى السيد سالم: مرجع سابق ، ص 28 .
[8] . محمد حاج مختار حسن : الصومال الإيطالى فى فترة الوصاية حتى الإستقلال 1950، 1960م ,مرجع سابق ، ص 103، 105 .
[9] . عبدى يوسف ، مرجع سابق ص 124،123.
[10] . احمد ابراهيم محمود ، مرجع سابق ص 127.
[11] . عبدى بوسف ، مرجع سابق ص 130 .
[12] . موفع (wardoon) انظر الرابط التالى : http://wardoon.net/2017/05/akhriso-taariikhda-syl/
[13] . I.M.Lewis: A modern History of the Somalia nation and state in the horn of Africa . 4 Edition (James Currey, Ohio University press, 2002. P.139.
2. Ibid P. 155.
[15] . محمود على توريرى : الحياد الايجايى وسياسة الصومال الخارجية ، ص) 252، 253