أعلنت الحكومة الفيدرالية الصومالية مؤخراً قبولها بإفتتاح قنصليات كينية في كيسمايو (جوبلاند) وفي هيرغيسيا (صومالاند)، وما أن تسرب هذا الخبر لأوساط النخبة الأفريقية حتى تضاربت الأقوال والأراء ما بين مُشكك وموقن بها .
تبدو الصومال منذ تولى الرئيس محمد فرماجو سدة الحكم عام 2017 مُختلفة عن صومال من سبقوه، ويرجع بإعتقادي السبب في ذلك إلى التجربة السياسية المُختلفة والدقيقة للرئيس والتي تبدو متباينة في الظروف والمعطيات والتي إنعكست بعد ذلك على النتائج التي جاءت في صالح مقديشو.
أدركت مقديشو منذ عام 2017 أن هناك الكثير الذي ينتظرها ولابد أن تصل مع الشعب الصومالي -(إلى مجابهة التحديات الداخلية والخارجية)- الذي توحد ولأول مرة في تاريخة خلف شخصية سياسية صومالية في سابقة جعلت الإستخبارات الأمريكية المُصاحبة للقاعدة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” تولي ذلك الدعم الشعبي أهمية كبرى في كيفية التعاطي مع صومال اليوم.
حرصت الصومال على الخروج بصورة الدولة المُقنعة بجدية مواقفها سواء على الصعيد الإقليمي ومرونة مواقفها في الداخل الصومالي، وبدت بتلك الإستراتيجية أكثر قوة “سياسياً” وتعززت تلك الإستراتيجية الهادئة بعد المصالحة الأرترية الأثيوبية الأخيرة، فكلتا العاصمتان أسمرة وأديس أبابا بحاجة للصومال أكثر من حاجة الصومال لهما، فلا يمكن أن نتصور أن هناك علاقة أثيوبية أرترية على المدى المتوسط بدون الصومال ولكن يمكن أن نتصور الصومال بدون أرتريا وأثيوبيا وهنا تكمن المُفارقة التي إلتقطها الرئيس الأرتري أسياس أفورقي منذ البداية وسارع بعودة العلاقات الدبلوماسية مع مقديشو أضف إلى ذلك إدراك الجوار الإقليمي للصومال أن مقديشو قد لا تكون حليفاً كاملاً وبالتالي يمكن كسب جزءاً من إستراتيجيتها المُحايدة في كثير من القضايا.
موافقة الصومال على فتح القنصليات الكينية في الأقاليم الصومالية التابعة لها والتي تطالب بالإستقلال عن الدولة الفيدرالية مثل “صومالاند“، لم تأتي من فراغ بل هي رسالة سياسية مُبطنة مفادها أن مقديشو ليس لديها ما تخشاه من وجود ممثليين دبلوماسين لدولة أجنبية في أراضيها حتى وإن كان ذلك التمثيل الدبلوماسي مُناصر وداعم لإنفصال الأقاليم الصومالية أو على الأقل داعم لرجالها، وسينتج عن هذا أن هناك قنصليات لدول أخرى سنشاهدها قريباً وستجد لها موطىء قدم في الأقاليم الصومالية وتبدو أرتيريا المرشحة الأكثر حظوظاً لهذه الخطوة.
ولكن ما موقف القوى الدولية من كل ذلك ؟
تعمل القوى الدولية منذ فترة بعيدة للعودة للبوابة الصومالية، وما دورها الأساسي والجوهري في المصالحة الأرترية الأثيوبية الأخيرة إلا جزء من إستراتيجية عملت عليها منذ عقود، واليوم هناك مجموعة مصالح مشتركة ومتضاربة بين القوى الدولية وبعض القوى الإقليمية في الصومال يدركها الشارع الصومالي جيداً وليست خافية بطبيعة الحال للجوار الإقليمي الصومالي ولكن ما مدى تأثير ذلك على المصالح الخليجية التي بدأت تظهر في الصومال؟
إنطلاقاً من إيماني برمزية الدور الخليجي في القارة الأفريقية عموماً أرى بأن المصالح الخليجية جميعها متوقفة بما ستسمح به القوى الدولية أن يستمر، فالقوى الدولية ترى أن المصالح الخليجية في عموم أفريقيا مرتبطة بطريقة أو بأخرى بمصالحها هي، وبالتالي لا يمكن الحديث عن مصالح خليجية حقيقية في أفريقيا عموماً بمعزل عن دور القوى الدولية في تعزيز تلك المصالح أو إحباطها .
وأخيراً، أتمنى أن تضاعف الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس محمد فرماجو جهودها لإحتواء الأقاليم الصومالية وتعميق إحساس الشارع الصومالي بالمحافظة على وحدة أراضية، فالوحدة هي الترياق والطريق الأمثل والوحيد لنهضة الدول قديماً وحديثاً، فأنا شخصياً أنتمي إلى دولة تؤمن بأن الإتحاد هو السمة البارزة في تاريخها وهو المكون الأساسي الذي ساهم بنهضة الدولة، فالإتحاد بين إماراتنا السبع هو الذي قاد رؤية المرحوم الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان إلى ما يراه العالم اليوم لنموذج الدولة المتحدة الحديثة وهذا ما أتمنى أن أراه في صومال اليوم والغد وكل عصر، وفق الله الصومال لما هو خير لها ولشعبها الحر .
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro