ظلت الأمية في عصرنا الحاضر مشكلة اجتماعية معقدة ومركبة، فهي سبب رئيس من أسباب التخلف الاجتماعي، كما أنها نتيجة لطبيعة التخلف، وهكذا ترتبط الأمية بالتخلف …
إن أهمية العلم تنبع من مقولة (إن العلم نور)، كما يتقزز الفرد من الجهل تبعا لمقولة (و الجهل ظلام)، فالعلم يوسّع دائرة الأفق، وينشئ حضارة للمجتمع وإبداعا ، فيقدم ويطور خبرات ومساقات وليس العلم حكرا لفئة دون أخرى، بل لجميع بني البشر، أما الجهل والأمية يقودان البشرية إلي ظلام في الحياة كلها، وخمول في إدراك أسلوب الحياة ورسالته في الحياة ، وسحلت متضرريها في ساحل التعاسة والنخاسة وصار العديد من المجتمعات في الوقت الحاضر يعاني من الجهل وتبعاته .
مفهوم الأمية
عند سماعك لكلمة الأمية يتبادر إلى الذهن الجهل بالقراءة والكتابة، وهذا صحيح ولا نزاع فيه، ولكن الأمية في واقع الأمر أبعد من الجهل بأبجديات القراءة والكتابة، وأعمق وأشمل.
كما يتبين العاملون في ميدان التعليم وعلماء التربية والتعليم، أن الأمية ليست ظاهرة فردية منعزلة عن بقية الظواهر الاجتماعية في معناها الواقعي، فهناك صعوبة في إيجاد تحديد واضح لمفهوم الأمية وعدم الاتفاق على تعريف موحد وشامل، يعود لأسباب كثيرة أهمها تباين للمفاهيم والأفكار العامة والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع. لذلك، فإن مفهوم الأمية يتجه على النحو التالي، الأمية: بأنها حالة الفرد الذي لا يعرف القراءة والكتابة.
واقع الأمية في الصومال
تنتشر ظاهرة الأمية في المجتمعات الصومالية، خاصة في الأرياف والمدن والبوادي، وتكثر في أوساط المرأة الصومالية بنسبة أعلى من الذكور وفقا لتقارير دولية والسبب الرئيسي لذلك يرجع إلى كون المجتمع الصومالي، مجتمعا يتلقى المعارف عبر (قيل وقال) Cilmi dhagood، وما يرثه من الآباء والأجداد من الشعر والأقوال والحكم وانعكاس ذلك على نمط حياة المواطنيين وسلوكهم الاجتماعي.
تعد الأمية في الصومال ظاهرة عامة، إذ تشير بعض التقارير من بينها تقرير نشرته منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة لعام 2011 إلى أنها تتراوح بين 60% و70%، كما أشارت المنظمة أن المستوى التعليمي للمرأة الصومالية تمثل نسبة الأمية 75%، وذلك في ظل النمو السكاني السريع في البلاد الأمر الذي أدى إلى تزايد الأمية طردا!. وكذلك نشرت جريدة الشرق الأوسط أنـ 4,4 مليون من سكان الصومال بلا تعليم!
ولكن الأجدير بالإشارة إلى أن المناطق الجنوبية في الصومال توجد نسبة أمية أعلى من مناطق الشمال (صوماللاند) لأن الأخيرة لم تشهد فيها حربا أهلية إلا أعواما قليلة وأنها تتمتع بوضع أمني واقتصادي أكثر استقرارا من غيرها من المناطق وهذا الأمر انعكس ايجابا على الوضع التعليمي في صومالاند.
الأسباب التى أدت إلى زيادة الأمية في الصومال:-
تعاني عدد كبير من الدول بمشاكل كثيرة تتعلق بأنظمتها السياسية والإقتصادية وأن هذا الأمر تسبب بدوره إلى فشل المؤسسات التعليمية في تحقيق أهدافها وارتفاع نسبة الأمية بين شعوب هذه البلدان وأن الصومال تعد ضمن هذه الدول لكن هناك أسباب أخرى ساهمت في استفحال مشكلة الأمية في الصومال، أهمها:-
- انهيار النظام التعليم الحكومي بأكمله عقب سقوط نظام سياد بري عام 1991
- ضعف المؤسسات التعليمية الأهلية في الصومال وعدم قدرتها على استيعاب جميع الأطفال الذين بلغوا سن التعليم
- الإهمال الواضح في الاهتمام بالتعليم قبل السن المدرسي.
- قلة الكوادر التعليمية المؤهلة : تفتقر عدد كبير من المؤسسات التعليمية في الصومال إلى الكوادر المؤهلة وعدد الأساتذة المطلوبة ما أثر سلبا على قدرتها على استيعاب الأطفال الذين بلغوا سن التعليم
- غياب التعليم النسوي: إن مجتمع الصومالي لم يوجد ما يسمى (التعليم النسوي)، خاصة في الأرياف بسبب العادات والتقاليد الصومالية التي ترى أن المرأة ليست مكانها التعليم وإنما البيت لتربية الأبناء والأمور الإجتماعية التي تخص البيت، وبسبب ذلك فإن نسبة البنات الصوماليات اللاتي يلتحقن بالمدراس أقل بكثير من أقرانهن من البنين.
- عدم الإهتمام بالبحث العلمي الذي يقيم نواحي الضعف والقوة في التعليم، ويكافح الأمية
- سعي بعض المؤسسات التعليمية في الصومال إلى جني الأرباح على حساب الجودة والكفاءة، حيث باتت عدد كثير من المدارس والجامعات والمعاهد في البلاد مهتمة بجني الأرباح وهذا يكون عادة على حساب الطلاب، وأولياء الأمور الذين يدفعون رسوما عاليه جداً ولا يحصلون مقابل ذلك على خدمة تعليمية عالية الجودة…
- هبوط المستوى التعليمي في كل المراحل التعليمية في الصومال.
- ضعف المناهج الدراسية وتدني مستوى تدريب المعلمين، لأن التعليم في الصومال بالنسبة للعالم تقليدي (قديم)، إذ لا يستخدم في العملية التعليمية الوسائل التعليمية المناسبة، ويكون التعليم عن طريق الحفظ والتلقين، ودور المعلم يكون فيه إلقاء المعلومات والشرح، ولذلك يجوز أن نقول “التعليم الصومالي من نوع التعليم الذي يدور حول المعلم”.
محو الأمية في الصومال مسؤولية الجميع
إن عملية محو الأمية في الصومال تطلب توحيد جهود جميع القطاعات والمؤسسات الاقليمية والدولية العاملة في هذا المجال لإستئصال ظاهرة الأمية وايجاد حل جذري لها وأن الخطوة الأولى التي يجب القيام بها تتمثل في تدريب المُعلمين لاكتساب المهارات والخبرات التربوية اللازمة، وتصميم المنهج التعليمي الجديد الذي ينبثق من فلسفلة المجتمع حيث ينمي حاجاتهم ومهاراتهم ورغباتهم.. وإطلاق مشاريع تهدف للقضاء على العادات والتّقاليد الصومالية التي ترى أن المرأة ليست مؤهلة للتعليم وإنما يناط عملها بالبيت لتربية الأبناء فقط ومراعاة أعمال البيت ، لأن الأسرة هي كيان المجتمع والأم هي التى تنتج المجتمع فبأي أساس تكون الأم إذا لم تتعلم العلم؟ إن التقدم يُقاس بالعلم والمعرفة، كما يقاس التخلف بالأمية!