مقديشو مرآة الدولة، وقلبها النابض وأن ما يقع فيها في الغالب يؤثر إيجابا أو سلبا على المناطق الأخرى بالبلاد، وهذه المكانة تستدعي جهدا إضافيا وتلقى على عاتق عمدة المدينة ورئيس بلديتها ثابت محمد عبدي والمجلس البلدي مسؤوليات إضافية كبرى لا تقل أهمية عن مسؤوليات ومهام رئيس الجمهورية محمد عبد الله فرماجو، ورئيس الوزراء حسن علي خيري ويجعلهم يتحملون اخلاقيا مسؤولية أي فشل أو إخفاق قد يلاحق مستقبلا مشروع إعادة بناء الدولة باعتبارهم مسؤولين عن تطوير المدينة ، وتهيئتها كمقر ملائم للحكومة، والمساهمة في رفع مستوى دخل الدولة وتنويع مصادره.
تشير بعض المعلومات التي تم جمعها من مختلف نواحي العاصمة مقديشو إلى أن دور البلدية في إعادة بناء المدينة، مخيب للآمال وينذر باخفاقات مدوية في المستقبل مالم يتم تداركه وذلك بسبب التحديات والعقبات التي تعتري طريق مديري المديريات تتمثل في قلة الخبرة الإدارية، وانشغال أغلبهم أو البعض منهم على الأقل في الشأن السياسي والجري وراء مصالح شخصية أو فئوية لا تمت لمهامهم بصلة، غير مبالين حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وواجباتهم تجاه احتياجات سكانهم وأن كثيرا منهم في ذروة ساعات العمل تجدهم متنقلين بين الفنادق الكبرى وبين مقرات الوزراء بحثا عن مصالحهم الخاصة.
يتفادى مسؤولوا المديريات المكوث في مكاتبهم طوال فترة دوام العمل سواء بسبب الخوف من الاستهداف من قبل المجموعات الارهابية او لإفتقار مكاتبهم بالإجهزة الإدارية المطلوبة والمكيفات أو ربما لأسباب أخرى. وهذا الغياب أدى إلى ضغف فى الأداء، وعدم انجاز الخطط الموضوعة من قبل عمدة المدينة، وبقاء مناطقهم في تخلف مستمر .
لم يتم الاستفاذة من الامكانيات والطاقات التي تتمتع بها مديريات المدينة، ولم توجه عائدات الضرائب التي يتم جمعها من المحلات التجارية والمنازل الى الأمكان المخصصة لها ولا تنفق على تنمية المديرية وإعادة بنيتها التحتية التي دمرت بالكامل خلال الحرب الأهلية، بل تذهب معظم هذه العائدات إلي جيوب أشخاص معينين أو يتم تحويلها إلى خزينة البلدية في أحسن الأحوال للإنفاق على مصارف أخرى بصورة مخالفة لقوانين البلدية ، والخطة المرسومة لتحسين الأوضاع الأمنية والمعيشية في المقاطعات الـ17 التي تتكون منها العاصمة مقديشو.
لم تتغير حياة المواطنين في العاصمة مقديشو منذ سنوات، ولا يزال كثير من هؤلاء المواطنين غارقين في بؤس وفقر مدقع، ويطاردهم الهاجس الأمني والخوف على حياتهم وممتلكاتهم وأن ثقتهم بالمؤسسات الحكومية ضعيفة وشبه منعدمة، ولم تتوفر لديهم الخدمات التى يحتاجونها من الدولة بدءا من الأمن ووصولا الى خدمات النظافة والتعليم لأبنائهم منذ سنوات، وآخر خدمة حكومية حصلوا عليها كانت في عهد نظام سياد بري قبل 27 عاما وبعد سقوط النظام بقيت مؤسسات الدولة عبئا على كاهلهم وقوة غاشمة جاثمة على صدورهم تمتص دمائهم وتسيئ استخدام مواردهم التي جنوها بعرق جبينهم.
صحيح أن أي مراقب لصورة العاصمة مقديشو يلاحظ توسعا في التطور العمراني، وتحسنا في الخدمات المتوفرة في المدينة ، لكن كل ذلك يتحقق بفضل سكان المدينة وبمجهوداتهم الذاتية في ظل غياب دور حكومي فعال يتمثل في اصلاح شبكات الصرف الصحي والمياه، وترميم الشوارع العامة وتنظيفها ، ومحاربة العابثين بأمن المدينة واستقرارها ، وكل هذه الخدمات تعد ضمن التي يطالبها الشعب بإلحاح، فعلى سبل الميثال في مواسم هطول الأمطار تجد المدينة غارقه في الأوحال والطين والتنقل بين مديرياتها سيكون أمرا في غاية الصعوبة، وفي مواسم الجفاف تجدها حارة وسمائها مليئة بالغبار الملوث وتنتشر فيها الأمراض المعدية والأوبئة كالكوليرا الذي يحصد أرواح عشرات من الأطفال وكبار السن في كل عام نتيجة ضعف الخدمات الصحية وانتشار الأوساخ في الشوارع وداخل الأحياء السكنية.
يجب على رؤساء المديريات إعادة النظر في دورهم ومراجعة حساباتهم لإستيعاب حجم المسؤوليات الملقاة على عواتقهم والتي تتطلب إلى لحظة تأمل ومحاسبة النفس ومرجعة الأعمال التي قاموا بها خلال الشهور الماضية، فهل تتناسب لحجم الإمكانيات المتوفرة لديهم. ففي هذه اللحظة يمكن رؤية البون الشاسع بين الواقع والدور المأمول وبين المطلوب وما تم انجازه وأنه لا بد من انطلاقة جديدة والتفاني في العمل من اجل تقدم وزدهار مدينة مقديشو خلال فترة زمنية قياسية.
ينبغي أن يكون رئيس المدينة ثابت محمد عبدي وكل واحد من رؤساء المديريات على قدر المسؤولية وان يتحلوا بحس وطني عال يرقى الى مستوى تطلعات الشعب وآمالهم في الحصول على حقوقهم والعيش في ظل سلام وأمان.