ما إن شاهد العالم ماجرى في تقاطع زوبي بمقديشو من تفجير أدى إلى سقوط ألف شخص صومالي ما بين قتيل وجريح ومفقود، فالكل تضامن مع الضحايا مسلمون وغير مسلمين ،وكان للسيد رجب طيب أردوغان فضل السبق والمؤازرة العاجلة خارجيا ، وداخليا حاز الشعب والحكومة في ولاية بونتلاند الصومالية الدرجة الاولي في نصرة إخوانهم في اللحم والدم والوطن والدين، وسنّوا سنّة حسنة، فقد هبّ الشعب في بونت لاند بجميع محافظاته وأطيافه يتقدّمهم الرئيس عبد الولي جاس والساسة،والعلماء والتجار وأعيان المجتمع بالتّبرع وجمع التبرعات وارسال الأطباء والأدوية العاجلة لمشافي مقديشو العاصمة المنكوبة، وخلال شهر واحد تمّ جمع نصف مليون دولار تقريبا، ويتم توزيعها إلى الآن في مقديشو لأسر الضحايا ، ولهذا الحدث العظيم والجهد الجبار الرهيب دروس لمن يعتبر ويؤرخ للتاريخ المجيد، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
اولا: ترك الخلافات الساسية وضربها بالحائط عند وقوع الكوارث والزلازل من سمات القيادة الرشيدة والسياسي البارع المحنك وأن قام به سكان بونت لاند مشهد من المشاهد الدالة على حكمة وحنكة القادة في حكومة بونت لاند.
ثانيا: تجسيد الوحدة وتأكيد الجسد الواحد للأمة الصومالية ،شرقها وجنوبها وشمالها وغربها وعبر القارات في المهجر فكأن المصيبة حلّت في بيت كلّ صومالي ، وتظهر المآسي والأحزان في وجه كلّ مدينة واقليم صومالي ، مما يدل على الضّمير الحيّ للصوماليين مع ما حلّ بهم من شقاق وتشردّ، وتوحّدهم وتداعي بعضهم للبعض عند نزول النوازل والفواجع مشاهد وظاهر للعيان ، أتذكّر أنه كان عندنا حفل ترحيب للطلاب الجدد في جامعة شرق افريقيا بوصاصو، وقد تحوّل الي مأتم للعزاء وإعلان االلّجنة الطلابية لمساعدة ضحايا 14 اكتوبر2017 م .
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه … لا يذهب العرف بين الله والناس
ثالثا: التنظيم والمسارعة الي الخير والنجدة
قد يعجز البنان واللسان عن سرعة النجدة وكيفية جمع التبرعات في أقل من شهر بتناسق تام، فترى جموعا غفيرة في المساجد تتسابق بدفع التبرعات وإعلان الهبة كما شاهدت بأم عيني في مسجد الروضة في بوصاصو ولسان حالهم يقول: ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) ، وقد شاركت مع الطلاب في جامعة شرق افريقيا وهم يتعاهدون بالدفع في خلال 3 ايام او اسبوع فقط حسب ترتيب زمني محدد للمسارعة الي الإغاثة والمساعدة. ولله درّالقائل :
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ*** وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ.
رابعا: أهمية المساجد وأعيان المجتمع
لا أحد ينكر دور المساجد في توعية المجتمع واجتماع الناس فيه عند الجمع والجماعات ، وعند النوازل يجتمع الناس فيه للتوجيه المعنوي والإرشاد ،فالخطيب البارع والواعظ الناصح يخاطب العقول ويحرك الوجدان والضمائر ويرشد الناس الي المخرج من الشدّة والمطلوب من الأمة ،وقد شاهد الناس كلمة الوالد الشيخ طاهر اوعبدي التي أرجفت وحرّكت القلوب الرحيمة، وهذا دأبه عند نزوال الملمات وجزاه الله خير الجزاء
خامسا : دور الشباب في الحملة والمؤسسات التعليمية
الفئة الشبابية هم أكثر الفئات العمريّة في الصومال ، وإذا صلحت صلح المجتمع الصومالي برمّته ، فقد هبّ الشباب في كل المحافظات والمدن في جروي وبوصاصو وجالكعيو وبرن وغيرها ،وكونوا لجان الإغاثة العاجلة ولبسوا العصابة الحمراء ، فتراهم في الطرق والشوارع يجمعون التبرعات صباح مساء، و معهم عناوين الحساب في البنوك او خدمة سهل واي ذهب الالكترونية بلا ملل ولا سآ مة ،وكلنا يعرف الفتوة وطاقاتها الغير محدودة ،
لقد كان للمؤسسات التعليمية دور فعّال في الحملة ، بدأ من المرحلة الأساسية وانتهاء بمؤسسات التعليم العالي ، ويمكن القول بأن الطلاب في كلّ فصل في بونتلاند غالبا شارك في النجدة، وتبرّع كلّ من الطلاب والطالبات بما يجدون من الدريهمات ومن مصروفهم اليومي، ومن أعجب القصص ما يروية رئيس مؤسسة المنهاج للدعوة والتنمية الاستاذ محمد عبد الله بأن طالبة في مدرسة الواحة في جروي تبرعت بالبسكويت وفعلا وزعوا البسكويت للايتام في مقدشو ،
أتذكر الاستاذ من كلية دراسات الحاسوب الذي أ رسل اليّ مائة دولار ليلتئذ، ايثارا وتضامنا مع الضحايا ، وأكثر الاساتذة والعمال في الشركات تبرعوا بشئ من رواتبهم طوعا وابتغاء لله ولسان حالهم يقول(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )
سادسا : التكنولوجيا والإعلام ورفع الوعي
التكنولوجيا سلاح ذا حدين، والإعلام هو السلطة الأولي لتوعية المجتمع وصناعة الرأي العام وإيصال الكلمة الي أكثر عدد ممكن من المجتمع، فالتحويلات الإلكترونية لشركات الاتصا لات في بونت لاند ذلّلت الصعب وجعلت المستحيل ممكنا ،فقد انشأ ت حسابات خاصة للنجدة ومساعدة ضحايا تفجير زوبي ، كما ان الإذعات المحلية والقنوات التلفزونية كانت تبثّ البرامج لمساعدة الضحايا وتنقل جلسات لجنة الإغاثة علي مستوى بونت لاند مما ساعد في تسيير الأمر وإيصال الرسالة الي كل من يهمه الأمر.
سابعا: وأخيرا ” اللّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصدقات ”
لاغرو في ذالك ففي الناس مفاتيح للخير ومغاليق للشر ، وهناك مفاتيح للشر مغاليق للخير كما ورد في الخبر، ويتصارعان في هذه الدنيا ما تعاقب الملوان ، فهناك من يسيس الأمر وآخر يصومل ويدبلج، وينمق ويطعن ،ويلقي التهم جزافا ، وصدق الشاعر حين قال :
اذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه *** وصدّق ما يعتاده من توهّم
ومنهم من يبخل ويأمر بالبخل ،ويكره الكرم وأهل الكرم ، لقد قالوا في زمن المصطفي صلي الله عليه وسلم لمن تبرع ما يجده ” ان الله غني عن صاع هذا” وأنزل الله ايات في ذمّهم تتلي إلي يوم القيامة ،
فأقول للمرجفين والمثبطين والكسالي كما قال الشاعر الحكيم
أقلّو عليهم لا أبا لأبيــــــــــــــــكم … من اللّوم اوسدّوا المكان الذي سدّو ا
اولئك إن نِـــمنَـا سرو في صلاحنا *** سجاع علينا كحل أجفانهم سهد
سجيّـتهم الحسني وشيمتهم الرضي** وسيرتهم المثلي ومذهبهم القصد