سيبقى الظلم ما بقي البشر على وجه الأرض، لأن الإنسان بطبعه ظلوم جهول، لكن الظلم قد يعلو أحيانا ويسفل طورا، قد يكون السمة البارزة في بعض المجتمعات في بعض الأوقات، وقد ينحسر في أوقات أخرى. وقد تنوعت أسباب الظلم الاجتماعية، فمنها ما يعود إلى لون، ومنها ما يعود إلى طبقة، ومنها ما يُرجع إلى اعتقاد، ومنها ما يُسند إلى عرق، ومنها ما يُعزى إلى جنس، ومنها ما يعود إلى حرفة أو لغة، وكل هذه الأسباب وغيرها معروفة لدى بني البشر يظلم من خلالها بعضهم بعضا، ويسيءلأجلها بعضهم بعضا.
والبشر يختلفون طريقة علاج هذا الظلم الاجتماعي، وآلياته، وحَدِّه. ومن الأصول المقررة عند الإسلام الظلم بأي كان لونه”ظلمات””والظلم يزال” يجب “أخذ يد الظالم” وكفه عن اقتراف الظلم، وأنه “يقتص للشاة الجلحاء من القرناء” ويجب “الإنصاف للعدو “كما ينصف للصديق، “ولا تكن للخائنين خصيما” هذه المبادئ طافحة في الكتاب والسنة، ومنها انطلق أهل العدل والإنصاف. ولكن مشكلة العصر الذي نعيش فيه أنه تميز بتوظيف القواعد المتفقة عليها للوصول إلى مبادئ وسلوكيات مشينة، والكل يدعي وصلا بليلى، وأصحاب الدعاوى إذا لم يقوموا عليها بيِّنات فهم أدعياء.
ومن الظلم الذي استغله أصحاب المآرب الخاصة، ووظفها للوصول لأغراضهم المرسومة قضية الظلم الواقع على المرأة في بعض المجتمعات. وسأتناول الموضوع عن طريق حوار دار بين جابر وجون.
قال جابر: نحن المسلمين أصحاب حقوق المرأة العريقون في هذا المضمار، ففي زمن ضرب الظلم الاجتماعي أطنابه في العالم، أولى بكل العناية نبيُ الرحمة في هذه القضية حتى جعل آخرَ وصيته حماية المرأة وحفظ حقوقها، وكان يقرأ على البشرية قوله تعالى “وعاشروهن بالمعروف”() وقوله تعالى ” ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”(). وكان وصلى الله عليه وسلم يقول ” استوصوا بالنساء خيرا”(). بينما منظرو غير المسلمين كانوا يقولون:” المرأة لا تصلح إلا لإشباع رغبات الرجل”()”المرأة أدنى في المرتبة من الرجل وسلالتها تأتي في درجة أدنى بكثير من الرجل“() ومثل هذه الأفكار المنحطة طافحة في كتابات القوم.
قال جون: مع الاعتراف أنكم قطعتم شوطا بعيدا لحقوق المرأة وتحريرها إلا أنكم مازلتم في أمس الحاجة لتحسين أوضاع المرأة والاعتراف ببعض الجوانب التي يراها العالم أنكم مقصرون فيها، ومثال ذلك القضايا المبادئ الأساسية التي أعلنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1975 في المكسيك.
قال جابر: كلنا متفقون على أن للمرأة حقوقا يجب مراعاتها، وإذا ذكرت الحقوق لا بد من قانون ينص على ذلك ومرجع يرجع إليه الحق، ترى من صاحب القانون عندكم وما هو مرجع الذي يجب أن ترد إليه الحقوق عامة وخاصة حق المرأة الذي نحن في صدده؟
قال جون: حق المرأة نصتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والهيئات الحقوقية، والقوانين الوضعية، والأعراف الدولية، وهذا هو المرجع.
قال جابر: إذن اختلفنا على القانون ومرجعه ومصدره، نحن نعتقد بأن مصدر حقوق المرأة هو خالقها ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” لذلك نرى أن جسم المرأة والرجل ملك لله، بينما ترون أنتم أن جسم المرأة للمرأة لا شأن لله فيه، وبالتالي لا غضاضة عندكم أن تزني ولو كانت متزوجة، وأن يتزاوج المثلان، وتجرّمون من يسمي ذلك شذوذا وتعتبرنه عنصريا يعاقبه قانونكم، وترون كذلك أن المرأة المتزوجة لو طلبها زوجها إلى فراشه وهي غير راغبة فيه أنه بذلك يعتبر مغتصبا لها تعاقبه دساتيركم الوضعية، وانطلاقا من هذه القاعدة منعتم أن يتزوج الرجل أكثر من امرأة واحدة حفاظا لحقوق المرأة، بينما أبحتم له أن يتخذ أخدانا وعشيقات ما يشاء من الأعداد وإن كانوا ألوفا!
هذه هي بعض حقوق المرأة عندكم، وإن كنا نستعمل نحن وأنتم أحيانا بلفظ واحد إلا أن المعاني والأهداف مختلفة، فأنتم تهينون المرأة وتسمونها حرية المرأة وحقها، مثال ذلك ـ والأمثلة كثيرة ـ تتعرون البنات وتظهرون عورتهم حتى الأعضاء التناسلية ليسوِّقن ويُعلِن بضاعة لا تساوي عشرة شلنات، مثل علبة كبريت، وملابس داخلية وغيرها مما هو معروف، إذن كرامة البنات وشرفهن أرخص عندكم من علبة كبريت، وتستغلون حاجتهن المادية، بعدما أخرجتم من بيوتهن، ومع هذا تصورون أنفسكم كأنكم حماة النساء، وتسيلون دموع التماسيح في المحافل الدولية. وكم أتعجب كل يوم عندما أركب النقل العام وأرى الراكبين إذا وجدوا شابة جميلة شبه عارية ـ ولم تجد مقعدا شاغرا ـ وسع لها رجل مقعدا، لا احتراما بل تمتعا بلحمها البادي، بدليل أنها لو كانت عجوزا طاعنة في السن لم تَلف أحدا يقوم لها من مقعده!
قال جون: الحقيقة أننا لا نقر بأن للدين حقا أن يحكم أو يؤثر الحياة الاجتماعية، والدين عندنا ذوق شخصي، وطقوس قاصر على الفرد، وبالتالي لا علاقة بين الدين والدولة، والدين والقانون، والدين والحياة!
المراجع
ـ القرآن، سورة النساء، جزء من الآية ١٩.
القرآن، سورة البقرة، جزء من الآية ٢٢٨
ـ أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة.
ـ قالها: فريد أنظر فكره في “حسد القضيب” 
ـ مقولة داروين- Charles Darwin, The Autobiography of Charles Darwin 1809-1882,pp.232-233