في حين بدأت تباشير الصباح تمخر عباب الظلام وتخترق غياهب السواد، وآذن الليل بالرحيل، استيقظ محمد على وقع طرقات في الباب، انتشلته من حلم مرعب وكوبيس مفزعة، كان بعد الفصحو مرتبكا مذعورا، سيطرعليه الإضطراب وتملك عليه الخوف دون معرفة للسبب، لكنه على الفور استعاد توازنه، وعرف بعد لأي، أنه يبيت في بيت صديقه المفضل، وفجأة تذكر اللحظات التي يراها ماتعة، التي قضاها ليلة البارحة، اغتبط نفسه على أنه نال قسطا كبيرا من المتعة والراحة، تذكر كيف تعامل بطريقة سادية مع تلك الفتاة الساحرة، ذات الجسم الرشيق، والخصر النحيف، والردف الكبير والمحيا الساطع، والخد الأصيل، حيث إن الجمال ترك بصمة واضحة في كل تضاريس جسمها، طالما تشبب محمد بهذا الجسم، وتمنى أن يعبث به، وركب في تحقيق هذه الغاية المنشودة كل صعب وذلولن إلا أن الفشل كان حليفه في كل مساعيه، حيث كانت تتمنع عليه وتنظر إليه بكل استعلاء –كما يخيل إليه- فكانت خطوة البارحة من باب آخر الدواء الكيّ، هكذا يحاول أن يتفلت من تأنيب الضمير، ويوجد لفعلته مبررا ومسوغا، ازدادت طرقات الباب بعنوة وقوة، كادت أن تصكّ اسماعه، ومرة ثانية انتشلته من أحضان الذاكرة، فأسرع إلى الباب لفتحه، فإذا هو صديقه الذي ساعده في وضع الكمين للفتاة الساحرة، دلف إلى الداخل، وفي وجهه علامات التوبيخ والتأنيب على الإبطاء في فتح الباب، جلس على حافة الفراش،وساد على الجو صمت مريب، خمّن من خلاله أن خطبا قد ألم، وارتسمت على أسارير وجهه آيات الإستفهام، التوقيت غير الملائم لطرق الباب وهذا الوجوم المطبق كل ذلك يوحي إلى ما لا يسرّ، ثم قطع هذا الصمت بضحكة باهتة مصطنعة.
_أنت تخيفني بهذا التصرف يا علي،ما ذا دهاك؟!
أضاف قائلا:هيا اخبرني ما الخطب، فإن خفقان قلبي ازدادت كأن شيئا ما في غاية الخطورة قد حدث، وصنيعك هذا يرجج هذا الهاجس المخيف، هل تم اكتشاف سوءتنا؟ هل افتضحنا؟!
هل تلقيت رسالة نصية على الهاتف؟ّ!
هذا السؤال بصوت علي المبحوح، قطع ثرثرته وهذيانه، فتنهد وأزدات نبضات قلبه، وتراكم عليه الذعر، وبحث عن الجوال، وأخرجه من تحت المخدة التي كان يتوسدها، فلم يكن يعلم فيما إذا كانت هناك اتصالات ورسائل نصية، لأنه جعل على الهاتف المحمول الوضع الصامت، حتى لا يزعجه من الكرى بعد التعب حيث أنهكه الإغتصاب للفتاة الساحرة، فألقى نظرة على النقال،فهناك اتصالات كثيرة ورسائل نصية عديدة، فارتجفت أصابعه لا شعوريا،
أنت تقتلني بالفضول لما ذا لا تخبرني بالأمر؟! قال ذلك في محاولة لإستعادة توازنه وإبداءأن الأمر لا يخرج عن دائرة المألوف.
فتح الرسالة النصية الأولى التي أرسلها أخوه.
فاتسعت حدقتا عينيه حين رآى هذه العبارات التالية:
هناك رزية كبيرة قد حلت بنا، تم اغتصاب أختنا الصغيرة، بطريقة وحشية، وهي الآن في غرفة العناية المركزة، حيث لم يكتفوا باغتصابها، بل أشبعوها بالطعنات فتعال إلى المستشفى العام بسرعة البرق.
ثارت أعصابه، وردد في غاية من الدهشة مع الذعر، هذه الكلمة: لا يمكن، نظر إلى صديقه فربت علي على كتفيه لتهدئته، فارتمى في حضنه، منتحبا، تسيل منه العبرات بكل سخاء، فتذكر حالة انقضاضه على الفتاة في ليلة البارحة، كيف كان كالسبع المفترس، وجد فريسته ترعى على غفلة، فالتهمها وهشّ عظامها دفعة واحدة خوفا من التفلت منه، لا زالت توسلاتها وطلباتها للنجدة، ترن على أسماعه، ولا زالت ذلك المشهد يمر أمامه كالشريط يتفرج عليه، حين حجرت نفسها في زاوية ضيقة من البيت كالدجاجة حين يبلّها القطر.
ثم توجه إلى السيارة المركونة في مرآب السيارات برفقة صديقه فدفع المفتاح إلى صديقه ليقود السيارة نحو المستشفى للإطّلاع بحال أخته التي طالها الإغتصاب من قبل مجهولي الهوية، لطالما أحاط بها هو وأهله بالتدليل، ووضعوا رعايتها نصب أعينهم، ومنحوها كل الحب والوداد، البنت الوحيدة من بين إخوته الذكور، كان يتوسم فيها كل النجابة والذكاء، وكانت تبتسم لها الدنيا بثغر وضّاء، لكنها اليوم في نقطة بين الحياة والموت، وقد ذاقت على أيدي الجناة الوجع الشديد بالطعنات المتكررة وفض البكارة قسرا وجبرا، وقد لحق هو وأهله العار كل العار، عار قد داس عليها من لا يعرف قيمة الأعراض، وفي طريقهما إلى المستشفى اصطدمت سيارته بسيارة أخرى، ولقي هو وصديقه مصرعها على الفور، في هذا الحادث المرعب، وتم نقل الجثث عبر سيارة الإسعاف إلى صالة الأموات من المستشفى الذي كان يتوجه إليه، وبعد ثواني قليلة لفظت أخته أنفاسها الأخيرة وفارقت الحياة، وساد على أهله أجواء من الحزن والكآبة، وعزف الواقع في رواق بيته لحنا جنائزيا في ذلك المأتم.