الشيخ المناضل الذي استشهد أسيرا يقبع في سجون المستعمر الإيطالي, لكنه كبقية المناضلين الصوماليين لم يلق العناية التي يستحقها من قبل ذويه الصوماليين فضلا عن غيرهم, وفي الأسطر القادمة نؤرخ لهذالمناضل الصومالي الكبير الذي ساهم في أولى حلقات مسلسل التحرر من قوى الاستعمار الأوروبي, شخصية أبت إلا أن تسطر نفسها في الصفحات البيضاء من تاريخ الأمة الصومالية .
المولد والنشأة : ولد الشيخ حسن بن الشيخ نور بن الشيخ أحمد المعروف ب الشيخ حسن برسني عام 1853, في القرية المعروفة بـ ” أبادي ” على بعد 68 كيلو مترا شمال غرب مدينة جوهر مركز إقليم شبيلي الوسطى,. ينحدر الشيخ من أسرة معروفة بالعلم والقيادة, أمه كانت تسمى ” حليمة هلولي ” وكان أبو الشيخ عالما ينقاد له أهل القرية, منتسبا للطريقة الرحمانية من الطرق الصوفية, ينتسب إلى قبيلة غالجعل. ترعرع الشيخ في مسقط رأسه, وألحق بالدكسي ( الكتّاب أو الخلوة ) وهو لايزال في صباه كعادة الصوماليين .
طلبه ورحلاته العلمية :حفظ القرآن وهو لم يتجاوز سن العاشرة من عمره, بدأ يتفقه في أمر دينه في مقتبل عمره ورتّب له أبوه مشايخ في البيت يتناوبون على تعليمه وتربيته، ليشرب منهم مناهل العلم بشتى مجالاته, وبعدها ارتحل إلى مناطق كثيرة داخل الوطن وخارجه لازدياد العلم. ومن المناطق التي رحل إليها الشيخ مدينة مقديشو, ومنطقة متاي أو حسن قرب مدينة أفجوي المشهورة بالعلم والعلماء, وبعدها ذهب إلى أرض الحجاز مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ولطلب العلم, ومكث فيها أكثر من ثلاث سنين, وعاد إليها مرة ثانية بعد رجوعه منها, وممن لقيهم الشيخ المناضل في الحرم المكي الشيخ محمد الصالح والذي تنتسب إليه الطريقة الصالحية من الطرق الصوفية المعروفة في الصومال.
نضاله ضد المستعمر الغازي :عاصر المناضل وقت انعقاد مؤتمر برلين عام 1884, والذي تم فيه اقتسام القارة الإفريقية بين الدول الأوروبية المستعمرة, وأصبحت منطقة القرن الأفريقي من نصيب دول مختلفة, حيث أصبحت الأجزاء الجنوبية من الصومال أو ما بات يعرف بالصومال الجنوبي الذي ينتمي إليه الشيخ تحت الاحتلال الإيطالي, فالشيخ لكونه درس وسافر خارج الوطن واطلع على ثقافات مختلفة، أمده ذلك بقدر من التحضر واتساع الأفق ما مكنه من استيعاب مجريات الأمور في الداخل والمحيط الخارجي, وأصبح يدرك قيمة الحرية والعزة, والثمن الباهظ للاستسلام والخنوع, وانطلاقا من الدافع الديني الذي يفرض الذود والدفاع عن الدين والعرض ضدّ أي اعتداء، حمل راية المقاومة لمواجهة و محاربة المستعمر الإيطالي, بدأ يحث الناس على الجهاد والمقاومة ضد المستعمر, وجدت دعوة الشيخ إقبالا كبيرا, فقام بفتح معسكرات سرية لتدريب الملتحقين في قافلة الجهاد ضد العدو, واجتمع للشيخ أكثر من عشرين ألف مقاتل, سمع الإيطاليون خبر الشيخ وما يخطط له ضد مستعمرتهم, فأرسل قائد قوات المستعمر الإيطالي في الصومال آنذاك ماريو ديفيجو إلى الشيخ رسائل تهديدية. إلا أن الشيخ لم يأبه بذلك واستمر في مسيرته النضالية, وكان يحث أتباعه دائما بتذكيرهم بأنّ العائد من هذه المعارك لا خسارة منه مطلقاً في حال الحياة أو الموت، فهو العزة والحرية والحصول على رضوان الله والفوز بالجنة, لترتفع معنوياتهم .
تأسست عدة جبهات وأفرع لحركة الشيخ في عدة مناطق بدأت مع العدو خوض معارك كر وفر وهجمات مباغته, تلتها مواجهات مباشرة، ومن أشهر المعارك الطاحنة التي دارت بين الفريقين :
1 معركة بولو بردي سنة 1922
2 معركة عيل طير ما بين 1922-1923
وكانت المعركتان بقيادة القائد محمود يوسف آدم فرولي .
3 معركة هيلويني سنة 1923
4معركة جليالي سنة 1924
5 معركة هريريلّي سنة 1924
وكانت المعارك الثلاثة بقيادة القائد روبلي ليبان وعيس.
وإلى جانب هذه المعارك, خاضت الحركة المناضلة بقيادة الشيخ حروبا مع المستعمر الإثيوبي الذي ظهرت له في تلك الحقبة أطماع توسعية للسيطرة في العمق الصومالي مستعينا بالمستعمر الغربي الجاثم آنذاك على صدر البلاد، حيث تغلغل الإثيوبيون إلى داخل الأراضي الصومالية إلى أن وصلوا إلى منطقة تي تي لي ( بلعد ) حاليا. ومن أشهر المعارك التي خاضتها الحركة مع الغازي الإثيوبي معركة غمرشي سنة1905, هذه المعركة التي أرغمت إثيوبيا على الانسحاب من الصومال بعد خسارة مروعة في صفوف قواتها .
وفي المعارك مع الإيطاليين تمكن المقاتلون من إيقاع هزائم نكراء في صفوف قوات المستعمر الإيطالي وألحقوه خسائر بشرية ومادية فادحة، مما دفع قوات المستعمر الإيطالي إلى إرسال نداء استغاثة إلى القوات الإيطالية المتواجدة آنذاك قبالة سواحل مدينة عدن اليمنية للإمداد بالمزيد من القوات والعتاد الحربي المتطور, فوجدوا إمداد بقوات إضافية إيطالية ومرتزقه ينتمون لبلدان مختلفة استعمرها الإيطاليون, بالإضافة إلى آلات حرب متطورة, وذلك كما هو منصوص في الكتاب المسمى أوريزنتو د إمبيرو والذي دونه قائد قوات المستعمر الإيطالي للصومال كمذكرة لسنواته التي قضا هافي الصومال .
استغلت قوات المستعمر الإيطالي انشغال أكثرية قوات حركة الشيخ في معارك أدغال إقليم هيران, وشنت هجوما مباغتا على المقر الأساسي للمقاتلين, حيث كان الشيخ يقيم فيه, مستخدمة الأسلحة المتطورة, وحاصرته من جميع الجهات, وقد وقع الشيخ المناضل حسن برسني أسيراً في أيديهم عام 1924, .
سجن الشيخ ووفاته :
سجن الشيخ في السجن المركزي بمحافظة بنادر , بعد أن حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثين سنة مع الأعمال الشاقة, وزج به في غرفة صغيرة مظلمة يصعب العيش فيها, وعرض على الشيخ مراراً أن يصدر أوامره إلى أتباعه بوضع السلاح والانقياد للسلطة الاستعمارية مقابل الإفراج عنه و إخلاء سبيله, لكن الشيخ لم يستجب لهذا الطلب. مما دفع المستعمر إلى التفكير في إزاحة وتصفية الشيخ الذي كان يمثل العقبة الرئيسية أمام مخططاتهم الاستعمارية في جنوب الصومال .
بعد إصرار الشيخ وعدم التخلي عن موقفه, بعد ثلاث سنوات من الحبس اجترأ الإيطاليون على تصفية المناضل وذلك في الثالث عشر من شهر يناير عام 1927م, بواسطة تسميم زنزانة اعتقاله بالسجن, وذلك كما هو منصوص في كتاب أوريزنتو لقائد قوات المستعمر الإيطالي في الصومال .
دفن الشيخ في مقبرة الشيخ صوفي في مقديشو بالقرب من القصر الرئاسي, وقد تم نقل جثمان المناضل أخيرا إلى منطقة جيليالي .
وتخليداً لذكرى هذا المناضل سمت الحكومة المركزية إحدى مدارسها باسم الشيخ، كما تمّ أخيرا إقامة نصب تذكاري باسم الشيخ وسط مدينة بلدوين حاضرة محافظة هيران .
مراجع :