“هلغن” مدينة على بعد 41 كم إلى الشمال من مدينة “بلدوين” حاضرة إقليم “هيران” ، فيها قاعدة عسكرية للقوات الإثيوبية التي هي من ضمن بعثة الاتحاد الافريقي .
وفي اليوم التاسع من هذا الشهر الجاري هاجمت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة تلك القاعدة العسكريّة هجوما موسعا من جميع الجهات ، استمر لأربع ساعات تقريبا من الساعة الخامسة صباحا إلى الساعة التاسعة صباحا.
يعتبر هذا الهجوم من الهجمات النوعية التي تنفذها حركة الشباب حيث وصفته بعض وسائل الإعلام المحلية بأنه أعنف هجوم نفذته الحركة في الأسابيع الأخيرة .
وقد بثت وسائل الإعلام أرقاما متباينة حول الخسائر التي لحقت بالجانبين، كما تضاربت تصريحات الجهات الرسمية حول الموضوع نفسه. وبحسب مصادر مطلعة فإن عدد القتلى من جانب حركة الشباب وصل إلى 110 مقاتلين في حين بثت إذاعة صوت أمريكا أن عدد القتلى من القوات الإثيوبية الذين نقلوا إلى بلدوين 33 عسكريا، والجرحى 64.
هجوم بهذا الحجم وهذه القوة لم يكن متوقّعا في هذا التوقيت والظروف التي يبدو أن مقاتلي الشباب يتعرضون فيها لهجمات متعددة من قوات الحكومة الانتقالية والقوات الإفريقية لحفظ السلام أميصوم وهجمات نوعيّة من قوى دولية منها أميركا وفرنسا وبريطانيا أتت على حياة قيادات بارزة فيهم، وأفقدتهم كثيراً من المساحات التي يسيطرون عليها، إضافة إلى انشقاق أجنحة من الحركة أعلنت تحويل ولائها من تنظيم القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية. لذا ننظر في الأسطر التالية دلالات هذا الهجوم في توقيته وطبيعته وآثاره ونتائجه.
التوقيت الزمني للهجوم:
تزامن هذا الهجوم مع أوائل شهر رمضان والذي عادة ما تضاعف فيه حركة الشباب هجماتها ، وسط أحداث أخرى لها من الأهمية ما يجعل الحركة تنفذ هجوما من هذا النوع ، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- ان الحركة تمر بظروف صعبة، وتعيش أسوأ أيام حياتها نتيجة تعرضها لهزائم متلاحقة.
- قامت الحركة بتصفية قيادات بارزة في صفوفها خلال أيام متقاربة؛ وذلك بعد ان اتهمتهم بالجوسسة والعمالة لأطراف سمتهم بأعداء الحركة.
- فقدت الحركة قيادات ميدانية جرّاء العمليات التي نفذتها الطائرات الأمريكية بالتعاون مع المخابرات الصومالية.
- قرب الانتخابات والحاجة الماسة من قبل الحكومة إلى استكمال تشكيل الإدارة الإقليمية لمحافظتي هيران – شبيلي الوسطى.
- عزم الحكومة على إتمام مسار تشكيل إدارة محافظتي هيران وشبيلي الوسطى في غضون شهر، حسب إعلان على لسان السكرتير الدائم لوزارة الداخلية .
دلالات الهجوم:
يشير المحللون الى أن هذا النوع من الهجوم الذي تنفذه الحركة في وقت كهذا له دلالات معينة ، منها ما يلي :
- تريد الحركة من وراء هذا الهجوم أن ترسل رسالة واضحة إلى كل من يهمه أمرها وخاصّة من يصفها بأنّها في الرمق الأخير ، وإلى من يصغي إليه، ومفاد رسالتها: إثبات وجودها وحيويتها وأنها لم تتأثر لا بفعل الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت قادتها ، ولا بانسحابها عن مناطق عدة ، بل هي قادرة على تنفيذ هجمات بحجم تلك التي نفذتها في “هلغن”.
- استهدفت الحركة نقطة ضعف الحكومة الصومالية في هيران، والتي لم تقدر الحكومة إلى اليوم على إكمال مسارتشكيل إدارتها الإقليمية المشتركة مع محافظة “شبيلي الوسطي”.
- كما يدل هذا الهجوم على ضعف حركة الشباب وتراجعها ميدانيا؛ وذلك من حيث عدم قدرتها على تنفيذ الهجمات الميدانية في العاصمة والقواعد القريبة منها، واختيارها للأطراف بدلاً من ذلك، وحصر عمليّاتها في العاصمة في الاغتيالات والهجمات الانتحارية .
أثر الهجوم:
أحدث هذا الهجوم توتّرا إعلاميا وتصريحات متباينة ، فبعد انتهاء الهجوم بساعات قليلة ظهر في الساحة الإعلامية ادعاءات متباينة وتصريحات مختلفة من كل من الناطق باسم حركة الشباب وقوات أميصوم وكل من وزيري الأمن والدّاخلية والدفاع، فيما يتعلق بحجم الخسائر التي لحقت بحركة الشباب والقوات الإثيوبية المتمركزة في تلك القاعدة العسكرية.
لعلّ ذلك يعكس شدة ضربة يتكتم عليها لحقت بقوات أميصوم في حين غرّة، وبالحكومة الصومالية في وتر ضعفها، حيث يوحي التضارب الإعلامي الذي أعقب الهجوم بوجود صدمة لم يتح معها للسلطات الرسمية حتى التنسيق فيما بينها وتوحيد تصريحاتها بشأن حجم الخسائر الذي تكبدته جرّاء هذا الهجوم.
ومن الجدير بالذكر أن القوات الإثيوبية قتلت خمسة مدنيين في هذه المدينة “هلغن” في 9 أغسطس العام الماضي من بينهم شيوخ قبائل ، الأمر الذي يمكن أن يكون سببا في أن تتغير النظرة إلى الحركة في أعين ساكني هذه المدينة نحو منحها قدراً من الاعتبار والمبرّر لنشاطها. ومن ثم يكون هذا الاعتبار القليل بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للحكومة الصومالية التي دفعت الثمن غاليا.
ومن جانب آخر لا شكّ أنّ هذا الهجوم يسبّب إحباطا نفسيّا وانكسارا معنويًّا للحركة التي لم تتعود أن تخسر في هجماتها النوعية مثل هذا العدد الكبير من مقاتليها.
وأخيرا فإنّ هجوم هلغن كان مختلفا عن غيره لكلا الجانبين من حيث العامل الزمني والخسائر المعنوية والمادية التي تركها وراءه.