ويا أسفى .. المثقفون والعلماء هم المتضررون في كل زمان ومكان، وكأنه لم ينتهي في بلادنا عهد الدكتورية والجبروت، بدءاً بعهد الحكم العسكري ومروراً في الفترات الجبهات والفصائل المتناحرة ثم المحاكم والإدارات المحلية، ولم نتوقع قظ بأنّ المنظومة الحاكمة اليوم في العاصمة تسجن أصحاب الأقلام الحرة والأساتذة المربين الذين أخرجوا أجيالاً وطنيةً، وهو مما لا نفهمه أبداً، فيا ترى كيف يمكن أن يهان الكاتب والمثقف والعالم على أيدي الجهال الذين لم يتدربوا على حماية المواطن وحفظ كرامته.
وإذا كان اليوم الأستاذ عبد النور معلم محمد البيمالي المشهور بملا في غيابة السجون، فقد كان قبله في السجن شيوخه مثل: الشيخ محمد معلم حسن ، والشيخ عبد القادر نور فارح والشيخ نور الدين علي أحمد رحمهم الله جميعاً، وهو ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى، ومن سنن الله الكونية وأوامره القدرية، فالحبس، والضرب، والتضييق، بل والقتل، أحب إلى أولياء الله المتقين وجنده المخلصين من الكفر برب العالمين، ومن تعاطى الرشوة ، والانغماس في الموبقات، والاستعباد للشهوات. سألوه بالرشوة فرفض حتى الصمود، وفي لسان حاله يقول “رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ”، هددوا بأحكام قاسية إذا لم يستجب بالمطلب الرشوي، وتلى في جوف الليل والحراس نيام قوله تعالى: “فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا”.
وكاتبنا الأستاذ عبد النور معلم محمد ( ملا) مؤرخ درس التاريخ في جامعة إفريقيا العالمية، وقد قرأ الموسوعات التاريخية التي تناولت سجون العظماء والمجددين الذين يراهم أحسن منه وأفضل بكثير، بدءاَ بسيدنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ومروراً بأبي العباس أحمد ابن تيمية الحراني، مفتى الأنام، راهب الليل، فارس النهار، قائد الجيوش، وحارس الثغور، والذي سجن قرابة سبع مرات، ويردد قولته المشهورة: “ما يفعل أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري.. إن قتلي شهادة، وسجني خلوة، ونفيي سياحة”، ومع هذا الظلم والعنف فكان الحق يغلب علي الباطل وفي كل مرة.
ملا بين فكي كماشه
بالأمس اغتال المطرفون الإرهابيون بعمه السيد محي الدين محمد حاج إبراهيم رئيس اللجنة المركزية لحزب المؤتمر الصومالي (كُلَن) ووزير الدفاع السابق رحمه الله، واليوم هو نفسه يقبع في السجن الحكومي، ولو كان يعرف أن حاله سؤول إلى ذلك لاستمر على أرض الحرمين الشريفين، بدلاً من أرض لا تحترم الأحرار وأصحاب النفوس العالية. وأغرب من كل ذلك السكوت التي مارست الصحافة الصومالية بألوانها المختلفة، وخاصة تلك التي تنادي مناصرة الثقافة العربية والإسلامية التي لم تحرك ساكناً بسجن زميلهم في الدرب والمهنة، الكاتب الأستاذ عبد النور معلم محمد “ملا “ولو كان صاحبنا من أصحاب الشر والفتنة لقامت الدنيا ولم تقعد. وأقول لصاحبنا أصبر كما صبر أهل العزائم والهمم العالية، وتذكر قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم القائل: “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل”.
وفي آخر شهر سبتمبر في العام المنصرم تناول قلمه الفياض أسباب فرار السجناء من سجن لاسعانود المركزي، ولم يكن يعرف بأنه سوف يحل ضيفاً على السجن ، ولكن هذه المرة في سجون عاصمة الأحرار والصمود، لؤلؤة المحيط الهندي … مقديشو، ويومها قام يحلله أسباب فرار السجناء وهو لا يستطيع فرار ولا حوار. وأفاد لنا بعض تلك الأسباب والعوامل التي جعلت هؤلاء يفرون من سجن لاسعانود مثل: العامل القبلي، وضعف الإدارة، واستمرار النزاع بين الإدارتين، وسوء الأوضاع المعيشية داخل السجن، والفساد وتلقي الرشاوي.
ولله الذر القائل:
لا السجن يبكينا ولا التبعيد
كلا، ولا الإرهاب والتهديد
سنظل نهزأ بالخطوب تجلدا
مهما استمر الضغط والتشديد
والقيد مهما أحكمت حلقاته
كسرته منا أذرع وزنود
وأخيراً أدعو لأخينا وزميلنا الأستاذ عبد النور معلم محمد ملا بأن يفك الله أسره ويرجع لأهله ومهنته.[/dropcap]