رغم أن عددا قليلا من زعماء العشائر الصومالية الكبرى هم من يتمتعون بقدر من الثقافة، والوعي السياسي الكافي لوضع الاستراتيجيات المستندة على العلم والخبرة، فان تصرفات بعض السياسين القبليين في الحكومة المركزية أو في الإدارات الفدرالية تدل على أن هناك سياسات ممنهجة تتبعها العشائر للهيمنة على نظام الحكم في الصومال أو على الأقل السيطرة على مفاصل الدولة انطلاقا من الارث السياسي والاجتماعي القديم، والولاءات المقنعة التي كانت تمارسها الأنظمة السياسية التي مرت بالبلاد طول القرن الماضي والتي اتسمت بالمحسوبية والتهميش والاقصاء.
لكن تختلف استراتيجيات هؤلاء العشائر تجاه تحقيق أهدافهم وطموحاتهم وتتباين ما بين استراتيجيات مكشوفة تعتمد على الصراحة والجرأة واستراتيجات ناعمة تنطلى على بسطاء الناس وتستطيع الجماهير العظمي في البلاد أن تفهمها وتستوعبها بسهولة.
الاستراتيجيات المكشوفة
لا يتخندق الزعماء السياسيين المنتمين إلي القبائل الصومالية الكبرى التي تعتمد سياستها على الصراحة وعدم التردد عن الوصول إلي رغباتها دون النظر إلي الأخلاق والدين وراء الشعارات البراقة وخصوصا خلال مقابلاتهم الصحفية، ولا يستخدمون أسلوب الدعاية وقوة الشعار وانما يضعون النقاط على الحروف ويعلنون جهارا بأنهم يخدمون لصالح عشائرهم وخير ميثال لذلك مقولة موسي يلحو الشهيرة، زعيم الحرب السابق التي قالها في احدى مقابلاته « عشيرتي لا تقبل هذه القسمة».
لا تعطي تلك العشائر اهتماما كبيرا بدعم القبائل الأخرى أو التودد بهم خوفا من تأثير ذلك على حصتها خلال تقاسم السلطة والثروة. وهذا هو الأمر الذي أدى إلي فشل زعماء تلك العشائر في إقامة تحالفات سياسية أو عسكرية خارجة عن مناطقها أو تشكيل ائتلافات سياسية قابلة للبقاء والاستمرار، وأن تكون مناطق تلك العشائر حاضنة لزعماء العشائر الأخرى المطرودين من قبل القبائل المنافسة حتى وإن كان المقصود من وراء ذلك تحفيف الضغوط عنها أو ممارسة الضغط على منافسيها.
تؤمن هذه العشائر بالتاريخ، وحقوق ملكية الارضى وتكره سياسة «الأرض أرض الله ونحن عبيد الله»، بل وتسعى إلي احياء امبراطورية ضاعت عنها قبل سنوات والتي لم تنقطع بعد من أعماق وجدانها، وتؤمن أن الطريق الوحيد لإستعادة هذه الإمبراطورية هو الوقوف في وجه العشائر الصومالية الأخرى التي تتحصن في قلاع الوطنية زورا- كما تزعم – واقامة الدولة المركزية، ورفض مقترحاتها، لعل وعسى يتغير الراي العام المحلي والعالمي تجاهها.
لا تترد بعض هذه العشائر باستخدام القوة في تحقيق مآربها. صحيح أنها تؤمن أن الحروب لا تقدم حلا للمشاكل، ولكن في نفس الوقت تعتقد أن وظيفة الحرب أن تكسر الحواجز ، وتفتح الأبواب ، وتضبط موازين القوة بما يتيح للسياسة أن تؤدي دورها وتحقق هدفها بتصميم وعزم كما كان يؤمن الصحفي المصري الراحل حسنين هيكل.
الاستراتيجة الناعمة
وفي المقابل هناك عشائر كبرى تتبع سياسة القوة الناعمة، فهذه العشائر ترفع غالبا شعارات براقة عن الوحدة والوطنية لكسب الجمهور وجذب السياسين الوطنيين من شتى القبائل الصومالية . وقلما تجد تلك العشائر تجرى وراء الشعارات العصبية ولا تستخدمها الا في اطارات ضيقة تحتمها ضرورات المرحلة ولذلك نجدها بارعة في تكوين التحالفات وصانعة الائتلافات قبل الاستقلال ومنذ الاستقلال وإلي الآن ، لأنها بأمس الحاجة إلي من يدعمها ويساندها في تحقيق أهدافها الذي لا تحدها سوى حدود الصومال غير آبة للتاريخ وملكية العشائر للاراضي، وهي ليست كما يقال على وفاق مع فكرة الحدود والسيادة على اقليم معين. فإنها معادية للتاريخ على اعتبار انه ينبش ما في القبور ويعريها أمام الجمهور ويكشف الأهداف الحقيقية التي تخفيها كما تؤمن العشائر الاخرى.
هذه العشائر نجحت في اسقاط نظام سياد بري واستحوذت نفوذ السياسة في الصومال منذ أكثر من 25 عاما من خلال تحالفها مع العشائر الأخرى، وترويج شعاراتها المختلفة الداعية تارة إلي الوطينة والدفاع عن الاستقلال كما حدث في عام 1993 عندما وقف جنرال فارح عيديد في وجه قوات التحالف الذي كان يقوده الولايات المتحدة بدواعي محاربة الاستعمار الجديد والدفاع عن شرف الاستقلال أو رفع شعار الدين وحماية كرامة الأمة كما حدث إبان عهد الرئيس السابق عبد الله يوسف ودخول القوات الإثيوبية الي الصومال عام 2006، حيث قادت تلك العشائر لواء الدفاع عن الوطن والدين لكن بعد ما انجلى الغبار تبيّن أن الهدف كان السلطة واصبح زعيم المحاكم الاسلامية رئيسا للبلاد.