تعني الترجمة هنا استخدام لغة ما كوسيط لنشر لغة من اللغات . وقد تطورت الترجمة في علمنا المعاصر بعد الظفرة التكنولوجية التي اجتاحت العالم في الآونة الأخيرة وتقدم المواصلات والتلاحم الذي تم بين سكان مختلف القارات، وقد اضفت كل هذه العوامل الترجمة بهالة من العظمة واضافت اليها معاني جديدة حتى اصبحت الترجمة تدخل في جميع ميادين الحياة وتلعب دورا هاما في العلاقات الدولية والتعايش السلمي بين الشعوب.
هذا وقد حققت الترجمة في المدة الأخيرة انتصارات باهرة بعد ادخال اجهزة الكومبيوتر أو العقول الالكترونية في عالم الترجمة لتوفير الجهد والوقت المكرسين للترجمة وتضييق الهوة بين المترجم البارع والمترجم غير المتمرس.
ويجدر بنا ان نشير بأن للترجمة جوانب سلبية يجب الاحتياط لها والعمل بقدر الامكان على تفادي مخاطرها، فمدلولات الكلمات او العبارات قد تختلف اختلافا شاسعا بين لغة واخرى بسبب اختلاف العوامل الطبيعية او البيئية او العادات الاجتماعية وقد يؤدي سوء استخدام الترجمة الي مشاكل عديدة وقد ينجم من ذلك زيادة التوتر في العلاقات بين الافراد والشعوب.
كما ان استخدام الترجمة في مجال التعليم لفترات طويلة قد يؤدي الي نتائج عكسية لأن الدارس بالترجمة قد يفقد القدرة على المحادثة لان الترجمة تعوده الإتكال على قراءة الكلمات والعبارات المترادفة ولا تعمل على تنمية ملكة التعبير الحر في نفس الدارس والاسترسال عند التحدث باللغة الجديدة بطلاقة وبدون تكلف أو رتباك . وعلى الرغم من ذلك ان طرق التدريس الحديثة لا تحبذ استخدام لغة وسيطة في العملية التعليمية الا تجاربنا الخاصة وممارستنا الطويلة في التعليم الجماهيري وظروفنا المحلية قد أملت علينا ضرورة استخدام الترجمة في نشر العربية في بلادنا على الاقل في المراحل الأولى لاعطاء الدارس في جرعة كبيرة من الكلمات والتعابير المختلفة حتى يتسنى لنا اعداد وخلف قاعدة من المعلمين ذي كفاءة عالية قادرين على أداء رسالتهم حيال التعريب دون اللجوء الي الترجمة.
كما ذكرنا آنفا فان للترجمة سلبيات لذا فإنه ينبغي ان يكون المترجم حذرا في بما فيه الكفاية وان يكون كثير الاطلاع وان يكون ملما في استخدام التشبيهات اللغوية لأنه من الجائز ان تكون بعض التشبيهات مستساغة في لغة من اللغات وممقوتة في لغة اخرى الامر الذي قد يوقع بالمترجم في مواقف حرجة كما حدث لأحد الادباء الصومالين الذي ذهب الي بريطانيا في منحة دراسية للتخصص في الأدب الانجليزي، وفي احدى المناسبات التقى بفتاة انجليزية تتمتع بقدر كبير من الجمال والاناقة فاراد ان يترجم لها تشبيها رائعا من اللغة الصومالية فقال لها بالحرف الواحد: أنت جميلة كالحصان . فما كان من الفتاة الانجليزية الا ان اجهشت بالبكاء لأن تشبيه الحسناوات بالحصان مستساغ باللغة الصومالية وقد تكون ممقوتة باللغة الانجليزية لاعتبارات ثقافية واجتماعية.
ومن المستحسن ان يكون المترجم على جانب كبير من المرونة بحيث يستطيع الافلات من المواقف الحرجة عن طريق استخدام الترجمة بالمعنى اذا تعذرت عليه الترجمة الحرفية.
هذا وتفاديا من الوقوع في الحرج فقد اخذنا الترجمة بالمعنى كمنهج اساس وقد قمنا خلال الفترة ما بين ١٩٨٠- ١٩٨٦ بترجمة ثلاث كتب من سسلة اقرأ العربية حيث تم نشرها في الصحافة المحلية كما تم بثها عبر الأثير. ولقيت اقبالا منقطع النظير في الداخل والخارج وكان لها ردود افعال ايجابية.
وترجمة العلوم الدينية والعربية الي اللغة الصومالية لها تاريخ مجيد منذ ظهور الاسلام وقد نشطت الترجمة في المراكز العلمية المنتشرة في ارجاء هذا القطر وقد استفاد الشعب الصومالي من تراجم كبار العلماء الذي استطاعوا ان يزودو شعبهم بثروة هائلة من العلوم الدينة واللغوية عن طريق الترجمة الفورية في الحلقات الدينية التي كانت تعقد في المساجد أو تحت الأشجار ، كما ان هؤلاء العلماء قد اسدوا فعلا خدمة جليلة للغة الصومالية وعملوا على اثرائها عن طريق ايجاد مصطلحات جديدة لمواكبة التقدم العلمي.
وعندما احتل الاستعمار الوطن الصومالي واجه مقاومة عنيفة تستند على اسس علمية ، وأن كثر زعماء حركات المقاومة كانوا من كبار رجال الدين الذين يتمتعون بقدر كبير من العلم والمعرفة والوعي السياسي لم يكن توفرا في البلدا الافريقية المجاورة . وعلى سبيل الميثال فقد طلب احد الحكام الايطالين من زعيم حركة صومالية للمقاومة بتقديم باحصائية دقيقة عن عدد اتباعه ، ولكن الشيخ واسمه حسن جيدي ابتو قد غاب مدة طويلة فارسل الحاكم في طلبه فحضر الشيخ لدى مكتب الحاكم الايطالي وبيده كيس مملوءة بالتراب أو بدقيق الحنطة على اختلاف الروايات وقال له: هذه هي الاحصائية الدقيقة التي طلبتها مني ومن هناك ندرك كيف اثرت التعاليم الاسلامية على عقلية وتفكير الصومالية في استنباط الحجج الدامغة فقد كان الشيخ يعلم تماما بان الله وحده هو الذي يحصي كل شيئ عددا . اليست هذه الحجة شبيهة بقوله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم عليه السلام ( أن الله يأتي بالشمس بالمشرق فأت بها من المغرب). وهناك الشيخ يوسف الكونين الذي يعتبر الرائد الأول الذي طور الترجمة بين العربية والصومالية قبل حوالي اكثر ٧٠٠ عام مضت وهو أول من ابتكر اسهل طريقة لتعليم الكتاتيب اسلوب التهجئة العربية عن طريقة انشودة حلوة يسهل الصغار حفظها عن ظهر القلب وبهذه الطريق استطاع الشيخ ان يحدث التزاوج بين اللغتين ومنذ ذلك الحين لم تشكل قراءة العربية اية صعوبة على الصومالين.