أخبار فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الرحنويني الزيلعي وإنتاجه العلمي كان في محل الإهتمام عند العامة والخاصة في داخل القطر الصومالي الكبير المترامية الأطراف، ولم يأت من فراغ بروز مدرسة علمية ذات طابع لغوي يقودها الزيلعي وهي المدرسة الصرفية، وكذى ظهور مدرسة أخرى زهدية صوفية أُطلِقَ عليها الطريقة الزيلعية أو الجناح الزيلعي نسبة إلى الشيخ الزيلعي نفسه وهي جزء من سلسلة الطريقة القادرية على غرار مثيلتها الأويسية نسبة إلى الشيخ أويس بن محمد البراوي القادري رحمهم الله جميعاً، وهذا الاهتمام والعناية برزت جليةً عند الباحثين من أهل الصومال وغيرهم بحيث حرص الكُتّاب والباحثون على تناول تاريخ الزيلعي وأثاره العلمية والدعوية، وقد صدرت دراسات عدة حول تاريخ فضيلته وجهوده العلمية والأدبية على لغات مختلفة، ومن بين هؤلاء سعادة الدكتور السيد علوي شريف علي آدم، وقد اعتنى الدكتور تحقيق كتاب الزيلعي“حديقة التصريف“، وقد ترتب عمله هذا إلى وضع مقدمة مفيدة حول تاريخ الشيخ عبد الرحمن الزيلعي وإنتاجه العلمي، بل أنّ شريف علوي لم يخف على ذلك حيث صرح قائلا: ” لا أدري متى بدأت اهتماماتي بالشيخ عبد الرحمن الزيلعي، وبدراسة مؤلفاته النثرية والشعرية. ويبدو أنها تعود إلى فترات متقدمة من عمري حيث كنت أحضر في الحلقات الدراسية، والعلمية التي كانت تنتشر في ربوع الصومال، والتي كانت مؤلفات الزيلعي محورها، ومركز ثقلها، وموضع دراستها، وذلك في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من القرن العشرين الميلادي.” وسوف يكون أغلب اعتمادنا على ما كتبه علوي شريف عند تحقيقه لكتاب الزيلعي.
وممن اعتنى أخبار الزيلعي أحد معجبين به وهو الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عمر العلي الأبغالي الورشيخي بحيث ذكر أخباره في كتاب وضعه وسماه: “جلاء العينين في مناقب الشيخين” وهوكتاب وضعه الشيخ عبدالرحمن العلي، وتناول تاريخ شيخين كبيرين وذكر فضلهما ومناقبهما ، وهما الشيخ حاج أويس القادريّ ، والشيخ عبدالرحمن الزيلعي– صاحب ترجمتنا هذه – وينبغى أن نعرف أن ّالشيخ عبد الرحمن بن عمر العلي الورشيخي جمع هذا الكتاب الذي هو عبارة عن رسالتين هما : ( أنس الأنيس في مناقب الشيخ أويس) وكتاب🙁راحة القلب المتولع في مناقب الشيخ عبدالرحمن بن أحمد الزيلعي) الكتاب الأول وضعه الشيخ قاسم بن محي الدين البراوي، ويقع في 58 صفحة، ويدور حول ذكر مناقب الشيخ أويس بن محمد القادري الصومالي. أمّا الكتاب الثاني فيطلق عليه: (راحة القلب المتولع في مناقب الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الزيلعيّ) وكتب هذا الكتاب الشيخ عبدالرحمن بن عمر ثم ضمّ بين الكتابين وأطلق عليهما اسم: (جلاء العينين في مناقب الشيخين) والكتاب الأخير يتناول فقط مناقب الشيخ عبدالرحمن الزيلعي وزيّن بعض قصائد ونظم شعرية ، ويجلي فيها بعض كرامات الشيخ وتوسلاته.والكتاب يقع في 102 صفحة. ولماّ جمع المؤلف الكتابين اختار اسماً يجمعها وهو جلاء العينين في مناقب الشيخين.
وقد أورد الشيخ عبد الله بن معلم يوسف القطبي نيف من قصائد الزيلعي أشعاره الدينية في أكثر من مكان في كتابه ” المجموعة المباركة المشتلمة على كتب خمسة.
وكان سعادة الدكتور علي الشيخ أحمد أبو بكر من أوائل الكُتّاب الذين اهتموا تاريخ الشيخ عبد الرحمن الزيلعي ضمن دراساته وبحوثه الأكاديمية وخاصة كتابه” الدعوة الإسلامية المعاصرة في القرن الإفريقي” من بواكير تأليفات الدكتور ومن مطبوعات دار أمية في الرياض بالسعودية عام 1405ه / 1985م، وكان أصل هذا الكتاب رسالة علمية نال صاحبها درجة الدكتواره في الثقافة الإسلامية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وقد كتب سعادة الدكتور محمد حاج مختار حول شخصية الشيخ عبد الرحمن الزيلعي في كتابه قاموس تاريخ الصومال Historical Dictionary of Somalia وهو كتاب مكتوب باللغة الإنجليزية، وطبع في عام 2003م.
كما اهتم سعادة الدكتور أحمد جمعالة محمد عبر كتابه ” دور علماء جنوب الصومال في الدعوة الإسلامية (1889 – 1941م ) ” وأصل هذه الدراسة كانت رسالة علمية نال المؤلف بالدكتوراه في التاريخ الحديث. وللباحث القدير الأستاذ محمد عمر أحمد له مقالاً مفيداً حول سيرة الشيخ عبد الرحمن الزيلعي منشورة في المواقع الألكترونية. كما أورد أخبار فضيلة الشيخ عبد الرحمن الزيلعي أحد الباحثين القديرين وهو الشيخ حسن معلم محمود سمتر المعروف بـ “حسن البصري” في كتابه “تاريخ الدعوة في قرن أفريقي” وغيره من المقالات والبحوث.
أما الأخ الباحث أنور أحمد ميو رفض إلا أن يضم سيرة الشيخ عبد الرحمن الزيلعي أخباره إلى كتابه ” نيل الآمال في تراجم الأعلام الصومال” معتمداً على أحسن ما كتب وألف عن تاريخ الشيخ عبد الرحمن الزيلعي على يد الدكتور علوي شريف المشار إليه آنفاً.
وهذا ليس معناه بأنّ الدراسات والبحوث التي أعطت اهتمامها للشيخ عبد الرحمن الزيلعي تقتصر على ما ذكرناه آنفاً فحسب إنّما في الحقيقة يصعب حصرها، ويكفي أن نشير إلى أنّه وقبل أيام معدودات وبالتحديد في 10 سبتمبر تمكن أخونا وزميلنا الباحث الشاب الأستاذ صالح علي محمود المعروف بـ “صالح دبان” إنجاز رسالة علمية عنوانها ” الطرق الصوفية ودورها في الدعوة والثقافة الإسلامية في جنوب الصومال 1889-1960م دراسة تاريخية حضارية ” وهي دراسة أكاديمية عبارة عن بحث علمي مستفيض نال الباحث درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة سنار في السودان. وهذا البحث يتناول الطرق الصوفية ودورها في الدعوة والثقافة الإسلامية في جنوب الصومال 1889-1960م“، وقد جاء أخبار الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الزيلعي ضمن دراسة الباحث. وهذا الأمر في الحقيقة نستشف من أنّه قلّ ما تجد قلماً عرباً أو أجنبياً تناول في مصير الإسلام في منطقة القرن الإفريقي في العصر الحديث إلا وقد تطرق إلى جهود الشيخ الزيلعي ودعوته ومأثره الدينية والأدبية، لأنّ علاقات الزيلعي مع العالم الإسلامي، وكذا جهوده العلمية وجولاته الدعوية كانت واسعة النطاق في منطقة شرق إفريقيا وحتى في الجزيرة العربية، وإذا كانت انطلاقاته الأولى في جنوب بلاد الصومال إلا أنّه في آخر المطاف اختتمها الشيخ في غرب الصومال وفي منطقة العلم والحضارة بلاد قلنقول المشهورة بعلمائها وذكرياتها الإسلامية حتى صار مقر الزيلعي ومرقده معلماً حضارياً لقلنقول وضواحيها مثله مثل الشيخ يوسف البحر الشيخالي فرع آل القطب، والشيخ عبد الله القطبي الشيخالي من آل القطب أيضاً.
ولادة الشيخ عبد الرحمن الزيلعي ونشأته:
الشيخ عبد الرحمن بن أحمد نورية الديسو الكدلي نسبة إلى قبيلة ديسو الرحنوينية بفرعها الكدلي أو الجدلي Disow Godle ضمن القبائل المرفلي الرحنونية وخاصة قسم سديد أي ثمانية في مجموعة بقل هري مثل إيمد وقومال ويللّي Boqol hore: Emad, Qomaal, Yalallee، علماً أنّ مجموعة قبائل بقل هري المذكورة وقبيلتي هراو وليسان ينحدرون من أصل واحد وهو هنجلي Hinjile كما يروي ذلك أهل الاختصاص في ذلك. والشيخ عبد الرحمن الزيلعي من مواليد عام 1300ه الموافق سنة 1815م في قرية يطلق على اسمها ” مبارك” قرب منطقة بيولي في مدينة تييغلو بإقليم بكول، لأنّ قبائل بقل هري يقطنون في إقليم بكول بأماكن متفرقة ، كما يقطنون في إقليم باي في مدن وقرى متعددة، وهم أهل الزراعة بحيث يعتمدون حياتهم بعد الله ما تحصد أيديهم. وسكان هذه المناطق تشتهر بحفظ القرآن الكريم وتعليمه بحيث أكرم الله بهم بهذه الميزة ، ومثل هذه البيئة ترعرع الشيخ عبد الرحمن الزيلعي ونشأ نشأة قرآنية ، ومن هنا فلا يستغرب إذا أعطى جل اهتمامه بالدين الإسلامي ونشره ، وأن يؤلف كتباً ورسائل في هذا المنحى وخاصة القرآن وعلومه ، كما يأتي في موضعه عند الحديث عن إنتاج الشيخ العلمي والثقافي. غير أنّه اشتهر بلقب الزيلعي كما اشتهر غيره من العلماء والفقهاء قديماً وحديثاً إشارة إلى أنّه شخص مسلم تمييزاً عن غيرهم من سكان منطقة القرن الإفريقي – كما أشرنا في أماكن أخرى– وقد أخطأ من ظنّ أنّه من اليمن باعتبار نسبته إلى تلك المنطقة التي يشبه اسمها بمدينة زيلع في شمال الصومال كما فعل ذلك الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله العلي الأبغالي والورشيخي في كتابه ” جلاء العينين في مناقب الشيخين” على فرض أن تكون هناك مدينة أو قرية يمنية اسمها“زيلع“. كما أخطأ من ظنّ أيضاً بأنّ الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الزيلعي من مدينة الزيلع المعروفة في شمال الصومال أو من سلطنة الزيلع المعروفة تاريخياً في القرون الماضية، لأنّ هناك كثير من العلماء يلطق عليهم ألقاب الزيلعي أو الجبرتي ولكنهم من أماكن مختلفة مثل هرر وبربرة ومقديشو وبربرة وجيبوتي وأماكن أخرى في منقطة القرن الإفريقي. وكذلك اشتهر الشيخ عبد الرحمن بلقب المقدشي بحكم أنّه زارها وعاش فيها فترة من الزمن لطلب العلم ومرافقة أهل العلم وطلابه. وولاء الشيخ عبد الرحمن الزيلعي الشديد إلى الزيلع وسطلناتها الإسلامية وحكامها المسلمين لا يعني بأنّه ينتمي إليها. ولعل هناك سبب آخر كما يذكر ذلك شريف علوي في مقدمته المذكورة حيث قال: “وأغلب الظن أنه ينتسب إلى مدينة“زيلع“، عاصمة مملكة“أودل“الصومالية سابقاً، وإحدى الموانئ الرئيسة الصومالية على البحر الأحمر حالياً؛ ذلك أن الشيخ عبد الرحمن الزيلعي كان يقضي معظم أيامه الأخيرة في المدن الرئيسة في غرب الصومال كهرر وجكجكا وقلنقول، وأنه كان يؤدي مناسك الحج والعمرة بين الفينة والفينة، وأنه كان يمر بأحد الطريقين الرئيسين اللذين كانت القوافل التجارية، وقوافل الحجيج تستخدمهما بين مدينة هرر وزيلع، أو بين هرر وجكجكا وبربرة؛ فليس ببعيد إذن أن يكون الشيخ عبد الرحمن قد استقر في إحدى هذه الرحلات في مدينة زيلع، وأن يكون قد قضى فيها فترة من الزمن قد تطول أو تقصر انتظاراً لموسم الحج، أو طلباً للعلم والمعرفة تماماً كما فعل في ريعان شبابه حينما اتجه إلى مقديشو لتحقيق تلك الغاية، ومن هنا نسبت إليه مدينة زيلع كما نسبت إليه مدينة مقديشو في بعض مؤلفاته” .
انتهى، وللحديث بقية .