مقديشو (مركز مقديشو)- موقع”دلجركا دهسون” ساحة النصب التذكاري للجندي المجهول من المعالم التارخية فى مدينة مقديشو العاصمة وتحتل هذه الساحة موقعا استراتيجيا مهما حيث لا تبعد عن مبنى البرلمان القديم الا بضعة أمتار فقط، وكانت هذه الساحة من أجمل المواقع السياحية فى البلاد قبل الحرب الأهلية ولكنها كباقى المبانى والمواقع التاريخية تأثرت بالحرب الأهلية وخاصة تلك المعروفة بـ”حرب الأشهر الأربعة” والتي دارت رحاها فى بداية تسعينيات القرن المنصرم بين جناحي جبهة المؤتمر الصومالي الموحدUSC، جناح الجنرال الراحل محمد فارح عيديد و جناح الرئيس الصومالي الموقت- حينها- على مهدي محمد، وبعد انتهاء تلك الحرب التي استمرت اربعة أشهر كانت هذه المنطقة ضمن المناطق التي يمر بها الخط الأخضر والذي أقره الأمين العام للأمم المتحدة جيمس جونا فى آذار/ مارس من عام1993م وتم بموجبه تقسيم مقديشو الى شمال وجنوب، وفى اطار جهود بلدية مقديشو الرامية الى إحياء المعالم الحضارية للمدينة تم ترميم هذه الساحة، فاصبحت وجهة يؤم اليها مئات من الشبان والشابات والأطفال والسيدات والعوائل رغبة فى الترويح للنفس والترفيه، والتقاط الصور التذكارية مع الأهل والاصدقاء والأحباب، كما يؤم اليها مئات آخرون بغرض مشاهدة الرقصات والفنون الشعبية المقامة هناك مساء كل الجمعة.
ومعظم الرقصات والفنون الشعبية الصومالية المعروضة هنا موغلة فى القدم ولها انواع تختلف باختلاف المناطق، وهذه التي يعرضها غالبا شبان وشبات من اقليم بنادر والأقاليم المجاورة له معروفة ب “شرب” ويطلقون علها ب”عويس”-والعويس عبارة عن الرقصات الشعبية يؤديها شبان وشابات فى العشيات فى القرى والأرياف – حسب ما افادنى احد الشباب المشاركيين فى الرقصات الشعبية المقامة أمام ساحة الجندي المجهول يوم أمس الجمعة، وتحمل هذه الرقصات العائدة دلالات تستحق الوقوف عندها.
اولا: دلالات الأمن والاستقرار: الرقصات والألعاب التقليدية والفنون الشعبية مرتبطة بارتباط وثيق بمواسم الأفراح والرخاء ومواسم الحصاد عند القرويين والمزارعين، وهذه العلاقة التفاعلية تحدث عنها الفيلسوف الأديب والشاعر الصومالي الكبير محمد ابرهيم ورسمى(هدراوى) فى أغنيته الشهيرة “بلدوين” والتي لحنها الملحن عبد الكريم قاري (الكوجير) وغناها المطرب والفنان حسن آدم سمتر.
ولولا الأمن والإستقرار لما تجمع هذه الأعداد الكبيرة فى ساحة الجندي المجهول قبيل الغروب فى كل مساء الجمعة، صحيح انك تشاهد بعض أفراد الشرطة أثناء وجودك فى الساحة، لكن مجرد تجاسر الشعب التجمهر على هذا النحو، والإطمئنان وعدم الخوف فى محياهم لهو خير دليل على ان الوضع الأمني فى البلاد آخذ فى التحسن يوما بعد يوم، وان مظاهر العنف وعدم الإستقرار آخذة فى الإختفاء بل وفى طريقها الى الزوال.
ثانيا: عودة مظاهر الحياة الطبيعية،والتي منها الاندماج الإجتماعي، والاتجاه نحو المصالحة والوئام الوطني، الذي يحل محل العصبية والقبلية والتشرذم، يمكنك رؤية مئات من الفتيان والفتيات فى مقتبل العمر يأتون من أحياء مختلفة ومناطق متفرقة من اقليم بنادر لمشاهدة تلك الفنون الشعبية، وهذا بدوره يساعد على نشر ثقافة السلام ونبذ العنف والاقتتال القبلي الذي دمر الشعب وأعاق عودة المياه الى مجاريها الطبيعية.
ثالثا: افتقارها الى نوع من التنظيم والتوجيه من قبل السلطات المحلية وخاصة ادارة اقليم بنادر وبلدية مقديشو، تكوين فرق الفنون الشعبية واحتضانها وتمويلها ورعايتها وتوجيهها بما لايتعارض مع الأخلاق والتقاليد العريقة مطلب شعبي وجماهيري قبل ان يكون مطلب وطني، فالجهات المسؤولة -وزارة التعليم العالي والثقافة ووزارة الإعلام والارشاد القومي والأكاديمية الوطنية للفنون والاآداب- مطلوبة بلعب دورها فى التنمية الثقافية والمشاركة فى إحياء مظاهر الحياة الطبيعية فى البلاد وخاصة فى العاصمة مقديشو التي هي الوجه الحضاري المشرق للبلاد.