ما الجدوى من الإبداع في ظل الحالة المزرية التي تتخبط فيها بلادنا منذ عقود؟ وما هي الحاجة للتفكير بالمستقبل ونحن لا نملك التخطيط للحاضر؟! ثم ماذا نستفيد من محاولات الإبداع تلك والحال كما نعرف من الانحدار والهبوط؟
تلك ليست تساؤلات عابرة يطلقها بعض العامة، أو يتحدث بها بعض مرتادي المقاهي والمنتديات العامة، بل هو خطاب سلبي تعتمده بعض الشخصيات المثقفة والمفكرة في مجتمعنا الصومالي، بدلا من ابتكار الحلول المنطقية لمواجهة الأزمة الحالية التي ما زلنا نتجرع مرارتها إلى اليوم، وهذه الرسائل السلبية غالبا ما تكون متزامنة مع حدث إيجابي ما يقوم به بعض الأفراد أو المؤسسات في سبيل سعيهم لتقديم ما لديهم من حلول عملية لإحدى جوانب الأزمة الصومالية، وعادة ما يكون السبب عدم استعداد المنطقة لتقبّل هذا الجديد، وخلوّ الساحة من مؤمنين بتلك الفكرة، أو لغياب الدعم المطلوب.
بينما يؤمن بعض الناس بجدوى المبادرة والانطلاق نحو الآفاق وفق استراتيجية مرسومة بدقة وخطوات مدروسة، وتسخير العوامل الداخلية والخارجية من أجل تحقيق النجاح في مجال من المجالات، وهو ما يستحقون عليه التشجيع والدعم المعنوي نظرا للهمة التي تدفعهم إلى ذلك، هناك من يمارس التثبيط وليّ الذراع بقصد أو بغير قصد، ويبدوا أننا كمجتمع بدوي ربما لا يراعي الجهود الفردية لا نعي أهمية التشجيع في خروج بلادنا من الجوّ القاتم والنفق الذي تعيش فيه منذ مدّة، ولعل القلة القليلة من المبدعين الذين تسوّل لهم أنفسهم المبادرة بعمل إبداعي ما لعمل الخير يبتلعون ما لديهم تحت الضغوط الغير مباشرة من قبل المجتمع.
في القطاع التعليمي مثلا لاحظ الجميع كيف حقق الصوماليون نجاحا باهرا إبان الحرب الأهلية وسط استغراب الكثير ممن لم يستوعبوا إمكانية ذلك في ظل الظروف الاستثناءية التي كانت تمرّ بها البلاد آنذاك، مع ذلك لم يتوقف (المغامرون) من محاولات تحقيق تطلعاتهم إلى أن صارت الصومال اليوم تنافس العالم، فيما حقق التعليم العالي في نفس الفترة أيضا أرقاما عالية في الإحصائيات العالمية، وتبقى العبرة في إمكانية تحقيق النجاح رغم الظروف المعاكسة عند توفر العوامل الداخلية الإيجابية بشكل خاص.
(كل رجل عظيم أصبح عظيما، وكل رجل ناجح أصبح ناجحا عندما وضع كل قدراته وتركيزه على هدف إيجابي محدد) هذه العبارة لأحد الحكماء تحكي الواقع الصومالي الذي –رغم كثرة مشاكله- حقق قدرا من التقدم في مجالات قليلة بسواعد أبنائها ممن لم يتهيّبوا المخاطر، ولم يهتموا بالأصوات المثبّطة، بل صمّموا وفي النهاية بلغوا مرادهم وحققوا النجاح.
في هذا السياق تروى حكاية جميلة مفادها أنه كانت هناك مجموعة من الضفادع قررت القيام بسباق تحدّي للوصول إلى قمة برج، وسط حشد كبير من الضفادع تهتف بالأصوات المثبطة للعزيمة، وكانت الأصوات تتعالى: مستحيل، لا يمكن الوصول، والجميع يركض ويركض، وفي الطريق بدأ البعض يتساقط حتى لم يبق سوى القلة المتحمسة والنشيطة التي لم تأبه لتلك الأصوات، وفي النهاية بقي ضفدع واحد يركض وسط استغراب الجميع، حتى وصل للقمة، واحتشد الجميع حوله ليعرفوا سرّ صمود هذا الضفدع، فإذا بالضفدع أصمّ لم يسمع الأصوات طيلة السباق، والعبرة في القصة أن المثبطين غالبا لن يكلّوا عن العمل ما لم يستطع العازمون تجاهل أصواتهم والسير بعزم وإصرار وبخطى مدروسة نحو أهدافهم.
قد يقول أحدهم أنني أدعوا إلى الفوضى واستباق الأمور قبل أوانها، وأنه لا داعي للقفز إلى الأمام دون تأني، وأنا أقول: نعم لا للفوضى، ولكن يقال (الحركة ولود والسكون عاقر) ودروس الحياة تؤيد هذا، فإحدى أهم أسباب النجاح أن تعرف إمكانياتك وتدرس احتمالات نجاحها في البيئة التي تعمل فيها، ثم تقرر الانطلاق، ما لم تكن مبادرتك تفضي إلى نتيجة سلبية.
أخيرا أذكّر أصحاب النية الحسنة بالحذر من الأفكار السلبية، فتكرار الألفاظ السلبية يجعل من الشخص سلبيا في كل أموره، يترصد الجانب السيء من أعمال الناس مثل الذبابة التي تقع على جرح الإنسان، وبدلا من ذلك على المرء أن يعمل ويثمر حسب ما يراه صوابا، ويضيف ما لديه من رؤى وأفكار إيجابية لتجارب المبدعين، ولا أرى أن من الضروري الربط بين النصيحة والأفكار السلبية، فالنصيحة عمل إيجابي يترافق مع الحرص على نجاح الإنسان وتقديم البدائل المناسبة، بينما السلبية تشبه قطع الطريق على العمل الإبداعي الجادّ.