التعليم في فترة الحروب الأهلية والفوضى(1990-2000م)
اندلع الحرب الأهلي في الصومال بصفة شاملة وبدأ في العاصمة مقديشو صبيحة يوم الأحد 30\12\1990م وأدى إلى انهيار الحكومة في أقل من شهر ، فدخلت البلاد في فوضى عارمة أكلت الأخضر واليابس ؛نهبت فيها ودمّرت كل المؤسسات الحكومية التي كانت تخدم المجتمع ، ولم تسلم المؤسسات التربوية من هجمات عصابات الإجرام ،فكسرت أبواب المدارس والنوافذ ، ومزقت الشهادات والوثائق ، ثمّ تحولت المدارس ومراكز الادارات التربوية إلى ملاجئ للنازحين ومساكن للفقراء ، وهاجر المديرون والمعلمون من ضمن الشعب إلى المناطق الآمنة داخل البلد وخارجه . فلم يشهد هذا العام – أي عام 1991م- إدارة تربوية عاملة ولا مدرسة مفتوحة، لأن الأجواء السائدة لم تكن مهيأة لذلك.
بداية استئناف التعليم النظامي في الصومال:
وفي منتصف عام 1992م تقدم الأستاذ عثمان حاج مصطفى{1} بمبادرة كريمة دعا أصحاب المؤسسات التعليمية غير الحكومية (الأهلية) المسجلة لدى وزارة التربية والتعليم إلى إعادة فتح مدارسهم ملكفا نفسه السعي من أجل جلب الأموال الضرورية لترميم المباني المدرسية أو استئجار مباني تناسب العمل التربوي لفترة عام دراسي واحد من المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بالتعليم.
وقد لقيت هذه الفكرة قبولا كبيرا من قبل التربويين فبادروا بفتح أبواب مدارسهم من جديد بعد أن رأو أن البلد دخل مرحلة جديدة من الفوضى ، وأنه يمكن ان تطول هذه الفترة لأن الحرب الأهلي بدأ يأخذ لونا جديدا يوما بعد يوم، وظهر للناس أنه ليست هناك بوادر انفراج للأزمة ،لأن زعماء الحرب ومن وراءهم من دول الجوار لا يريدون حلا لهذه الأزمة، ولكن اعتبر بعضأولياء الأمور تلك الخطوة( استئناف التعليم في ظل الفوضى) نوعا من العبث والمخاطرة، في حين استحسنها آخرون وبادروا بتشجيعها .
وفي اجتماعات أصحاب المدارس الأهلية في مقر هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بمقديشو اتفقوا على الأمور التالية :-{2}
– المنهج: أن يستفاد من مواضع القوة في منهج المدارس الجكومية ويؤخذ الباقي من مناهج الدول العربية الشقيقة بحسب توفرها في البلد. وكان منهج المملكة العربية السعودية الأكثر توفرا في البلاد.
– السلم التعليمي : تمّ الاتفاق على أن تكون المرحلة الابتدائية 6 سنوات ، والمرحلة الاعدادية 3 سنوات، المرحلة الثانوية 3 سنوات.
-أيام العمل : اتفقوا على أن تكون خمسة أيام تبدأ من يوم السبت وتنتهي بالأربعاء.
وبدأت المدارس أعمالها بفتح المرحلة الابتدائية كخطوة اولى لقلة عدد المعلمين القادرين على تدريس المراحل الثلاث، وضيق المباني المستأجرة وعدم اتساعهل للمراحل كلها، وكذلك قلة الامكانات المادية والخبرات الإدارية.{3}
وعمّت هذه المدارس مقديشو وبقية المحافظات في البلاد بعد أن اطمأن أولياء الأمور إلى جديّة الإدارات التربوية وتفاني المعلمين في خدمة بلدهم وتعليم وتربية أبنائهم ، و كذلك انقطاع أملهم عن انتهاء الحروب. وكثرت المدارس الابتدائية في البلاد بعدما دخلت منظمات الإغاثة الدولية والإقليمية لمساعدة متضرري المجاعة التي ضربت مناطق واسعة من جنوب الصومال ووسطه عام 1992م ، وذلك بعدما بدات هذه المنظمات بما يسمى برنامج (الغذاء مقابل العمل) ( Food for work ) لتشجيع المعلمين على تعليم الأطفال مقابل مواد غذائية تعطى لهم، وكذلك توزيع الطعام لتلاميذ في تلك المدارس ، إلا أن هذا المشروع أثر سلبا على جودة التعليم ، فدخل في مجال التربية والتعليم من ليس مؤهلا لها ، بل كان دافعه الرئيس الحصول على المساعدات الغذائية ، ففتحوا مدارس كثيرة في مراكز توزيع المواد الغذائية بالرغم من عدم ملائمتها من حيث المساحة وعدم أهلية إدارة المراكز لإدارة مدرسة ،وانتشر هذا النوع من المدارس في مقديشو والمناطق المجاورة لها ، إلا أنها اختفت وتوقف نشاطها بعد خروج القوات الدولية المتعددة الأجناس ، وتبعتها معظم منظمات الإغاثة الدولية .{4}
وفي عام 1994 افتتحت بعض المدارس الثانوية في البلاد ، وتواصل فتح المدارس الثانوية في مقديشو والمحافظات الأخرى نتيجة للنجاح الذي حصل في المراحل الأساسية ، وكانت بعض الجمعيات الخيرية تموّل هذه المدارس . إلا أن هذه الجهود المضنية والمثمرة واجهتها جملة من المشكلات والعقبات و،اصبحت عقبة أمام سير عمل الإدارات الفتية ، ومنها :{5}
– غياب عنصر التخطيط التربوي في اختيار موقع المدرسة الثانوية بحيث توجد مدرستان ثانويتان في حي (مربع) واحد بينما تفتقر الأحياء الأخرى إلى مدرسة مماثلة.
– فقدان الشهادة الثانوية الصومالية القديمة مصداقيتها لدى العالم الخارجي بسبب الانقطاع ىالدراسي الطويل ، وعدم حصول معادلة للشهادة الثانوية الجديدة.
– ظهور اختلاف في المنهج وفي مستوى التحصيل للمدارس الثانوية الثانوية الناشئة .
فكان لا بدّ من إيجاد حلول لهذه المشكلات ، حتى لا تتعثر الجهود المبذولة لإعادة التعليم في الصومال إلى سابق عهده ، وتطويره حتى يتماشى مع متغيرات العصر، وهذا ما سبب في تكوين الروابط التعليمية لمحاولة حل هذه المشكلات .
و بهذا استمرت المدارس الأهلية تصمد أمام الحروب الأهلية وتنتشر تدريجيا في أنحاء البلاد، بجهود محلية ودعم من قبل الهيئات الخيرية الإسلامية ، فكانت المدارس تتوقف فترات لأجل الحروب ، وتعاود أداء دورها إذا هدأت الأمور و وجدت الفرصة سانحة لإعادة الحياة التعليمية إلى المنطقة، وبهذا الصمود والتضحيات الجمة التي بذلها التربويون وقيادات المجتمع انتشر التعليم الأهلي في معظم الوطن ، ولكن بدون تنسيق وإدارة موحدة حتى ظهرت الإدارات التعليمية في المناطق المستقرة وكذلك الروابط التعليمية .
__المراجع____________________________________________
– مدير سابق لمدرسة البرّ الأهلية التي كانت إحدى المدارس الأهلية السبعة المسجلة من قبل وزارة التربية والتعليم بموجب قانون صدر في عام 1986م ، ومساهم في تأسيس عدد من المؤسسات التربوية والتعليمية في البلاد.
2- أحمد عبد الله الشيخ محمد: الإدارة التربوية للمدارس الثانوية الصومالية الواقع والطموح، رسالة الماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة إفريقيا العالمية، 2004م