1. المناطق الصومالية الأخرى:
(أ) الصومال الفرنسي:
كانت فرنسا من الدول الكبرى التى تسعى إلى إثبات قوتها عن طريق التوسع والاستعمار ومنافسة الدول الأوربية الأخرى إلا أن بريطانيا كانت قد سبقتها إلى منطقة عدن والبحر الأحمر، مما جعل السفن الفرنسية التي تتزود من عدن تحت رحمة بريطانيا. وكانت فرنسا تعرف: أن هذا الأمر لا يتناسب مع مكانتها، علما بأن بريطانيا عدوها الخفي والمنافس لها قد يرفض فى يوم ما تزويد سفنها، وهذا ما حدث فعلا فيما بعد.
وتحقيقا لهدفها الذى كان يتمثل إيجاد موضع قدم لها فى سواحل البحر الأحمر من جانب إفريقيا، فقد أرسلت فرنسا بعثات كثيرة لإكتشاف واستطلاع هذه المناطق. وأهم هذه البعثات من حيث تحقيق الهدف: البعثة التى كان يقودها العالم الفرنسي (روشييه ديريكور) والذى خرج على رأس بعثة علمية تقوم برحلة إلى خليح تاجورة ومنها إلى إقليم شوا ومن ثم قدّم تقريرا شاملا عن مدى استفادة فرنسا من هذه المناطق. وقد قدم هذا العالم تقريرا شاملا، كما أعطى فرنسا نصائح مهمة حول سبل استفادتها من المنطقة التى زارها. وكان منها: نشر الحضارة الفرنسية فى شرق إفريقيا، واستفادة فرنسا من هذه المناطق عن طريق التجارة وخاصة أن هناك أسواق استهلاكية كثيرة فيها.
حفظت فرنسا هذه التوصيات فى انتظار فرصة سانحة لتنفيذ هدفها ومشروعها. ولقد حدث ماكانت تتوقعه فرنسا من رفض بريطانيا تموين السفن الفرنسية بالفحم من عدن، مما أدى إلى سعي القنصل الفرنسي فى عدن (المسيو هنرى لامبرات) إلى إيجاد منطقة فى سواحل البحر الأحمر بما يسمح لفرنسا الخروج من أيدى البريطانيين، فحصل على معاهدة مع السلطان أبى بكر إبراهيم سلطان إمارة (ميابو) الواقعة شمال خليج تاجورة. إلا أن هذا القنصل غرق فى البحر بعد فوزه بهذه الغنيمة، وذلك عندما اصطدمت سفينته بصخرة كبيرة فى البحر بالقرب من جزيرة موسى فى 04/06/1895م .
استفادت فرنسا من هذا الحادث وجعلته ذريعة لتنفيذ خطتها، فتحركت بعض سفنها وضربت حصارا حول زيلغ، ثم ألقت القبض على سلطانها “على شرمأركي” وبعض أتباعه وذهبت بهم. كما اصطحبت السلطان ” الدينى أحمد أبوبكر” من تاجورة بالقوة وتحت التهديد، ويقال أن السلطان شرمأركى وأصحابه ماتوا ولم يرجع أحد منهم. أما السلطان الدينى أحمد فقد ادعت فرنسا أنه تنازل للإمبراطور نابليون الثالث عن ميناء أوبخ وما حولها مقابل خمسين ألف ريال وذلك فى 11 مارس 1862م.
الإحتلال الفعلي:
ويما أن هذه المنطقة فقيرة لم تقم فرنسا باحتلالها عسكريا بل أهملتها، ولكن بعد فتح قناة السويس ثم احتلال بريطانيا لمصر وتوسع إيطاليا فى سواحل البحر الأحمر الغربي، رأت أن الضرورة تتطلب منها الإستيلاء على تاجورة، وأبوك، فأخذت السلطة الفرنسية تقيم العلاقات التجارية مع مشايخ الأقاليم الداخلية، وتمكن “لاجارد) القائد الفرنسي من عقد معاهدة مع سلطان تاجورة فى 21 سبتمبر 1884، وتنازل السلطان عن بلاده لفرنسا، كما أخذ (لاجارد) ينشط فى ربط الصوماليين بمعاهدات على غرار المعاهدة مع سلاطين المنطقة، فعقد فى: 26 مارس 1885 مع زعماء العيسى معاهدة تضمنت تسليم بلادهم لفرنسا لحمايتها من الأجانب وألا يوقعوا أو يبرموا أية اتفاقية مع أية دولة دون علم الحاكم الفرنسي. واتخذت فرنسا ميناء “أبوك” نقطة انطلاق توسعية لها فى إقليم الصومال، وحولته إلى محطة تموين سفنها العابرة للمحيطات.
وبذلك رفرف العلم الفرنسي فى 19-6-1892م على هذا الجزء من الوطن الصومالي. ثم أخذت فرنسا توسع دائرة المنطقة التى احتلتها.
أما بريطانيا فقد كانت تراقب ما تفعل فرنسا عن كثب، وخشيت من تحركات فرنسا ولم تشأ استخدام القواة ضد فرنسا ولم تتمكن من ممارسة المناورات السياسية لأن هذه المناطق من أملاك الدولة العثمانية، ومصر التى احتلتها هي كانت من ضمن الأملاك العثمانية أيضا ، لذا أعلنت قبولها لمبدأ ملكية فرنسا لأبوك.
وفى عام 1896م صدر مرسوم فرنسي بوضع هذه الماطق التى استولت عليها تحت إدارة واحدة عرفت باسم “الصومال الفرنسي” واتخذت من جيبوتى مقرا للحاكم الفرنسي، وصار الفرنسيون بحكم تواجدهم فى هذه المستعمرة يتحكمون فى المضيق المؤدى إلى البحر الأحمر من الجانب الإفريقي.
(ب) منطقة أنفدى (الصومال الكينى):
اختلفت تقديرات مساحة منطقة الحدود الشمالية، ما بين : 50ألف ميل مربع، و102 ميل مربع، كما جاء فى التقرير السنوي لمكتب المستعمرات لعام 1930 إن مساحتها تبلغ 95 ألف ميل مربع ويطغى العنصر الصومالي على هذه المنطقة بصفة واضحة.
لقد كانت منطقة أنفدى تابعة اسميا لسلطان زنجبار مثل المناطق الصومالية الأخرى، وعندما أعلنت بريطانيا الحماية على زنجبار 1890م أصبح الساحل الصومالي عموما بطريقة غير مباشر خاضعا لنفوذ بريطانيا، وبعد خمس سنوات جعلت المنطقة خاضعة لها مباشرة، بعد أن خشيت من ازدياد النفوذ الألمانى وامتداده إلى أنفدى.
ورغم المقاومة الشعبية والكفاح الوطني ضد الاستعمار والتى كان يقودها أبناء المنطقة مثل الشيخ عبدالرحمن مرسل إلاأن بريطانيا قد عزلت هذه المنطقة عن بقية الوطن الصومالي تفعل بها ماتشاء، وفى عام 1924م قدمته مكافأة لإيطاليا على اشتراكها فى الحرب العالمية الأولى.
وبعد الحرب العالمية الثانية وبسبب هزيمة إيطاليا أصبحت المنطقة مثل المناطق الصومالية تحت سيطرة بريطانيا مباشرة، وبقيت تحت الإستعمار أثناء مولد الجمهورية الصومالية المستقلة، ثم منحته بريطانيا لكينيا وأصبح جزء لا يتجزأ عن كينيا.*
(ج) الصومال الغربي:
تشابه منطقة (الصومال الغربي) مع المناطق الصومالية الأخرى من حيث طبيعتها الجغرافية، أما سكانها فيمارس أكثرهم الرعي، وإن كان هناك من يمارس الزراعة وخاصة سكان وادى شبيلى ، ونهر جوبا.
عندما بدأ التنافس الأوربي على شرق إفريقيا ظهرت إثيوبيا كمنافس إفريقي أيضا تتطلع إلى مزيد من الأراضي مستفيدة من الصراعات بين الدول والأوربية ، وساعدتها بريطانيا على توسعها نحو الأراضى الصومالية، فهذا منليك*، إمبراطور إثيوبيا الذى احتل مدينة هرر عام 1887م بمساعدة بريطانيا وبعلمها، وهرر من المدن الهامة من الإقليم الصومالي الخاضع لإثيوبيا.
وفي عام 1891م وفي خلال فترة المناورات الأوربية تجاه الحبشة وإمداد منليك بالسلاح الحديث كانت الحبشة قد بعثت جماعة من الأحباش للقيام بغارات على الأراضي الصومالية “الأوجادين”، فقام الغزاة بسلب متاع السكان وحيواناتهم. وقداستمرت غزوات الأحباش على الأراضى الصومالية وبعلم الدول الأوربية رغم الإتفاقيات المتعددة حول تقاسم الأرض.
وفى عام 1897م خشيت بريطانيا من أن يحدث تقارب بين منليك وفرنسا ولذلك سعت إلى التقرب من منليك بأية وسيلة قبل أن يمتد نفوذ الفرنسيين بالتعاون مع منليك إلى أعالي النيل، كما أرسلت بعثة بريطانية إلى منليك برئاسة (دنيل رود) لإجراء مفاوضات حول الأرلااضي الصومالية، حيث تنازلت عن الأراضي الصومالية للحبشة مقال امتناع منليك عن مساعدة الفرنسيين.
ثم جاء الغزو الإيطالي للحبشة وتقدمت القوات الإيطالية 1934م واحتلت الإقليم، وبعد عامين أعلن موسولينى انتهاء الحرب مع إثيوبيا وإدماج إقليم أوجادين فى الصومال الإيطالي. وبعد طرد إيطاليا من الصومال والحبشة عام1941م وعودة الإمبراطور هيلاسلاسى إلى حكم إثيوبيا فى يناير 1942م ظل الإقليم تحت الإدارة البريطانية. واستمر على ذلك حتى عام 1948م حين تنازلت بريطانيا عن مسؤولية الإشراف عليه لإثيوبيا.
وكان سبب التنازل هو عدم فوز بريطانيا بأطماعها على أن تكون الدولة الوصية على الصومال.
وتجدر الإشارة إلى بعض النقاط:
أولها: أن التنازل عن هذه الأراضي حدث مرتين وفى الحالتين كانت بريطانيا هي التى تتنازل كما كانت الحبشة هي التى تُتنازل لها مع اختلاف أهداف التنازل فى كل مرة، تنازلت بريطانيا أولا لصرف إمبراطور الحبشة عن مساعدة الدول الأخرى وخاصة فرنسا عدو بريطانيا اللدود فى مجال الإستعمار، وفى المرة الثانية كانت بريطانيا قد تنازلت اننقاما للشعب الصومالبي الذي رفض أن يكون تحت وصايتها.
وثانيا: أن الحبشة كانت تتدعى أن الإقليم هو جزرء لا يتجزأ من وطنها الأم سابقا ولاحقا. فإذا كانت ادعاء اتها صحيحة فلماذا سكتت عند ما كان الإقليم تحت سيادة بريطانيا قبل التنازل الأول، وأيضا بعد عودة “هيلاسلاسى”* إلى الحكم عاد وبدأ يباشر حكمه وتسلم إمبراطوريته بكاملها باستثناء الإقليم الصومالي الذى أصبح تحت سيادة بريطانيا، ويعنى هذا أن الإقليم مختلف عن بقية إثيوبيا مما يتناقض مع ادعاء اتها فى الإقليم.