لقد شهد الصومال في السنوات الأخيرة اقبالا واسعا على الاستثمار في القطاع التعليمي، وتوسعا في تأسيس المؤسسات التعليمية، وانشاء المدارس والجامعات، في ظل غياب تام لهيئات وطنية قوية قادرة على مراقبة اسس ومنطلقات تلك المؤسسات الخاصة، والاشراف على اعمالها وبما يتوافق مع رؤية الدولة في مجال التنمية.
لقد اصبح بامكان كل شخص أو مؤسسة سواءا كانت محلية أو خارجية ان تقوم بتأسيس مدارس او جامعات في البلاد أو رعايتها دون ان تعير اي إهتمام للسياسات التعليمية في البلاد، وألأسس العامة التي تقوم عليها التعليم، ودون أن يتم تقييم قدراتها وكفائاتها المالية والعلمية قبل شروعها قي ممارسة مهنتة التعليم الذي اصبح اليوم أداة مثلى للإستثمار في رأس المال البشري ومعيارا لمدى معرقة قوة أوضعف الدول والشعوب.
لا يخمارنا ادنى ريب أن للتوسع الذي يشهده الصومال في انشاء المدارس والجامعات والاقبال الكبير على الاستثمار في قطاع التعليم جوانب ايجابية لا تخطؤها العين، ومسهمات كبيرة في تغيير وعي المجتمع الصومالي ولاسيما فئىة الشباب التي اصبحث في السنوات الأخيرة عرضة للوقوع في ايدي الجماعات المسلحة، وتوجيههم نحو التعليم والتفاني في الحصول على المؤهلات العلمية.
لعبت المؤسسات التعليمة الأهلية دورا لا يستهان به في تراجع حدة الفوضى العارمة التي كانت سائدة في الصومال خلال العقدين الماضيين من خلال استقطاب الشباب الذين كانوا وقودا وخطبا لتلك الفتن والحروب، وفي فتح افاق رحبة لرجال الأعمال والمستثمرين في الحرب والمستفيدين منها وتشجيعهم على الكف عن تأجيج الصراعات والحروب وتوجيه قدراتهم وطاقاتهم نحو مجالات تدر لهم الأموال وتحقق لهم في الوقت ذاته السمعة الطبية داخل المجتمع.
وبالتالي قرر كثير من رجال الأعمال الصومالين سواء كانوا داخل البلاد أو خارجه توجيه أموالهم ورأسمالهم نحو الاستمار في القطاع الإجتماعي بدلا من تبديدها في تسليخ العشائر، وهدر طاقات الجيل الناشئة بما لاطائل فيه، واتخاذهم أدأة سهلة نحو سلطة زائفة.
ولقد شكل هذا التغير الإيجابي الذي طرأ في وعي رجال الاعمال وأهل الدثور في الأعوام القليلة الماضية نقطة تحول مهمة في تغير قراءة شرائحة كبيرة من المجتمع للمشهد السياسي والاجتماعي في البلاد، وصارت اليوم لا تهتم سوى التنافس في التحصيل العلمي كوسيلة نحو التألق والنجاح.
لكن رغم كل تلك الإيجابات فالنظام التعليمي الحالي في الصومال هش ولا يبشر ب بالخير، وقابلية للاستمرار وتحقيق النجاح في محل شك ما لم تتوفر مراجعة شاملة للوضع التعليمي بمختلف مستوياته، والتفكير في تقييم سياسات وبرا مج المؤسسات والأفراد العاملة في قطاع التعليم بهدف تحقيق الجودة، وتحسن مخارج التعليم.
فالوضع لحالي للتعليم ان دل على شيئ يدل على انه خرج من مرحلة لا شيئ الي مرحلة الفوضى التي يختلط فيها الحابل بالنابل ، ويصعب تميز الغث من السمين وسط تنافس حاد على العدد ، والاهتمام بتحقيق الربح على حساب الكمية والجودة، واللجوء الي مؤسسات أجنبية غير مشهودة بالكفاءة والنزاهة أو مؤسسات تبحث عن موطء قدم في النظام التعليمي في الصومال للتأثير على وعي وتفكير الاجيال الناشية خدمة لمصالح بلادها، مستغلة من غياب الآليات الوطنية المنوطة بغربلة المؤسسات الأجنبية والكشف عن اهدافها الخفية وخصوصا المؤسسات العالمة في المجالات التي تمس الأمن القومي الوطني، وتأثر على مستقبل الأمة ومصير البلاد .
وعلى هذا الأساس بات اليوم اطلاق رؤية تعليمية وطنية يشارك في وضعها الجميع، واجب وطني، وضرورة ملحة لضمان الانتقال من مرحلة الفوضى التعليمية الي مرحلة الاستقرار ، وضبط جودة التعليم بغية الارتقاء الي مستوى طموحات الشعب، ومتطلبات الوطن ومواكبة التغيرات الكبيرة التي تفرزها العولمة، والظفرة التعليمة التي يشهدها العالم ، ومن اجل استعادة مكانة الصومال في المجال العلمي التي وصلت الي المستوى الخضيض جراء الحرب الأهلية التي اندلعت عقب سقوط نظام سياد بري عام ١٩٩١ والتي أت على كل مقدرات ومدخرات الوطن ،بل وهويته وقيميه وموروثاته.
كانت الصومال قبل الحرب الأهلية واحدة من اكثر البلدان في شرق افريقيا تطورا في مجال التعليم، وذلك بفضل النظام التعليمي الصارم الذي كان ينتهجه نظام سياد بري، والإهتمام الكبير الذي كانت توليه الحكومة في بناء وتطوير قطاع البحث العلمي، بالاضافة الي الدعم الذي كانت تقدمه الدول العربية الشقية للشعب الصومالي وخصوصا في مجالي التعليم والثقافة، حيث ظلت الجامعة الوطنية التي كانت تخرج كل عام حوالي ٦٣٠ طالب وطالبة بحسب احصائية عام ١٩٨٨ قلعة العلم والمعرفة في الصومال والقرن الافريقي ، ومفخرة لابنائها وانجالها.
انطلاقا من رؤية الحكومة لعام ٢٠١٦ لا بد من اطلاق رؤية شاملة لضمان جودة التعليم في الصومال تتركز على انهاء مظاهر الفوضى والإنفلات الإداري في المؤسسات التعليمية، وتهدف بالمقام الأول الي بناء نشء وطني مبدع وجيل واع بالمخاطر التي تحدق بالبلاد ، و قادر على المساهمة الإيجابية في بناء الوطن الذي نعتز به، وانسان صالح يتحلى بالقيم الاسلامية السمحة البعيدة عن افكار التطرف الهدامة.