حين تدوي أصوات أبواق سيارات تكون قافلة شاحنات في طريقها مُسرعة الى سوق محلية في العاصمة الصومالية مقديشو، وما ان تتوقف إحداها حتى يهرع حمالون لتفريغ حمولتها من الأكياس البيضاء المعبأة بأوراق نبات القات.
وينعش الوصول اليومي لتلك الشاحنات الأسواق حيث تهرع التاجرات الإناث للأكياس المليئة بسيقان وأوراق القات الذي يتراجع مفعوله المنشط في غضون أيام قليلة من قطفه.
ويستغل باعة جائلون حالة انتعاش السوق في مسعى لبيع بضاعتهم من المشروبات الغازية والسجائر.
والقات عبارة عن شجيرة مخدرة تمضغ في منطقة القرن الافريقي واليمن في تقليد يعود لقرون مضت، وتعرف عملية مضغ القات بالتخزين.
وتنقل اطنان من القات الذي ينمو في مزارع بالمناطق المرتفعة في كينيا واثيوبيا الى مطار مقديشو يوميا لتوزع من هناك في قوافل من الشاحنات على الأسواق في أنحاء الصومال، ويطلق من يتعاطون القات عليه وصف “زهرة الفردوس”.
ومنعت بريطانيا التي كان أبناء الجالية الصومالية الكبيرة بها يحققون أرباحا طائلة من الطلب المتزايد على القات دخول هذا النبات من يوليو/تموز واعتبرته مخدرا غير مشروع.
وسبب ذلك هزة في سوق القات ووفرة في الإمدادات في الصومال وبالتالي هبوطا كبيرا في أسعاره ليسعد من يقبلون على تعاطيه.
فعلى سبيل المثال انخفض سعر القات الشعبي الرخيص لاري في الصومال بمعدل النصف ليصبح سعر الكيلوغرام نحو عشرة دولارات أميركية منذ حظرت بريطانيا القات.
وتراجع سعر القات المميز أو قات لندن الى نحو 18 دولارا من 30 دولارا قبل المنع.
وأوضح تاجر قات يدعى عبدالرحمن يوسف ان تجارته انتعشت بعد الحظر البريطاني على القات.
وقال عبدالرحمن يوسف “القات رخيص جدا في الوقت الراهن وهذا أفضل لنا الآن. فيما مضى كنت أحصل على نحو عشرة دولارات أرباح يومية وأحيانا أقل. في أحيان كثيرة كنت لا أبيع أي شيء وأخسر. والآن منذ هبوط سعره وأنا أشتري حزمتين وأبيعهما قبل حلول الظلام. أرباحي حاليا عشرون دولارا أو أكثر”.
وأصبح مشهد رؤية شبان يعلقون بنادق في أكتافهم ويمضغون أوراق القات الخضراء بمثابة رمز للصومال في العقود الأخيرة حيث كوَن متشددون اسلاميون وأمراء الحرب ثروات طائلة ونشروا ثقافة السلاح والعنف.
وقبل أن تحظر بريطانيا القات الشهر المنصرم لم يكن في وسع مساعد بناء صومالي يدعى محمد خليف (27 عاما) قادرا على تعاطي القات سوى مرة واحدة في الأسبوع.
وقال محمد خليف المقيم في مقديشو “أنا مساعد بناء. أربح نحو عشرة دولارات في اليوم. معتاد على أن أُخزن (أمضغ القات) مرة أسبوعيا لأن ربع القات كان بنحو ستة دولارات. لكنه أصبح بنحو دولار واحد هذه الأيام. أصبحت الآن أُخزن يوميا، مشكلاتي كثيرة وبوسعي شراء بعض القات لأصدقائي”.
وأثار قرار بريطانيا فرض حظر على نبات القات واعتباره مخدرا من الدرجة الثالثة غير قانوني جدلا ساخنا حيث قال منتقدوه انه سيخلق سوقا سوداء سرية مربحة وسيصرف المهاجرين الشبان عنه وربما يقودهم الى الجريمة أو التطرف الاسلامي.
ويجادل مؤيدو قرار الحظر بأنه سيسهم في منع بريطانيا من ان تصبح مركزا لتجارة القات الممنوعة بالفعل في الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية.
وذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية في عام 2006 ان القات يمكن ان يرفع ضغط الدم ويسبب أمراض الأرق وفقدان الشهية والإمساك والطفح الجلدي والصداع النصفي ويضعف كذلك القدرة الجنسية لدى الرجال.
وتشير صوماليات كثيرات الى فشل زيجات وهجر أطفال كدليل على مخاطر الافراط في تخزين القات.
وتقول مقيمة في مقديشو تدعى خديجة علي كانت مستخدمة للقات على مدى سنوات ان رخص سعر القات يعني أن الكثير من النساء والفتيات سيتعاطينه.
وأضافت خديجة “نظرا لانخفاض سعر القات الآن ولصعوبة الحياة في الصومال حاليا تلجأ كثير من الأمهات والفتيات إلى التخزين (مضغ القات). فيما مضى كانت قليل من النساء هن اللائي يتعاطينه. شراء النساء للقات من السوق أو تخزينهن له مع الرجال كان أمرا نادرا”.
ونادرا ما تجري الحكومة الصومالية التي تعاني من نقص المال إحصاءات تتعلق بالصحة.
وعلى الرغم من أن زيادة تعاطي القات تثير القلق فان المسؤولين الصوماليين مشغولون بملاحقة مقاتلي حركة الشباب الاسلامية المتمردة وإعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمرت خلال أكثر من 20 عاما من الحرب.
ميدل ايست اونلاين