هل انشاء “الصحوات” في الصومال فكرة صائبة؟

كشفت صحف أوغندية، قبل أيام أن الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني نصح نظيره الصومالي محمد عبد الله فرماجو  خلال  لقائه على هامش القمة الثانية والثلاثين لرؤساء دول الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية  أديس أبابا، على أن ينشأ مليشيات محلية متطوعية تقاتل إلى جانب القوات الصومالية وقوة بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال( أميصوم)  والتي قد “تنمو تدريجيا لتصبح ضمن الجيش الوطني في غضون عامين” بهدف القضاء على التنظيمات المتشددة وخصوصا حركة الشباب وتنظيم داعش، وأكد الرئيس موسيفيني أن فكرة التطوع استراتيجية مهمة للغاية وتسهل الحكومة الصومالية في بسط سيطرتها على جميع المناطق الصومالية. وقال الرئيس موسيفيني للرئيس فرماجوا بحسب ما نقلته بعض الصحف الأوغندية: “تحتاج إلى بناء جيش وطني عندما تقوم بإشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين وشيوخ العشائر مع فكرة التطوع كإستراتيجية.

أعرب الرئيس فرماجو عن ترحيبه  بنصيحة مسيفيني، وأبلغه أن عملية بناء الجيش الوطني في الصومال لا تزال في مراحلها التكوينية.

تدخل مهمة الحكومة الصومالية وقوة بعثة الاتحاد الافريقي (أميصوم) في الصومال والمتمثلة في الإنتصار  على حركة الشباب  فرع الصومال عامها الثالث عشر، وأنها لا تزال تبدو مهمة صعبة للغاية نظرا لطبيعة الحروب والتكتيكات القتالية التي تستخدمها حركة الشباب وتنظيم داعش والمستوحاة من  حرب العصابات، حيث تتحرك عناصرهما على شكل خلايا ومجموعات صغيرة تباغت الجيش والقوة الإفريقية  الداعمة له وتشن عمليات كر وفر عليها منطلقين من مناطق قبلية ولذلك فالمليشيات القبلية يمكن أن تسهل مهمة القوات الصومالية وتلعب دورا كبيرا في خلط أوراق عناصر المجموعات المسلحة وافشال خططهم دون أن تكلف ميزانية كبيرة أو أن ترهق خزينة الدولة من خلال متابعة عناصر حركة الشباب  ومراقبتهم واشغالهم بحروب جانبية الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى اضعافهم وإنهاكهم وتبديد قوتهم ومنعهم من التخطيط وإعداد هجمات نوعية على أهداف استراتيجية في المدن الكبرى نظرا لما يتمتعون من عقيدة  قتالية صلبة تستمد قوتها من “النعرة القبلية” أو “الغلو القبلي”، كما أن دور المليشيات يجعل  الطريق ممهدا للحملات التي يشنها  الجيش الصومالي وقوة أميصوم  من أجل السيطرة على الأقاليم والمناطق التي لا تزال في قبضة تنظيمي الشباب وداعش ويساعدها في البقاء في تلك المناطق لفترة طويلة وتشكيل الإدارات المحلية لها ومنع  المجموعات المسلحة من تجميع صفوهم من جديد لإعادة السيطرة عليها أو على الأقل محاصرتها وتضيق الخناق على سكانها، وقطع المؤن من القوات الحكومية المرابطة في خطوط المواجهة كما حدث  في عدة مناطق التي حررها الجيش الصومالي بشق الأنفس  خلال السنوات أو الشهور القليلة الماضية وكلف  الحكومة في سبيل ذلك ثمنا باهظا، حيث باتت اليوم معظم المدن الكبرى بما فيها العاصمة مقديشو مقر الحكومة محاصرة بريا من قبل  مسلحي  حركة الشباب  التي تسيطر على القرى والبلدات المحيطة بتلك المدن وتستخدمها كمنصة للهجمات والعمليات التي تنفذها في العاصمة مقديشو.

اذا نظرنا الوضع الأمني في الصومال بمنظار محايد يعكس الواقع والحقيقة المرة الراهنة في البلاد يمكن القول  إن الوضع صعب وجميع المحاولات والخطط السابقة رغم تحقيقها بعض التقدم وصلت إلى طريق مسدود أو تقترب من الوصول إلى أفق مسدود ولا يلوح بوادر لحسم الملف الأمني لصالح الحكومة في الأفق أو على على الأقل فالحسم يحتاج إلى وقت طويل، وبالتالي هناك حاجة ملحة إلى أفكار ورؤى جديدة  تقصر المسافة وتسهل عملية استعادة الأمن والاستقرار في الصومال وهزيمة  التنظيمات المتشددة، وربما تكون فكرة انشاء صحوات أو مليشيات قبلية  في ظل وجود تململ ورفض قبلي لافت لنظام حركة الشباب في عدد من الاقاليم الصومالية فكرة صائبة وجديرة بالإهتمام غير أنها تتطلب إلى خطة وطنية شاملة تتحلى بالواقعية وتنظر الموضوع من جميع أبعاده المختلفة والمتشعبة وتعالج تداعياته المستقبلية بشكل مهني ورصين وبعيد عن العاطفة والانفعال ولا سيما فيما يتعلق بمستقبل هذه المليشيات وطرق حلها وتسريحها أو تأهيلها واستيعابها ودمجها في اطار المنظومة العسكرية أو الأمنية سواء نحج المقترح أم لم ينحج، لأن الفكرة محفوفة بمخاطر جمة ومثيرة للإستفزاز ويحوم حولها الشكوك في نظر البعض مما قد يسبب إلى نتائج عكسية لا يحمد عقباها. 

فالنصيحة التي قدمها الرئيس الأوغندي يوري مسيفيني للرئيس محمد عبد الله تحمل في طياتها ايجابيات وسلبيات، وأنها تدعو أساسا إلى استنساخ تجارب  سابقة كانت بعضها ناجحة وأخرى فاشلة حدثت في عدد من البلدان التي شهدت صراعات قبلية مثل أوغندا نفسها أو تواجه الجماعات الارهابية كالعراق، حيث أنشأ صحوات العشائرية حشد شعبي  يساعد الجيش والشرطة  العراقية في هزيمة تنظيم القاعدة والقضاء على عناصر تنظيم داعش الذي يطرق على أبواب بغداد بعد أن استولى أقاليم ومدنا كبرى، مثل الموصل،  لكن الجدير بالذكر أن الحكومة العراقية لا تزال تعاني من آثار الصحوات، وتقوم منذ أكثر من 15 عاما بمحاولات مستمية لتأهيل هذه المليشيات ودمجها في الجيش والشركة وفي المنظومة الأمنية العراقية الأخرى.

يرى كثير من المحللين أن استنساخ فكرة الصحوات في العراق وتطبيقها على الصومال قد تزيد الطين بلة وتعقد مشكلة السلاح خارج سيطرة الدولة والتي باتت منذ ما يقارب 30 عاما أزمة عصية على الحل وقد تكرس شرعية لقوى جديدة يصعب تفكيكها وتأهيلها في المستقبل ودمجها في مؤسسات الدولة أو قد تنفجر أمام سلطة الدولة في أية لحظة في حال حاولت الحكومة تدميرها والسيطرة عليها، بل قد تؤدي إلى انهيار الدولة الناشئة من جراء العصبية والقبلية التي تعشعش في ذهنية وعقلية المجتمع الصومالي. أضف إلى ذلك قد تكون هذه المليشيات مصدر تسليح جديد للمجموعات الإسلامية المسلحة ( داعش وحركة الشباب)، حيث يتم نقل الأسحلة والعتاد التي تحصل عليها الميشليات القبلية إلى تلك المجموعات أو قد تتمكن من الاستيلاء عليها أثناء المعارك وإعادة استخدامها من جديد ضد الجيش وقوة بعثة الاتحاد الإفريقي.

زر الذهاب إلى الأعلى