دراسات صومالية (9): الأزمة الصومالية والحروب الأهلية

منذ انهيار بلاد الصومال عقب سقوط حكومته المركزية علي أيدي فوضويين غير منظمين دخلت البلاد في مأزق سياسي وفوضى عارمة، وبالتالي انهارت البلاد كلية، وقد حاول كثير من الدول والمنظمات العالمية والإقليمية في إعادة المياه إلى مجاريها، كما حاول أهل الصومال في ترتيب البيت المنهار، وكان دور أهل الفكر والثقافة بارزاً في الساحة من خلال الخطابة والكتابة، ونتج عن ذلك نتاج  علمي  وثقافي  لا يستهان به، وهدفه الكشف عن أسباب تلك الأزمة وبحث حلول مناسبة لها، ومن بين ذلك أقلام وطنية صومالية عديدة وغيرها ساهمت في إثراء الموضوع بهدف إيجاد حلول مناسبة للمشكلة، وتختلف هذه الكتابات بين بحوث أكاديمية نال أصحابها درجات علمية في الصروح العلمية بالخارج ، وبين كتابات عادية مستقلة بغية طرح أفكار وتصورات لحل للأزمة العويصة التي أكلت الأخضر واليابس، وجعلت البلاد شذر مذر.

ومن أوائل البحوث التي تناولت الأزمة الصومالية:

 كتاب  (الصومال وجذور المأساة الراهنة ) للكاتب فضيلة الدكتور علي الشيخ أحمد أبو بكر ، وصدر الكتاب في بيروت، دار ابن حزم، سنة 1992م، في بدايات الأزمة، وقد حاول الدكتور حفر  جذور الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه الأزمة مما جعل الكيان الصومالي ينهار بهذه السهولة. ويبدو للقارئ بأن الكتاب كان جاهزاً لدى كاتبه قبل سقوط الحكومة الصومالية، وقد سمحت له فرصة أن يضيف إلى كتابه أخبار تلك الأزمة خلال المدة القصيرة التي شاهدها قبل أن يصدر كتابه.

  • كتاب ( محنة الصومال : دروس وعبر دراسة تحليلية للوضع الراهن) بقلم الأستاذ عبد الرحيم يوسف أحمد، وهو بحث قيم ومن أوائل الدراسات الصومالية التي تناولت الأزمة الصومالية وهي عبارة عن رسالة تكملة لمرحلة الماجستير في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، قسم معارف الوحي والتراث من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية – سنة 1997م. والكتاب يتناول الأوضاع الراهنة في الصومال، بالتحديد الانهيار الذي أصاب الحكومة الصومالية في عام 1991م بعد قرابة أربعين عاما من الاستقلال، ويرد الباحث هذا الانهيار إلى أصوله الجذرية كالتنافس الدولي في المنطقة ثم ما بعده من الاحتلال والتجزئة للصومال والظروف التي ساعدت في ذلك. ثم تناول الحكومات الصومالية بعد الاستقلال، وبالتحديد الحكومة المدنية في الفترة ما بين 1960م _ 1969م وما لها وما عليها من القصور في حق الشعب من حيث العدالة الاجتماعية والخدمة العامة ، ثم الحكومة العسكرية في الفترة ما بين 1969م _ 1990م وتصرفات هذه الحكومة ، وخاصة بعد الحرب الصومالية الإيثوبية في الصومال الغربي ، وما ترتب على ذلك من المعارضة المسلحة، وموقف العالم تجاه تلك الحرب، ومدى تأثيرها في انهيار الحكومة الصومالية ، ثم ناقش الباحث الأوضاع الداخلية  فيما بعد الانهيار من الحروب القبلية ، وما تلى ذلك من موت آلاف من الأبرياء ، ولجوء آخرين إلى البلاد المجاورة، وما لاقوه من الذل  والمهانة، وتناول الباحث أيضا مؤتمرات المصالحة الوطنية المختلفة التي عقدها الصوماليون لإستعادة هيبة الصومال من جديد ، وموقف الدول والمنطمات الدولية تجاه قضية الصومال، والتدخل الدولي في الصومال وما ترتب عليه ، وتناولت الدراسة مدى تأثير غياب الصومال عن الساحة الدولية ، وركز الباحث الدروس والعبر المستفادة من هذه المشكلة.. وتساءل الباحث الخيارات أمام الشعب الصومالي لهذه المحنة وفي الختام ألمح إلى بعض التوصيات الوسائل للخروج من تلك الأزمة العويصة التي ألمت الإنسان الصومالي كثيرا. والباحث قدم في مقدمة بحثه دراسة مختصرة لأهم المصادر والمراجع التي اعتمد عليها سواء كانت مراجع عربية أو أجنبية، كما قدم نبذة عن خلفية تاريخية وجغرافية عن بلاد الصومال. ويمتاز هذا الكتاب من حيث أنه يتناول أسباب إنهيار بلاد الصومال فقد سرد عدة أسباب في ذلك  إضافة إلى أنه ساق إحدى عشر درسا أو عبرة مستفادة من محنة الصومال. والكاتب قد أبدى حيادا كاملا حينما تناول دور المحاكم الإسلامية والحركات الإسلامية ، وعرض معلومات غزيرة مفيدة في ذلك . والبحث على العموم مفيد لـتأريخ الأزمة الصومالية عقب انهيار الحكومة عام 1991م ، ويقع الكتاب حوالي 100 صفحة ويضم عدة ملاحق.
  • وكان سعادة السفير عبد الله محمود محمد أيضاً من أوائل الكتاب الذين كتبوا عن أزمة الصومال بحيث وضع كتابه: ( ماذا تعرف عما يجري في الصومال ). وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة تقارير خاصة في الوضع الصومالي وأزمته في الفترة  ما بين مارس 1992م وفبراير 1994م، وكان هدف المؤلف في إعداد هذه التقارير ليثير اهتمام المجتمع الدولي في معالجة أزمة الصومال الراهنة، وفي نفس الوقت ليذكر الأمة الصومالية مسئوليتها وتاريخها المجيد ، وليحذّر الأخطار التي تهدد كيانه. وهذه التقارير أعدها المؤلف في فترات متلاحقة وفي مناسبات مختلفة. وعددها أربعة: التقرير الأول عنوانه : الحرب الأهلية في الصومال ، خلفياتها وأبعادها السياسية والاجتماعية .وهذا التقرير يتناول  الأخطاء التي ارتكبها  أهل الصومال خلال الحرب الأهلية ؛ لأن التقرير نشر بعد فشل  المحاولات  التي بذلت للمصالحة الوطنية  الصومالية. وعدم تنفيذ قرارات مؤتمر جيبوتي في يونيو عام 1991م ، وهذا التقرير يثير اهتمام الصوماليين لتذكير ألأخطار الخارجية.

والتقرير الثاني: ضمن المجتمع الدولي عن المآسيّ في الصومال. هذا التقرير  يدين المجتمع الدولي الذي لم يشارك أزمة الصومال فضلا عن معالجة القضية سياسيا واجتماعيا، وتناول التقرير المواقف الدولية والاقليمية المعنية بالقضية ،وبيّن  المؤلف حقيقة الوضع  الصومالي في هذه الفترة. أما التقرير الثالث  فيتناول : إعادة بناء الوطن ، ووضع المؤلف بعد تدخل المجتمع الدولي في القضية بصفة غير عادية  بإرسال قوات دولية صخمة إلى الصومال لأجل انقاذ البلاد من المجاعة  والحرب المدمرة ، وهذا التقرير يتناول مكاسب التدخل الدولي انسانيا وما حققه من إعادة الأمل والبسمة في نفوس الشعب المنكوب وتقريب وجهات النظر  بين الجبهات المتنازعة في السلطة، وعقد مؤتمرات دولية. أما التقرير الرابع والأخير في هذه المجموعة من التقارير: الصومال والمنعطف الجديد في عملية السلام .ويتناول هذا التقرير بتحذيرات ومناشدات من قبل بعض زعماء العالم المعنيين بالقضية ، ويلفت التقرير انتباه الصوماليين بأن المسئولية الأكبر  في حل الأزمة تقع على عاتقهم, والتقرير أيضا يناشد العالم لمعالجة الأزمة الصومالية. أن هذا الكتاب في قالبه الحالي وشكله التقريري لا يعتبر كتابا منظما في صياغه وأسلوبه إلا أنه في وحدة واحدة وسياق متسق حيث يتناول معالجة الأزمة الصومالية العويصة التي أنتجت الانهيار  الذي حدث في البلاد ودمس المؤسسات الدولة  كلية. ومن هذه الناحية يعد الكتاب مصدرا مهما لتاريخ الصومال في تلك الحقبة لاسيما أن كاتبه عاصر فترة الاستعمار والحركات التحررية إلى أن استقلت البلاد، بل وكان عنصرا سياسيا مهما حيث شارك في جميع النشاطات السياسية والدبلوماسية للدولة الصومالية على مختلف مراحلها الماضية زهاء أربعة عقود .ويقع الكتاب في حدود 145 صفحة ، وفي ذيله ملحقان: أحدهما عبارة عن رسالة وجهها المؤلف إلى الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري قبل تنحيته عن الحكم في 4/1/1991م. أما الملحق الثاني: فهو أيضا عبارة عن رسالة وجهها  المؤلف إلى الرئيس الصومالي المؤقت آنذاك/ السيد على مهدي محمد فور تنصيبه على منصب رئاسة الجمهورية. وطبع الكتاب في المطبعة التجارية الحديثة ،بالقاهرة – مصر ، في أبريل عام 1994م.

  • وكتب أيضاً السيد أحمد برخت ماح كتاباً سماه: ( ماذا يحدث في الصومال) ويناقش بدايات الأزمة الصومالية، وما جرى في القطر الشمالي من البلاد في أواخر الحكومة العسكرية من تدمير وقتل وتهجير.
  • وامتاز الكاتب الراحل الشيخ عبد الرحمن حسين سمتر أبو حمزة في كتابه وقائع وأحداث الصومالية منذ اندلاعها، بحيث وضع عدة كتب مثل: كتابه ( سنوات العجاف الأولى في الصومال 1990-1994)، و( السنوات العجاف في الصومال1995-1999 (الجزء الثاني).

وللحديث بقية…

.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى