البعد التاريخي للنزاع الحدودي البحري بين الصومال وكينيا

يمكن الرّبط بين النزاع حول الحدود البحرية الصومالية الكينية، والنزاع حول الحدود البرّية بينهما، إذ أنّ الصومال يعتقد منذ أمد بعيد أنّ منطقة المقاطعة الشمالية الحدودية لكينيا والمعروفة بمقاطعة NFD هي جزء من أجزاء الصومال نظرا لتركيبتها الاجتماعية واتصالها الجغرافي بمناطق الصوماليين في كلّ من جمهورية الصومال وإقليم الصوماليين في إثيوبيا الذي طالما كان هو الآخر مثار نزاع بين الصومال وإثيوبيا منذ استقلال الصومال عا1960م حيث يتقاسم إقليم NFD مع الصومال قواسم مشتركة أهمها انتماء السكان فيه للعرقية الصوماليّة وتحدّثهم باللغة الصوماليّة. وترى كينيا أن هذه المناطق تابعة لبلادها من منطلق أن السلطات الاستعمارية ألحقتها بها. فكان من الطبيعي أن يمتد هذا النزاع على الحدود البرّيّة إلى المياه الإقليمية حيث ظهر النزاع الحدوديّ البحري بين البلدين. وقد مرّ هذا النزاع بمراحل ومحطات نشير إليها في الأسطر القادمة:

ظهر النزاع البحري بين البلدين إلى العلن وبشكل واضح ومتصاعد عندما وقعت الحكومة الكينية  في نيروبي في 7/إبريل/2009م مذكّرة تفاهم مع الحكومة الصومالية الانتقالية آنذاك، إلاّ أن البرلمان المؤقت في ذاك الوقت ألغى تلك الاتفاقية في جلسته المنعقدة في 8/أكتوبر/2011م، وشدّد في نفس الوقت على عدم أحقية المؤسسات والهيئات الدّستورية بإعادة النظر في ترسيم الحدود البرية والبحرية والجويّة للبلاد.

وهناك عدّة أسباب أدت إلى أن ينفجر هذا النزاع بين البلدين، وأهمها الثروة السمكية والنفطية التي يعتقد أن المنطقة غنية بها، لذلك يسعى كلا الطرفين إلى الاستفادة من هذه الثروة لتنمية اقتصاده ولتطوير البنى التحتية في بلاده، وهو ما جعل كينيا تسارع أحاديا إلى التعاقد مع شركات دولية لمسح المنطقة والتنقيب عن النفط فيها. وكان السبب المباشر الذي حرك أحداث النزاع بين البلدين كما جاء في تقرير نشر على موقع مركز مقديشو للبحوث والدّراسات في 20/يوليو/2015م، هو “تحديد كينيا عام 2012م ثمانية امتيازات بحرية -تقع سبعة منها في المنطقة البحرية المتنازع عليها والتي تقدّر مساحتها بـــــ 142000كم مربع تقريبا –  طرحتها للترخيص، حيث سارعت شركات دولية إلى التعاقد مع كينيا ومن ثمّ بدأت هذه الشركات عمليات البحث والتنقيب في المنطقة، مما أثار حفيظة الصومال الذي دعا تلك الشركات لإيقاف عمليّاتها التنقيبية، فاستجابت الشركات لطلب الصومال وأوقفت عملياتها التنقيبية عدا شركة “إي أن آي” الإيطالية التي تجاهلت الدعوة وأصرت على الاستمرار في عملياتها التنقيبية ، مما أدّى بالصومال إلى أن يتقدم بشكوى رسميّة ضد هذه الشركة إلى الحكومة الإيطالية التي بدورها لم ترد على طلب الصومال.

بعد هذه الأحداث توجّه الطرفان إلى طاولة المفاوضات لحلّ المسألة فيما بينهما وفق الأعراف الإقليمية السلمية والقنوات الدبلوماسية إلاّ أنّ المفاوضات لم تثمر وباءت بالفشل، فكان لزاما البحث عن سبل أخرى لحلّ هذا النزاع حيث تم التحاكم إلى محكمة العدل الدّولية.

وقد مرّت الشكوى المقدّمة إلى المحكمة الدولية بالمراحل التاريخية الآتية:

  • في 28/أغسطس/2014م، قدّم الصومال شكوى رسميّة ضدّ كينيا لحل النزاع البحري بين البلدين.
  • وفي 13/يوليو/2015م، سلّم الصومال مذكّرة الشكوى ضدّ كينيا إلى المحكمة الدّولية حسب الموعد الّذي حدد من قبل المحكمة لتسليمها.
  • وفي 8/أكتوبر/2015م، أعلن المدعي العام الكيني حق بلاده في عدم الإجابة عن هذه الشكوى.
  • وفي 10/أكتوبر/2015م، أكّد النائب العام الصومالي وجود التماس كيني بأن يتراجع الصومال عن تدويل النزاع وحسمه بدلا من ذلك بين البلدين حسب الأعراف الدبلوماسية.
  • وفي 26/مايو/2016م، أصدرت المحكمة بيانا صحفيا حددت فيه شهر سبتمبر موعدا لاستماع المرافعة بين البلدين حول النزاع البحري.
  • وفي 19 ____ 23/سبتمبر/2016م، انعقدت جلسات المحكمة وقدّم الصومال خلالها وثائق تبيّن الحدود البحرية بين البلدين، ولم تنطق المحكمة بعد بحكمها النهائي تجاه القضية.

تلك هي أبرز المحطات التاريخية لتطور قضية النزاع البحري بين الصومال وكينيا، ويلاحظ انطواؤها على عنصر جديد في سجلّ نزاعات الصومال الحدودية مع الدول المجاورة والذي يتمثل في تحكيم محكمة العدل الدولية لترسيم الحدود البحرية أو البرية حيث يعدّ ذلك بحدّ ذاته مسلكا جديدا يعكس تطوّرا في عقلية الصوماليين فيما يتعلق بالنزاعات الحدودية بينهم وبين دول المنطقة.

ويرى محللون أن النصر سيكون حليف الصومال في هذه القضية لكونها صاحبة الحقّ، وهذا ما يفسر الارتباك الذي رافق أسلوب مواجهة كينيا للملف حيث إنها تظهر عدم رغبتها في التحكيم الدولي، وتحبّذ أن تحلّ المشكلة داخليًّا عبر القنوات الدبلوماسية بين الطرفين، وهذا دليل إفلاسها قانونيا تجاه هذه القضية، وعدم امتلاكها لأيّ سند يقرّ أيّ حقّ لها في هذه المنطقة.

å

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى