محمود أحمد على… رائد التعليم الحديث في  الصومال

مولده ونشأته:-

ولد محمود أحمد علي نور في أوائل القرن العشرين وبالتحديد عام 1900م في بادية مدينة برعو، وتلقى تعليمه الأساسي بمراحله المتعددة في مدينتي برعو وبربرة. حفظ القرآن الكريم مبكرا ثم التحق بمدرسة الأساس بمدينة بربرة التي كانت تابعة للاستعمار البريطاني، وكان من أبرز الطلاب الصوماليين الموهوبين في مدارس الاستعمار البريطاني، وفي عام 1919م  سافر إلى السودان للدراسة وإلتحق بكلية بخت الرضا لتدريب المعلمين والبحث العلمي، وتخرج منها عام 1929م، ثم رجع بلاده ..

جهوده في تأسيس  التعليم الحديث بالصومال

من عادات الصومالين أنهم كانوا  يلحقون أبناءهم في سن مبكر بمدارس تحفيظ القرآن لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وأن هذه المدارس كانت ولا تزال تتمتع بمكانة عظيمة لدى المجتمع الصومالي ويعتبروها أكثر أهمية من المدارس النظامية،  ولذلك عندما وطأت أقدام الاستعمار أرض الصومال وطلب من الآباء بإرسال أبنائهم إلى المدارس النظامية شعر الآباء قلقا شديدا ازاء اطماع الاستعمار البريطاني وأهدافه وخصوصا بعد فتح كنائس في مدن عدة بشمال البلاد، مثل مدينة بربرة ومدينة الشيخ ورفضوا إرسال أبنائهم إلى مدارس الاستعمار  خوفا عن دين واخلاق أبنائهم حتى ظهر هذا القمر المنير الأستاذ محمود أحمد علي بروح التربية والتعليم التقدمي، وبدأ يحث المجتمع على إلحاق أبنائهم بالمدارس النظامية، بل وبلغ به الأمر أن يدعو إلى انشاء نظام تعليمي لا يتبع للاستعمار ليكون قاعدة متينة لبداية تعليم الحديث للبلاد، لكنه قوبل دعوته في بداية الأمر إلى الرفض الشديد حتى اتهمه البعض بأنه من دعاة التنصير.

وفي عام 1934م أرسل الاستعمار البريطاني إلى شمال الصومال التي كانت تخضع لإدارته مبعوثا خاصا لشؤون التعليم، وعندما وصل المبعوث إلى مدينتي بربرة وبرعو استقبل بتظاهرات شعبية احتجاجا على النظام التعليمي الاستعماري، لأن الشعب الصومالى  كان خائفا على ابنائه من التنصير، لكن محمود أحمد كان على مستوى تجليات المرحلة وأهمية النظام التعليمي الحديث، وبذل جهدا كبيرا في تبديد مخاوف سكان شمال الصومال واقناعهم بإرسال ابنائهم إلى المدارس النظامية مؤكدا لهم بأنهم قادرين على التوفيق بين الحفاظ على دينهم وعاداتهم والاستفادة من خبرات الاستعمار وإنشاء مدارس تعليمية حديثة تراعي خصوصياتهم الدينية والثقافية ..

صبر وثابر محمود أحمد علي طويلا لإقناع الصوماليين بضرورة النظام التعليمى الجديد أو بما يسمى السلم التعليمى، ونادى سرا وجهرا لإعلاء كلمة التعليم النظامي في الصومال، فأسس للصوماليين مؤسسات تعليمية ذات رباط قوي ومتين لأول مرة في تاريخ البلاد، لكن الأمر لم يكن هينا وواجه  الرجل تحديات كبرى سواء من الداخل أو الخارج، وكان من أكبر هذه التحديات ، المعارضة الشعبية القوية التي ثارت ضد التعليم الحديث في الفترة ما بين 1933 و 1945م، إلا أنه لم ينحن أمام تلك العقبات وواجهها بالحزم ورباطة الجأش، من أجل الدفاع عن كرامة أمته ومجتمعه وانتشالها من براثن الجهل إلى نور العلم والمعرفة.

انجازاته

نجح أبو التعليم الصومالي الحديث الأستاذ محمود أحمد علي في تأسيس هيئة تعليمية صومالية تضم شخصيات أكفاء ساهمت بجدارة في إنشاء مدارس نظامية في الصومال وإعداد المناهج والمقررات الدراسية ، ومن بين المدارس التي أنشأها مدرسة “الشيخ” في مدينة برعو ، ومدرسة للبنات في المدينة أيضا، ومدرسة أهلية مسائية في مدينة هرجيسا عام 1935م، وأصبحت هذه المؤسسة النواة الأولى للتعليم النظامي في الصومال، فقد تطور التعليم النظامي على يد الرائد التعليم الصومال ونخبة من رواد التعليم الحديث في الصومال في كل من الشمال والجنوب،حيث جرى فتح معلم جامع بلال أول مدرسة نظامية في جنوب الصومال عام 1937م، ويعتبر معلم جامع رائدا من رواد التعليم النظامي في جنوب الصومال، وكان إنشاؤها بعد سنتين تقريبا من إنشاء الاستاذ محمود مدرسة نظامية في شمال الصومال…

فالجهود التي بذلها الرائد التعليمي هي التي انارت الطريق لكثير من الصوماليين وفتحت المجال أمام انشاء مدارس عدة لتربية الأجيال الناشئة، وتخرج عشرات من الصوماليين في الجامعات السودانية  في الفترة ما بين 1919م _ 1942م، ومن أبرز هؤلاء حاجي يوسف آدم علمي (قبلى). وكذلك أدت جهود أحمد علي إلى انتشار المدارس النظامية في المدن الكبرى بشمال الصومال (برعو، بربرة، هرجيسا)، وانشاء مدرستي عمود في بورما والتي كانت من أعرق المدارس النظامية في شمال الصومال حيث تخرج منها كثير من السياسيين والمثقفين الصوماليين منهم، السيد عبدالرحمن أحمد علي -تور، والسيد محمد حاج إبراهيم عقال.

محمود أحمد… القائد الملهم

إن ما قدمه الرائد التعليمي في الصومال محمود أحمد علي كان عظيما، لأنه منهجيته في التفكير وأفكاره ونظرياته  لعبت دورا كبيرا في رفع مستوى وعي المجتمع الصومالي وخصوصا فئة الشباب ورؤيتهم تجاه التعليم ….فكانت علاقته بالأمة الصومالية قوية ومتينة ومتفاعلة مع كل أطراف المجتمع…

كان رائدا شامخا عريقا، وقائدا مبدعا، ومصدر الإلهام، والتفكير والعطاء لكثير من أبناء الصومال، لقد وهب حياته لتطوير مجال التعليم في الصومال، وضحى نفسه كالشمعة لينير الطريق للأجيال القادمة، لكن من المؤسف أن البعض لا يعرفون كثيرا عن دروس التاريخ، أو يقومون بتشويه سمعته بسبب القبلية والتعصب البغيض، تلك هي المصيبة التي ستترك  جهود أجدادنا وآبائنا في مهب الريح.

وفاته

توفي محمود أحمد علي في مقديشو عام 1980م، عن عمر يناهز ثمانين عاما، وقد سميت عدة مدارس في الشمال الصومال وجنوبها باسمه، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله لما قدم للأمة خير الجزاء.

حسن عبدالرزاق عبدالله

طالب، دكتوراة في التربية _ مناهج وطرق التدريس. جامعة بخت الرضا.
زر الذهاب إلى الأعلى