صوماليلاند .. أسباب داخلية وخارجية حالت دون الحصول على الاعتراف

مع انتهاء الانتخابات الرئاسية التي اجريت في 13 نوفمبر في أرض الصومال المعلن استقلالها ، وفوز المرشح موسى بيحي ممثلا عن حزب كولميه الحاكم , يحدو مواطني هذا الاقليم أو الجمهورية آمال عريضة لتحقيق الكثير من تطلعات الشعب هناك من بينها آمال في تحسين مستوى التنمية والخدمات ,و معالجة آثار الجفاف والحد من مستوى الفقر في البلاد.

لكن من بين التطلعات ايضا والتي لا زال يسعى لها قطاع عريض من المواطنون هناك وحكوماتهم المتعاقبة إضافة إلى أربع رؤساء سابقين لهذه الجمهورية منذ اعلان استقلالها عام 1991 هو الحصول على اعتراف دولي واقليمي باستقلالها من قبل الدول ومن قبل المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية .

على الرغم من مضي اكثر من ربع قرن على اعلان استقلالها الا انه لا يوجد أي اعتراف بها من أي دولة أو منظمة في العالم ويعود ذلك الى اسباب داخلية وخارجية وراء عدم حصولها على الاعتراف حتى الان , والتي يمكن اجمالها فيما يلي :

 الأسباب الداخلية في كل من الصومال وصوماليلاند:


– انهيار الحكومة المركزية عام 1991 وعدم التمكن من بناء حكومة جديدة تحل مكانها فسيطر زعماء الحرب على الاقاليم والمدن ولم يعد هناك أي مظهر من مظاهر الدولة وبالتالي انعدم الشريك المعترف به دوليا والذي يملك القرار باسم جنوب الصومال للتفاوض حول قرار انفصال ارض الصومال من عدمه.
– لا يزال جنوب الصومال رغم انه اصبح اليوم يتمتع بحكومة دائمة وسيطرة اكبر على البلاد , واعتراف اقليمي ودولي لا يزال في مرحلة ضعف ولديه من الملفات الشائكة التي يسعى الى تحقيق نجاح مهم فيها تعيقه عن فتح ملف الاعتراف بصوماليلاند في هذه المرحلة , وأهمها ملف الارهاب والحرب اليومية التي يخوضها معه , وتأسيس البنية التحتية أو ترميمها , والجفاف , والخلافات مع الولايات الفيدرالية إلى غير ذلك.

– ضعف الموارد المالية في صوماليلاند مما منعها عن القيام بتنظيم حملات دعائية وتعريفية كبيرة في الخارج سواء لدى صناع القرار في العالم او الدول الاقليمية والعالمية المؤثرة  في صنع القرار ولهذا لا يكاد يعرف عن هذا الاستقلال خارج الصومال وصوماليلاند لدى الشعوب تقريبا الا المتخصصين في شؤون القرن الافريقي.
– معظم صناع القرار في الصومال اضافة الى اغلب الشعب الصومالي هم من انصار التيار القومي أو التيار الاسلامي أو كليهما ولهذا فهم يؤيدون بقوة الوحدة وعدم الاعتراف بالانفصال , ويرونه اساس قوتهم من منطلق قومي ومنطلق اسلامي , خصوصا في التصدي لأي اطماع من الدول المجاورة.

– التداخل القبلي بين صوماليلاند والصومال ولهذا ففي صوماليلاند من يؤيد الوحدة بدافع قبلي اضافة الى من يؤيده بدافع القومية او الدين.

 الأسباب الخارجية

– النظام الدولي والامم المتحدة والمنظمات الاقليمية تنطلق دائما من ضرورة التوافق بين الدولة التي تسيطر على الاقليم الراغب في الانفصال , وبين زعماء الاقليم على الانفصال او الاستقلال سواء من خلال الاعتراف المباشر أو الاتفاق على اجراء استفتاء حر ومن ثم الاعتراف في حال جاء التصويت بالاستقلال , ومن امثلة ذلك انفصال اريتريا عن اثيوبيا وانفصال جنوب السودان عن السودان حيث جاءت كلها بعد استفتاء وبعد اتفاق بين الدولتين.

– انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي , والذين سيطرا على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى انهياره عام 1991 وتفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان يسيطر على المنظومة الاشتراكية التي كانت تقف ضد الولايات المتحدة وحلفائها في العالم , وبالتالي فلم يعد لموقع الصومال اهمية كبيرة في نظام القطب الاحادي في العالم وهو الولايات المتحدة وحلفائها في حين كان له اهمية كبرى للسيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الاحمر , فعند انقلاب سياد بري ووصوله الى الحكم عام 1969م كان يميل الى الجانب الاشتراكي في حين كانت امبراطورية اثيوبيا مع الولايات المتحدة ولذلك تلقى الصومال دعم عسكري سخي من الاتحاد السوفيتي جعلته خلال 8 سنوات ( 1969-1977) يمتلك ثالث أقوى جيش في افريقيا , ولكن بعد حرب اوغادين وتحول الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية الى اثيوبيا انهزم الجيش الصومالي وتحول الدعم له الى الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة مثل مصر والسعودية ودول الخليج.

  لا تريد الدول ان تظهر بمظهر الدولة الحريصة على تقسيم الصومال في حال اعترافها دون موافقة الجانب الصومالي – رغم ضعفه – واعتبار ذلك خطوة غير ودية تجاه حدود الصومال , خصوصا الدول العربية والدول الافريقية.
– يخشى في حال الاعتراف دون موافقة الدولة الأم – ان صح التعبير- ان تكون مثالا لأقاليم ومجموعات أخرى في دول العالم تسعى الى الانفصال لأسباب عرقية أو دينية أو استعمارية أو غير ذلك , وربما تعتبره اساس قانوني للانفصال.

– حالة الفقر والجفاف في كلا الشطرين الصوماليين , وضعف التأثير الاقليمي والدولي لا يشجع الدول على المغامرة بالاعتراف بها , فلو نظرت أي دولة الى الاعتراف بصوماليلاند من زاوية الربح والخسارة على دولهم فلن يكون هناك أي فائدة اقتصادية او سياسية , على الاقل في الوقت الراهن.
من هنا فان الاعتراف يتطلب النظر من القيادة الجديدة في صوماليلاند بحث اسباب عدم الاعتراف بكل واقعية وشفافية , والعمل على ايجاد الحلول  خصوصا في الاستمرار في المحادثات الثنائية التي بدأت في تركيا في عهد الرئيسين السابقين حسن شيخ محمود واحمد سيلانو.

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى