هل نجحت الحكومة في إدارة ملف عبد الكريم “قلب طغح”؟ 

 بعد نحو أسبوعين من الضغط على الحكومة لكشف المستور واعلان دورها في تسليم عبد الكريم شيخ موسي “قلب طغح” للإثيوبيا، جاء ردها في السادس من سبتمبر الجاري، قويا ومدويا حيث اعترفت وبدون مواربة باعتقال القيادي في جبهة تحرير أوغادين المعارضة وتسليمه للسلطات الإثيوبية بموجب اتفاقية أمنية بين البلدين.

أربكت الحكومة بجرأتها مواقف مؤيديها قبل معارضيها، لأنه لم  يكن أحد متوقعا أن حكومة حسن خيري ستجرؤ في ظل تهيج الشارع ضدها على اتخاذ مثل هذا القرار متجاهلة جميع الانتقادات اللاذعة الموجة إليها من قبل خصومها، بل وبعضا من مؤيديها.

محطات الأزمة

 يعود ملف عبد الكريم شيخ  موسي إلى 27 من شهر أغسطس الماضي عندما نشرت وسائل الإعلام المحلية نبأ إحباط عناصر من جهاز المخابرات الصومالي محاولة لخطف قيادي في جبهة تحرير أوغادين (ONLF) من مدينة جالكعيو وسط الصومال، وتسليمه إلى السلطات الإثيوبية.

لكن سرعان ما تبدلت الأمور رأسا على عقب وبدأت وسائل الإعلام بتداول أنباء عن اعتقال المخابرات مواطنا صوماليا وتسليمه إلى إثيوبيا. وفي 30 من الشهر أغطس الماضي أصدرت جبهة (ONLF) ، بيانا اتهمت فيه الصومال بتسليم قيادي كبير في الجبهة  كان يعيش مع عائلته في مقديشو منذ عام 2014 إلى السلطات الإثيوبية.

 قالت الجبهة في بيانها، إن السلطات الأمنية الصومالية اعتقلت عبد الكريم شيخ موسي عضو اللجنة التنفيذية للجبهة في مدينة جالكغيو ثم قامت بتسلمته للاستخبارات الإثيوبية..

 ومن جانبها أكدت إثيوبيا على لسان وزير إعلامها نقري لاتشو في 1 سبتمبر الجاري على اعتقال عبد الكريم شيخ موسي ونقله إلى إثيوبيا وذلك بناء على الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الصومال وإثيوبيا. وأشار الوزير إلى أن القيادي عبد الكريم عضو في جماعة وصفها بـ“الارهابية”.

ردود الأفعال

تباينت ردود الأفعال الرسمية والشعبية حيال الأزمة ما بين معارض لقرار التسليم وما بين داع للتريث والانتظار لموقف المسؤولين في ظل صمت مطبق من قبل الحكومة التي لم تنبس بنت شفة.

هذا الصمت أثار ردود أفعال غاضبة من قبل أعضاء في البرلمان الصومالي ومن قبل شرائح من المجتمع الصومالي وفي مواقع التواصل الاجتماعي وتردد اسم عبد الكريم شيخ موسي على الشفاة  وألح الجميع الحكومة في كشف الحقيقة وتقديم ايضاحات لما حدث.

رفض رئيس المخابرات عبد الله سنبلولشي خلال رده عن سؤال حول ما اذا تم تسليم ، عبد الكريم شيخ موسي لإثيوبيا، التعليق على القضية  وتقديم ايضاحات عن ملابساتها وكتفى بالقول “إن الحكومة ستتحدث عنها في الزمان والمكان المناسبين”، مبررا ذلك لحساسية الموضوع وعدم رغبته في  استباق الأحداث.

هذا الأمر زاد الطين بلة وساهم في تعقيد الأمور ، وأزدادت الأصوات  المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تسليم بما عتبروه موطنا صوماليا لدولة أجنبية.

محاولات إثيوبية

 وفيما رأه البعض بأنها محاولة لتخفيف الضغط عن الحكومة الصومالية، أصدرت اثيوبيا تصريحات تتحدث فيها عن تسليم القيادي في جبهة ONLF نفسه طواعية لإثيوبيا وأن دور الصومال كان مقتصرا على تسهيل عملية الاستسلام.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في  يوم الجمعة  الأول من شهر سبتمبر الجاري عن الناطق باسم وزارة الخارجية الإثيوبية “مليس ألم” قوله إن الحكومة الصومالية لعبت فقط دور المسهل بينما القيادي في الحركة هو الذي قرر تسليم نفسه طواعية للسلطات الإثيوبية.

 لكن هذا التصريح لم ينجح في  ترطيب الأجواء وتهدئة الشارع الذي تفاجأ  بالقضية ورفع الحرج عن الحكومة الصومالية التي رآها البعض أنها كانت منقسمة فيما يتعلق بشأن تسليم عبد الكريم موسي، واستمرت الانتقادات اللاذعة التي كان يوجهها عدد من النواب ورموز في الحركات السياسية للرئيس محمد عبد الله فرماجو ولرئيس الوزراء حسن علي خيري حتى جاءت المفاجأة من إدارة اقليم أوغادين.

انقلب السحر على الساحر

جاءت المفاجأة من حاكم اقليم أوغادين شرق إثيوبيا محمد عبد عمر الذي انتقد بشدة الأصوات المعارضة بتسليم  عبد الكريم موسي لإثيوبيا، وأكد محمد على أن قرار التسليم جاء تنفيذا لاتفاقيات أمنية في مجال مكافحة الارهاب ومحاربة الجماعات المسلحة التي تهدد أمن البلدين أبرمتها حكومة حسن شيخ محمود مع إثيوبيا، وتم نشر مذكرات التفاهم التي وقعها البلدان عبر وسائل الاعلام البلدين وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه التصريحات وقعت كالصاعقة على المنتقدين للحكومة والمطالبين بمحاسبة المسؤولين عن تسليم القيادي في جبهة تحرير أغادين، عبد الكريم شيخ موسي للسلطات الإثيوبية، ومن المفارقة العجيبة أن من بين المنتقدين للحكومة، وزراء وقعوا الاتفاقية الأمنية بين الصومال وإثيوبيا.

الرد المدوي

وفي 6 سبتمبر الجاري أصدر مجلس الوزراء بيانا اعترف فيه بتسليم الحكومة عبد الكريم موسي لإثيوبيا استنادا على اتفاقيتين أمنيتين بين البلدين يعود تاريخها لعام 2014\2016، وقعها من الجانب الصومالي عبدالكريم جوليد رئيس ولاية جمدغ السابق والنائب مهد صلاد  أحد أبرز الشخصيات التي عارضت خطوة الحكومة بتسليم القيادي في جبهة   ONLF لإثيوبيا.

سر نحاج الحكومة

 في الوهلة الأولى يبدو لمن ينظر إلى مجريات الأحداث فيما يتعلق بملف تسليم عبد الكريم موسي القيادي في جهبة تحرير أوغادين أن الحكومة فشلت بسبب صمتها الطويل في إدارة الملف  وفقدت تأييدا شعبيا كبيرا لها، لأن رئيس الجمهورية محمد عبد الله فرماجو  كان بالنسبة لشرائح كبيرة من المجتمع الصومالي منقذا وأنه الشخصية الوحيدة القادرة على تخليص الصوماليين من هيمنة القوى الأجنبية  وإعادة هيبة الوطن.

لكن بعيدا عن ضجيج الشارع وبعيدا عن تقييم ما اذا كان قرار الحكومة صحيحا أم لا، يبدو أن الحكومة استطاعت أن تدير الملف في نظر القاموس السياسي  بجدارة سياسية، وأنها استطاعت أن تتجاوز  الحملة ضدها والتي كانت صادمة بتوقيتها وأدواتها وشكلها على الأقل في هذه المرحلة بأقل الأثمان، حيث نجحت في كسب تأييد عدد من زعماء العشائر البارزين وعدد من العلماء المشهورين من بينهم شيخ عشائر هوية حسن حاد ورئيس رابطة علماء الصومال شيخ بشير صلاد.

الأزمة لم تنته بعد

صحيح أن الأزمة لم تنته بعد، لأن الحكومة تنتظرها جولة جديدة من الصراع تحت قبة البرلمان وفي المجالس القضائية، بيد أنه يمكن القول إنها قادرة أيضا على استيعاب الأزمة داخل أروقة الدولة وتقليل تبعاتها بأقصى حد ممكن من خلال تماسك أعصابها وابتعادها عن الاستعجال باتخاذ القرارات وقدرتها على تحجيم أصوات وزارئها مستفيدة من حادثة “ مزرعة بريري “  التي أربكت الحكومة ووضعتها في حيص بيص بعد أن ألقى عدد من الوزراء تصريحات متناقضة بشأن الحادث.

الإمتحان الأصعب

بتقديري الإمتحان الأصعب الذي يوجه الحكومة في المستقبل يتمثل في اقناع الشعب  وترميم العلاقة مع شرائح كبيرة من المجتمع ، لأن ما قامت به يمثل سابقة نوعية، فهي المرة الأولى التي يتم تسليم شخصية صومالية بشكل رسمي ومعلن لإثيوبيا.

زر الذهاب إلى الأعلى