الوضع السياسي والأمني في الصومال: أبرز الملفات والتحديات

دعا الرئيس  الصومالي حسن شيخ محمود ،  الأسبوع الماضي أعضاء المجلس الإستشاري الوطني  أعلى هيئة سياسية في البلاد إلى الاجتماع بمقديشو في 20 من الشهر الجاري، لمناقشة آخر المستجدات والتطورات في المشهد السياسي والأمني ، لكن تم تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى بحسب بيان من رئاسة الوزراء . وهناك أنباء عن إمكانية عقده نهاية  الشهر الجاري.

فدعوة الرئيس حملت في طياتها فيضا  من الدلالات والأبعاد.  وكان يتوقع أن يبحث الاجتماع عن ثلاث قضايا رئيسة معقدة ومتشابكة ، تشغل الرأي العام الصومالي ، وهي تعديل الدستور والإنتخابات، والحرب على حركة الشباب، والأزمة مع إثيوبيا .

 تعتبر هذه الملفات قنابل عنقوية كثيرة الإنشطار ، وشديدة الانفجار وبالتالي ينبغي على جميع الأطراف إعادة النظر في مواقفها وقراءة المشهد السياسي الصومالي بروية، وبعقل عميق النظر؛ لأن الطريق الذي نسير عليه اليوم يبدو مسدودا.

أولا: تعديل الدستور والانتخابات

يعد تعديل الدستور من أبرز  الملفات التي استهلها الرئيس حسن شيخ محمود في حكمه ، وتعهد بإستكمال الدستور  الصومالي المؤقت، بطريقة تسمح له تغيير نظام الحكم في البلاد.

لتحقيق ذلك قرر الرئيس بعد شهور قليلة  من توليه الحكم إلى عقد الإجتماعات الدورية للمجلس  الإستشاري الوطني الذي يضم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء  ونائبه، ورؤساء الحكومات الإقليمية بالإضافة إلى محافظ وعمدة العاصمة مقديشو للمناقشة حول سبل  استكمال الدستور .

 عقد اجتماع  المجلس الإستشاري الأول في 28 ديسمبر  2022   في العاصمة مقديشو  ، وحضر فيها جميع أعضاء المجلس ، واتفق الحاضرون  بإستثاء رئيس ولاية بونت لاند سعيد عبد الله ديني  على تعيين لجنة فنية من أجل إعداد توصيات حول كيفة تنفيذ انتخابات معياريه على المستوى الولائي والفيدرالي في موعدها.

هنا بدأت المشكلة،  أو على الأقل ظهر  الخلاف بين الرئيس حسن وسعيد ديني  . لم يحضر رئيس ولاية بونت لاند سعيد ديني جميع اجتماعات المجلس الإستشاري التي تلت  هذا المؤتمر. كان غاضبا من مشروع الرئيس حسن حول نظام الحكم في البلاد ، والعلاقة بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الاقليمية.

وضع  الرئيس حسن كل ثقله على إستمرار انعقاد مؤتمر المجلس الإستشاري الوطني  من أجل الحصول على موافقة رؤساء والولايات الإقليمية وممثليهم في البرلمان الفيدرالي على التعديلات الدستورية التي تسمح بتغيير النظام السياسي بالبلاد إلى نظام رئاسي، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، والعمل من أجل أن تكون الانتخابات المقبلة انتخابات شعبية مباشرة، وعقد مؤتمر المجلس الإستشاري الثالث في 28 مايو 2023 في مقديشو، وكما جرت العادة بغياب رئيس ولاية بونت لاند سعيد عبد الله ديني . تركزت فعاليات هذا الإجتماع على ملف الانتخابات، وتم التوصل إلى اتفاق حول انتقال  نظام الحكم في البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، كما جرى الاتفاق على إنشاء حزبين سياسيين في البلاد، وتشكيل لجنة انتخابية وطنية، وإجراء انتخابات فردية بالنسبة لمستوى المقاطعات والأقاليم الفيدرالية، بما في ذلك محافظة بنادر.

 لم يرضخ الرئيس حسن لضغوط ديني وواصل مساعيه لتحقيق أجنداته السياسية وأستمر انعقاد اجتماعات المجلس الإستشاري الوطني لبحث تعديل الدستور والانتخابات. وعقد الإجتماع الثاني للمجلس في 17 مارس 2023  في مدينة بيدوة عاصمة ولاية جنوب غرب الصومال. حضر الاجتماع جميع أعضاء المجلس بإستثناء رئيس ولاية بونت لاند سعيد ديني. لم يتمكن الحاضرون في الاجتماع الاتفاق على البنود المتعلقة بالإنتخابات وتم ارجاؤها إلى المؤتمر القادم  وذلك لحساسية قضية الإنتخابات وتشعباتها بالإضافة إلى غياب الرئيس سعيد ديني الذي كان في ذلك الوقت منشغلا بملف الانتخابات الرئاسة في ولاية بونت لاند.

 وفيما يتعلق بفترة ولاية الحكومات الإقليمية في البلاد، تم الاقتراح على أن تجرى انتخابات رؤسائها في تشرين الثاني ( نوفمبر) عام 2024م.

في هذا الإجتماع حقق الرئيس حسن شيخ هدفا مهما ، وهو حصوله على مواقفة غالبية رؤساء الولايات الاقليمية بشأن تغيير نظام الحكم في البلاد والانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

عقد مؤتمر المجلس الإستشاري الرابع في  28 أغسطس 2023 . في هذا الاجتماع لم يتم مناقشة ملف الانتخابات وكان يبدو اجتماعا برتكوليا، وتقديم الدعم للحملة العسكرية التي قادها الرئيس حسن ضد حركة الشباب، لأن الرئيس حسن شيخ محمود نال ما تمنى وحصل على الضوء الأخضر الذي كان يحتاجها لتعديل الدستور الصومالي المؤقت.

بدأ الرئيس حسن مطلع العام الحالي حملة واسعة لإقناع أعضاء البرلمان الفيدرالي بمجليسه الشيوخ والشعب بتعديل الدستور وخصوصا في البنود المتعلقة بنظام في الحكم في البلاد، وكان له ما أراد وصادق البرلمان في 30 مارس الماضي  التعديلات الدستورية المقترحة وكان أهم بند فيها ، الذي ينص على أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب ، وأن يقوم بتعيين وإقالة رئيس الوزراء.

لكن اليوم ، يقف الرئيس حسن شيخ محمود أمام الاختبار الصعب ، وفي وجهة  نظر كثيرين تجاوز الإمتحان النظري ، وبقي له الإمتحان التطبيقي، وبقي السؤال الأهم كيف سيتم تطبيق ما صادق عليه البرلمان الصومالي في ظل رفض ولاية بنت لاند ، وشخصيات بارزة في المشهد السياسي الصومالي ، وفي ظل ضبابية الموقف الرسمي لرؤساء الولايات الاقليمية تجاه الانتخابات المقبلة، ووجود تهديد تنظيم الشباب ؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد من قراءة أوضاع الساحات والجبهات التي قد تكون عبقبة أمام مشروع الرئيس حسن شيخ محمود.

ولاية بونت لاند

 يمر  الرئيس سعيد عبد الله ديني في أوج حكمه وفي السنة الأولى من فترة ولايته الثانية، ولا توجد في الوقت الحالي تهديدات مباشرة لحكمه  وبالتالي فأنه ليس في عجلة من أمره، ولديه هامش حرية واسعة لمعارضة التعديلات الدستورية، وأنه فيما يبدو ليس مستعدا للتنازل وتمرير مشروع الرئيس حسن شيخ ، لأنه لا توجد قضية تهمته تحتمه بمبادلة قضية أخرى لتمرير المشروع بل أنه مستعد للمضي قدما حتى افشاله، واسقاط الرئيس حسن في الانتخابات المقبلة .

جوبالاند وجنوب غرب الصومال

موقف ولاية جوبالاند بشأن الانتخابات التي يريدها الرئيس حسن شيخ محمود غير واضح، ولم تعلن حتى الآن بشكل رسمي موقفها تجاه التعديلات الدستورية التي صادق عليها البرلمان. لكن المؤكد أنها متوجسة، وغاضبة من بعض بنود التعديلات الدستورية وخصوصا التي لم تكن ضمن ما طرح في اجتماعات المجلس الإستشاري السابقة،  وتراقب الوضع عن كثب،  ولا تريد حاليا اعلان موقف لا تشارطها بقية رؤساء الولايات الأخرى التي شاركت في اجتماعات مجلس الاستشاري الوطني الثاني والثالث والرابع.

تتمثل مشكلة رئيس ولاية جوبا لاند أحمد مذوبي في:

  1.  أن فترة ولايته الأصلية قد انتهت  في  أغسطس 2023 وتم تمديدها لمدة عام وتنتهي في شهر نوفمبر المقبل وعليه إجراء انتخابات شعبية مباشرة تنظمها الحكومة الفيدرالية تطبيقا  لمخرجات اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني غير أن الرئيس أحمد  مذوبي لا يريد أجراء هذا النوع من  الانتخابات.
  2. – موقف الحكومة الفيدرالية من مشكلة اقليم جذو، ويرى الرئيس مذوبي موقف الحكومة موقفا سلبيا
  3. يعتقد الرئيس مذوبي بأنه لم يحصل من الحكومة الفيدرالية المناصب التي طلبها

وبالتالي لم يبق أمام مذوبي سوى فيما يتعلق بمشروع الرئيس حسن شيخ 3 خيارات  :

  1. الخيار الأول: أن يقوم بتشكيل جبهة موحدة معارضة لمشروع الرئيس حسن
  2. الخيار الثاني أن يقنع الرئيس حسن بتمديد فترة ولاية رؤساء الحكومات الاقليمية مرة أخرى وحتى نهاية ولاية الرئيس حسن شيخ محمود،  واجراء الإنتخابات على المستوى الولائي والفيدرالي في وقت واحد
  3. الخيار الثالث: الاستسلام وقبول مطالب الرئيس حسن شيخ محمود

كل المعطيات المتوفرة تدل على أن الرئيس مذوبي لا يريد استبقاق الأحداث والمبادرة بإعلان رفض أو قبول التعديلات الدستورية، لأنه يراهن على العديد من العوامل التي قد تفرض الرئيس شيخ محمود على النزول من الشجرة ، والتنازل عن فكرة اجراء انتخابات مباشرة سواء في الولايات الاقليمية او على المستوى الفيدرالي.

أما ولاية جنوب غرب الصومال فوضعها مشابه لوضع جوبالاند ، وأن الشيئ الوحيد المختلف هو أن ولاية جنوب غرب الصومال معتمدة اقتصاديا على الحكومة الفيدرالية بخلاف ولاية جوبالاند وبالتالي في بعض الاحيان تتحاشى الاصطدام المباشر مع الحكومة المركزية ، لكن هذه المرة ما يقوى موقفها هو وجود القوات الإثيوبية في مناطق جنوب الصومال في ظل توتر العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وإثيوبيا.

جملدغ وهيرشبيلي

 تعتبران الحلقة الاضعف في الصراع بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الاقليمية ، ولا يمكن أن يتبنيا مواقف معارضة للحكومة الفيدرالية وذلك لعدد من الأسباب  لعل أبرزها ، انتماؤهما إلى نفس القبيلة التي ينتمي إليها الرئيس حسن ، والدور العشائري القوي في تلك المناطق المانع من تشبث شخص على السلطة دون دعم من الحكومة المركزية ، واعتمادهما الكامل اقتصاديا وسياسيا وأمنيا على الحكومة الفيدرالية بالإضافة إلى ذلك ضعف تأثير  دور القوات الأجنبية في تلك المناطق عكس القوات الإثيوبية في جنوب غرب الصومال ، والقوات الكينية في جوبالاند.

وبالتالي يمكن أن يرضخ رئيسا ولاتي جلمدغ وهيرشبيلي أحمد قورقور ، وعلي غودلاوي لمطالب الرئيس حسن شيخ محمود وأن يوافقا على التعديلات الدستورية، ويجريا الانتخابات التي يريدها الرئيس.

رهانات الرئيس حسن شيخ محمود

تنتظر  الرئيس حسن شيخ عددا من الألغاز تتطلب منه فك طلاسمها، وايجاد حل لها  في الشهور المقبلة وأن أول هذه الألغاز، الاستحقاق الانتخابي ، انتخابات برلمانات الولايات الاقليمية وأنه يمثل الإختبار الأول والأصعب وأن الجميع يترقب كيف سيتجاوز الرئيس هذا التحدي ؟ وعلى ماذا  يراهن. ويتساءلون هل سيمدد فترة ولاية رؤساء الحكومات الاقليمية أم سيغيرهم بالقوة أم  سيعطيهم الفرصة لإجراء الانتخابات حسب نظام المحاصصة القبلية؟

 في البداية لا بد من التأكيد على شيئ واحد،  أن موقف الرئيس حسن شيخ محمود بشأن الانتخابات حاسم وأنها مسألة حياة أو موت؛  لأنها مترتبطة بمستقبله السياسي وأنه يريد أن تجرى انتخابات مختلفة عن الانتخابات السابقة  مهما كلفت ذلك من ثمن،  لكن المعضلة كيف يمكن له ذلك.

فأمام الرئيس حسن شيخ محمود أربعة خيارات فقط:

الإخيار الأول : اقناع ولايتي جلمدغ وهيرشبيلي ، لأنهما الحلقة الأضعف سواء بالترهيب أو الترغيب بإجراء الانتخابات البرلمانية التي يريدها نهاية العام الحالي، واذا تحقق ذلك فستكون الولايات الأخرى مجبرة على أن تحذو حذو ولايتي جملدغ  وهيرشبيلي وإذا لم ينصاعا سينتقل إلى الخيار الثاني .

الخيار الثاني : أن يبدأ حملة سياسية وسعة بهدف تغيير رؤساء الولايات الاقليمية وانتخاب شخصيات مؤيدة له .

وتكمن خطورة هذا الخيار أنه يكون بمثابة بداية لدوامة الصراع السياسي في الصومال المعروفة وغالبا سيكون الخاسر الحكومة المركزية.  لأن الرئيس إذا قرر خوض صراع مع رؤساء الولايات الإقليمية فإنهم سيحصلون على دعم شعبي وقبلي ، وسيستمر هذا الصراع حتى تحين الانتخابات العامة ، ثم يرضخ الرئيس مجبرا  على قبول مقترحات رؤساء الولايات كما كان الحال في السنوات الماضية

الخيار الثالث: أن ينزل الرئيس حسن شيخ محمود من الشجرة للحيلولة دون انشاء تحالف معارض له يضم جميع رؤساء الولايات الإقليمية هذه المرة بما فيها ولايتي جلمدغ وهيرشبيلي، ويوافق على أن تجرى رؤساء الولايات الاقليمية انتخابات تتوافق مع ظروفهم وأوضاعهم الخاصة.

الخيار الرابع: أن يتراجع عن الخطوات السابقة ويعلن تجميد التعديلات الدستورية، ويدعو إلى مؤتمرات تشارك فيها جميع الأطراف بما فيها المعارضة السياسية ورؤساء الولايات الاقلمية وأعضاء البرلمان للإتفاق على خارطة لاستكمال الدستور والنموذج الانتخابي.

ثانيا : الحرب على تنظيم الشباب

   جميع الأطراف السياسية والأطراف الإقليمية متفقة على أهمية هذا الملف، لكنها مختلفة على توقيته وطريقته، وحتى وإن لم يقولوا ذلك علنا. تعتبر بعض الحكومات الاقليمية  حركة الشباب  ما دم لم يتم حل عدد من القضايا الأمنية والسياسية المثيرة للجدل، سدا منيعا أمام التدخلات غير القانونية التي قد تأتي من الحكومة المركزية .

 لا تريد الحكومات الاقليمية في المناطق الجنوبية  في هذا التوقيت تحرير المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب ؛ لأنها خائفة من سطوة الحكومة المركزية ورغبتها في السيطرة على القرار السياسي في الحكومات الإقليمية.

راهن الرئيس حسن شيخ محمود أن تنجح جهوده في تحرير جميع المناطق الصومالية من قبضة حركة الشباب لكي يتسنى له أن يتحكم مجريات الأمور في جميع  الولايات الاقليمية ، ويجري فيها الإنتخابات بالصيغة التي تحلو له. لكن رؤساء الحكومات الاقليمية بالمرصاد، ويحاولون وضع العصي في دواليب مشروعه.

وهذا ما يفسر  توقف العمليات القتالية ضد  متمردي الشباب في ولايتي هيرشبيلي ، وجلمدغ، وعدم تمكن الجيش من تحرير جميع المناطق التي تسيطرها حركة الشباب في تلك المناطق رغم التفوق العددي والعتادي الذي يتمتع به الجيش الصومالي.

وعلى هذا الأساس، ينبغي أن يضع الرئيس حسن شيخ محمود جانبا جميع القضايا الأخرى،  ويجمد جميع الأجندات السياسية التي تثير هاجس القوى السياسية ، وأن يضع كل ثقله على  الحرب على حركة الشباب  لسحب البساط من تحت أقدم المتشككين من هدف الحرب على التنظيم .

ثالثا: الأزمة مع إثيوبيا

هي مشكلة أخرى تقف عقبة أمام مشروع  الرئيس حسن شيخ محمود، وهناك توقعات من تعكس سلبا على العلاقات بين الحكومة المركزية ورؤساء الولايات الاقليمية الذين لهم علاقة طبية مع صناع القرار في إثيوبيا لدور قواتها الأمنية في الولايات الإقليمية  ، وبالتالي هناك مخاوف من أن تضاعف إثيوبيا تدخلاتها في الشأن الصومالي وأن تعمل بجد من أجل افشال المشروع السياسي للرئيس حسن شيخ محمود عبر دعمها لحكام الأقاليم المعارضة للرئيس حسن شيخ.

الخاتمة

يرى العديد من المراقبين أنه يجب أن يتنازل الرئيس مشروعه بشأن الدستور وأن يتفرغ لقضيتين إثنين فقط وهي الحرب على حركة الشباب، ومواجهة التدخل الإثيوبي في الشأن الصومالي.

زر الذهاب إلى الأعلى