رهان الاستقرار

ما الذي يجري في الصومال هذه الأيام؟ الحكومة تبشرنا بانتخابات مباشرة تمنح كل مواطن صوته، والمعارضة تصرخ بأن القصة ليست سوى غطاء لتمديد جديد. وكأن التمديد عندنا يحتاج إلى إعلان رسمي أو بيان رئاسي! التمديد في السياسة الصومالية – أطال الله أعماركم – يشبه الملح في الطعام، لا تراه العيون لكن الألسنة تذوقه.

الرئيس حسن شيخ محمود تخلّى عن شرط الاقتراع المباشر، وقَبِل بأن يتم انتخاب الرئيس عبر البرلمان، مع وعد للشعب بأن يظل صاحب الكلمة في اختيار النواب. فريق من المراقبين رأى في ذلك تراجعا لتهدئة الأجواء، فيما اعتبره آخرون مجرّد مسكّن لأزمة سياسية مزمنة. وفي المحصلة، تبدو السياسة عندنا مثل عيادة الأسنان: كثير من التخدير، قليل من العلاج، والوجع لا يلبث أن يعود كما كان وربما أشد.

أما المعارضة، فهي أقرب إلى فرقة موسيقية بلا مايسترو. فريق يصفق بحماس ويرى في التراجع فرصة لخفض التوتر، وفريق آخر يراه تهديدا للتوازنات القائمة. والنتيجة أن اللحن يضيع بين الأصوات، والجمهور – أي الشعب – يغادر القاعة أكثر ارتباكا مما دخلها.

لكن لبّ الأزمة أعمق من شكل الاقتراع، فالنظام السياسي نفسه قائم على توازن هش بين المركز والولايات، وعلى محاصصات لا تستد إلى دستور متماسك. لهذا تصبح كل خطوة قابلة للتأويل: عند البعض تضحية وطنية، وعند آخرين مناورة تكتيكية لكسب الوقت. والتجارب السابقة علمتنا أن غياب التوافق يعطل المؤسسات ويحول كل استحقاق انتخابي إلى دراما طويلة الحلقات، يتغير فيها الممثلون وتبقى الحبكة نفسها.

الرهان الحقيقي إذن لا يكمن في صناديق الاقتراع وحدها، بل في قدرة النخبة السياسية على إدارة خلافاتها ضمن أطر توافقية قابلة للاستمرار. فالحلول الوسط تمنح اللعبة قدرا من المصداقية، أما غيابها فيعني إعادة تدوير الأزمات بوجوه جديدة، مثل عرض تلفزيوني يعاد بثه في كل موسم بعنوان جديد، والجمهور يعرف النهاية قبل أن يبدأ العرض.

ويبقى السؤال: هل القوى السياسية مستعدة لوضع قواعد متينة تحفظ استمرارية النظام وتماسكه، أم أننا سنواصل متابعة حلقات جديدة من نفس المسلسل القديم؟ في كل الأحوال، يظل الاستقرار عندنا أشبه برهان خاسر.

وربنا المستعان.

عبد الرحمن غوري

عبدالرحمن غوري باحث في الأدب والفلسفة
زر الذهاب إلى الأعلى