انسحاب قوات أتميس من الصومال اختبار صعب أمام المتجمع الدولي

 يقف المجتمع الدولي اليوم أمام اختبار صعب ، فإما أن يصدّق على أقوال بعض الصوماليين بأنه وراء استمرار الأزمة الصومالية  لأكثر من 30 عاما أو يكذبه. إذا قرر المجتمع الدولي اليوم بعد سنوات من الجهد المضني  لتحسين الوضع  الأمني والسياسي في الصومال وإعادة بناء الدولة الصومالية، سحب القوات الأفريقية لحفظ السلام من الصومال فإن هذا لدليل واضح على أن المجتمع الدولي لم يكن في وقت من الأوقات جادا في جهود إنقاذ الشعب الصومالي من براثين الحرب وويلات الاقتتال الداخلي وانما كان سعيه من أجل حماية وطمأنة بعض الدول المجاروة وخاصة  كينيا وإثيوبيا أو لتحقيق مصالحه الخاصة؛ لأن  سحب قوات أتميس في هذه التوقيت لن يؤدي سوى عودة الصومال إلى المربع الأول ويتخلى الشعب الصومالي أمام خيارين أحلاهما مر دخول قوات حركة الشباب إلى العاصمة  مقديشو أو عودة الحرب الأهلية، وظهور أمراء الحرب من جديد.

صحيح أن الصومال بدأت تتعافى من آثار الحرب الأهلية وتسير على الدرب الصحيح نحو بناء الدولة دولة القانون الا أنه في حقيقة الأمر   فالوضع في الصومال هش وقابل للإنهيار في أي لحظة،  وأن جميع أسباب وعوامل انهيار الدولة الصومالية عام 1991 والحرب الأهلية التي عقبتها ما تزال قائمة ومائلة أمام المجتمع الصومالي .  فالسلاح مازال بيد الشعب والقبائل ، والصراع العشائري على الأرضي والنفوذ والكلاء والماء مستمر ، ومتجدد في المناطق التي تم تحريرها من مقاتلي حركة الشباب والأهم من ذلك كله فالتفكير القبلي هو المسيطر على عقيلة الفرد الصومالي سواء أكان مسؤولا  أو موظفا حكوميا  أو شخصا عاديا، وبالتالي فان قرار المجتمع الدولي بشأن تسليم المسؤولية الأمنية بشكل كامل للقيادات الصومالية في هذا التوقيت ودون تحسن جلي وواضح في المسار السياسي والأمني لا شك فإنه يقود البلاد نحو مصير مجهول ويترك الباب مفتوحا أمام كل الإحتمالات السيئة والخطيرة.

إضافة إلى ما سبق فإن هناك عامل آخر جدير بالإهتمام يتعلق بالحركات المصنفة دوليا بالمجموعات الإرهابية. فحركات الإسلامية المسلحة في الصومال وخاصة حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة قوية  وقادرة على ملء الفراغ الذي تتركه القوات الإفريقية لحفظ السلام ، وأنها تقف اليوم أمام بوابات العاصمة مقديشو الشمالية والجنوبية رغم الضربات الموجعة التي تلقتها منذ اعلان الرئيس حسن شيخ محمود الحرب عليها، وأن هناك معلومات تتحدث عن أنها تستعد في الوقت الحالي لما بعد انسحاب القوات الإفريقية وتكرار سيناريو افغانستان في الصومال. والجذير بالذكر هنا فإن طالبان تعترف بالنظام الدولي ومستعدة لإقامة علاقات مع دول العالم سواء الإسلامية أو غير الإسلامية، وتسعى لقبولها كعضو في اللعبة الدولية، لكن الأمر مختلف تماما بالنسبة لحركة الشباب فإنها  غير مستعدة للإنخراط في النظام الدولي ، ولذلك فإن سيطرتها على الصومال لا يجلب مشاكل داخلية فقط وانها تؤدي أيضا إلى تدخل دولي أو اقليمي يؤدي مرة أخرى إلى حرب دامية يدفع فيها الشعب الصومالي أثمانا باهظة كانت بالإمكان التفادي منها.

لا ننكر أن القوات الإفريقية لا يمكن لها أن تقبى في الصومال إلى الأبد ولا ننكر أيضا  خطورة استمرار دور المجتمع الدولي في الشأن السياسي   والذي يبدو في بعض الأحيان فجا وماسا بسيادة الصومال واستقلالية قرارات الشعب الصومالي وحكومته، غير أن هذين الدورين مهمان للغاية في الوقت الحالي ولا يمكن تعوضهما بسهولة، فوجود قوات الأفريقية في الصومال يطمئن المؤسسات الأمنية في الصومال وتعتبر مصدر مهم مساند للجيش الصومالي في وقت الحاجة وأن ما لديها من أسلحة كبيرة تجعل قيادات تنظيم الشباب تفكر ألف مرة قبل اتخاذ قرار  الهجوم على العاصمة مقديشو والاستيلاء عليها.

في موازاة ذلك فدور المجتمع الدولي يبعث أيضا رسالة طمأنة للسياسين الصوماليين المتنافسين وأن دورها الضاغط قادر على كبح جماح بعض السياسين ومنعهم من الإنفراد بالحكم واتخاذ قرارات تزعزع النظام الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.

وبالتالي ينبغي أن يقبى دور المجتمع الدولي  في الصومال قائما لفترة أطول وإلى أن يترسخ النظام الأمني والسياسي في البلاد وتتغير أفكار القيادات الصومالية تجاه مؤسسات الدولة وضرورة حمايتها وتتراجع دور زعماء القبائل  في الحياة السياسية ، وإلى أن يتم تقويض قدرات حركة الشباب العسكري وإعادة المناطق التي تخضع لسيطرتها إلى حضن الدولة.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى