وحدة الصومال ثابتة رغم اعتراف الكيان الصهيوني بقبيلة واحدة كدولة مستقلة

لكي تتجلّى الحقيقة الاجتماعية والسياسية لشمال الصومال، بعيدًا عن الشعارات والاصطفافات الإعلامية، لا بدّ من فهم دقيق لتركيبة الأقاليم الشمالية والقبائل الساكنة فيها، وذلك لتمييز من يحمل فعليًا مشروع الانفصال المزعوم، ومن يقف ضده حفاظًا على سيادة الدولة الصومالية.
وبالنظر إلى العاملين الاجتماعي والسياسي، وإلى طبيعة الولاءات — سواء للحكومة الفيدرالية الصومالية أو لفكرة الانفصال — يمكن تقسيم أقاليم شمال الصومال إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
أولًا: أقاليم الشمال الشرقي (سناغ وسول)
إقليم سناغ يُعدّ إقليمًا أثريًا واستراتيجيًا على المستوى العالمي، نظرًا لموقعه القريب من اليمن وباب المندب، ما يمنحه أهمية كبيرة في الملاحة البحرية الدولية. كما يتميز الإقليم بغنى موارده الطبيعية، من ثروات معدنية وبحرية، مما يجعله محورًا اقتصاديًا حيويًا في شمال الصومال.
أما إقليم سول، فيحتضن مدينة تليح، التي تُعدّ المركز التاريخي للقائد البطل سيد محمد عبدالله حسن، قائد الدراويش رحمه الله.
إضافة إلى ذلك، كانت تليح مركز المقاومة ضد محاولات فرض فكرة الانفصال على سكان الإقليم عام 2023م، مما يعكس دور الإقليم البارز في الحفاظ على الوحدة الوطنية والصمود أمام المشاريع الانفصالية.
يقطن إقليمي سناغ وسول في الغالب قبائل دارود، وعلى رأسها عشيرتا دلبهنتي وورسنغلي، إلى جانب قبائل أخرى غير دارودية، مثل فقيه شِني ومدبان، المنتميتين إلى قبائل الهوية، والمتحالفتين سياسيًا واجتماعيًا مع قبيلتي دلبهنتي وورسنغلي.
ويتميّز سكان هذه الأقاليم بولائهم الواضح لـ الحكومة الفيدرالية الصومالية، وقد تُوِّج هذا الموقف باعتراف الحكومة الصومالية بـ SSC-خاتمو بوصفها الولاية الفيدرالية السادسة، تحت مسمّى ولاية الشمال الشرقي، وذلك بعد صراعٍ طويل
ومكلف ضد المشروع الانفصالي، جسّد رفض هذه الأقاليم الخروج عن الدولة الصومالية الواحدة.
ثانيًا: إقليم أودل (بوابة البحر الأحمر)
يقع إقليم أودل على الحدود مع جيبوتي، ويضمّ المدينة التاريخية زيلع، ذات الموقع الاستراتيجي المتاخم للبحر الأحمر. وقد شكّلت زيلع، عبر القرون، ميناءً محوريًا في حركة التجارة والملاحة بين القرن الأفريقي والجزيرة العربية، وبوابةً للتواصل الاقتصادي والثقافي، فضلًا عن دورها البارز في انتشار الإسلام وربط الداخل الصومالي بالمراكز الحضارية في الحجاز واليمن.
وتسكن هذا الإقليم في الغالب قبائل دِر، ولا سيما عشيرة سمرون، إلى جانب قبيلة عيسى، التي تربطها علاقات قوية بجيبوتي، الداعمة لمصالحها السياسية والاجتماعية. وغالبًا ما تُبدي هذه القبائل مقاومة واضحة لفكرة الانفصال وتتحفّظ عليها صراحة.
ويُعرف سكان إقليم أودل بولائهم التاريخي لـ الدولة المركزية الصومالية، وبمواقفهم الثابتة في دعم الوحدة الوطنية. وعلى الرغم مما واجهوه من ضغوط وصعوبات متراكمة، فإنهم ما زالوا متمسّكين بفكرة الدولة الصومالية الموحّدة، ويبرز ذلك بشكل خاص لدى قبيلة سمرون، التي قدّمت تضحيات جسيمة في سبيل هذا الموقف، امتدّت لأكثر من ثلاثين عامًا ولا تزال مستمرة.
ثالثًا: أقاليم الشمال الغربي (توغدير -غالبا – والشمال الغربي)
تشمل هذه المنطقة إقليمي توغدير والشمال الغربي، وتندرج ضمنها مدينة هرجيسا، التي تُعدّ العاصمة الثانية للصومال تاريخيًا، والعاصمة السياسية الحالية للتيار الانفصالي، إلى جانب مدينة بربرة ذات الأهمية التاريخية والاستراتيجية.
وتسكن هذين الإقليمين في الغالب قبائل دِر، وعلى رأسها عشيرة إسحاق، إضافة إلى مدبان المنتمية إلى قبائل الهوية، وغيرها من القبائل.
ويُعدّ هذان الإقليمان الحاضنة الأساسية لفكرة الانفصال، إذ إن قبيلة إسحاق [الساكنة في وسط الشمال] وحدها هي التي تتبنّى هذا المشروع وتسعى إلى فرضه سياسيًا على بقية القبائل الساكنة في شمال الصومال، مستندةً إلى مرحلة الاستعمار البريطاني. غير أنّ هذا الاستناد لا يقوم على خصوصية تاريخية أو نسبية أو ثقافية أو دينية أو مذهبية تميّزها عن سائر القبائل الصومالية، بما يبرّر العزلة السياسية أو الانفصال عن الجسد الصومالي العام.
وعلى هذا الواقع السكاني والسياسي والاجتماعي، يتبيّن بوضوح أنّه لا وجود حقيقي لكيان جامع يمكن أن يُسمّى “جمهورية أرض الصومال”، إذ إن مطلب الانفصال يقتصر على قبيلة واحدة تسكن — في الغالب — إقليمين فقط من أصل خمسة أقاليم.
وبعبارة أدق، فإن هذا المشروع لا يمثّل شمال الصومال بتعدّده القبلي والاجتماعي، بل يقتصر على قبيلة واحدة من بين ما لا يقل عن سبع قبائل كبرى تقطن المنطقة، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدّية حول الشرعية والتمثيل، ويؤكّد أن الوحدة الصومالية ما تزال الخيار الأوسع حضورًا في الوجدان السياسي والاجتماعي لشعوب الشمال.
وبناءً على كل ما سبق، يتضح أنّ ما اعترفه الكيان الصهيوني في شمال الصومال لا يمثّل سوى قبيلة واحدة فقط، بعيدًا عن الحقيقة الاحتماعية والسياسية للمنطقة.
ويؤكّد هذا أن الوحدة الصومالية ما تزال الخيار الأوسع حضورًا في الوجدان السياسي والاجتماعي لشعوب الشمال، كما هو الحال لدى بقية الشعب الصومالي، الداعم للدولة الصومالية الموحدة أو حتى فكرة الصومال الكبير.

بقلم: علي أحمد محمد المقدشي

زر الذهاب إلى الأعلى