تشييد المناهج بين حُسن التّخطيط ودقّة التّطبيق


إنَّ المَنهَجَ التربويَّ ليسَ صَفْحَةً تُقْرَأ، ولا مَعلومةً تُلْقَى، بَل هو بِنْيَانٌ مُحْكَمٌ، وتَصَوُّرٌ مُنْتَظَمٌ، وخُطَّةٌ تَرْتَفِعُ بِالعَقْلِ وتُهَذِّبُ السُّلُوكَ وتُقَوِّمُ الِاعْتِقَادَ. فهو الإطارُ الشاملُ الذي تتضافَرُ فيه الخبرات، وتَتَراجَمُ من خلاله الأنشطة، وتُقَادُ بواسِطَتِه الطُّرُقُ التَّدْريسية؛ ليَصِلَ المتعلمُ إلى مَرَاتِبِ الفَهْمِ الرَّاسِخِ والعِلْمِ النَّافِعِ.
أركان المنهج:
ولِلْمَنهَجِ أركانٌ أربعةٌ لا يَقُومُ بغيرِها ولا يَتِمُّ إلا بها:
أوَّلُها الأهدافُ التربوية، وهي مَنارُ الطريقِ، وبوصلةُ البناءِ، والغَاياتُ التي تُرِيدُ المؤسسةُ التعليميةُ غَرْسَها في شخصيَّةِ المتعلم؛ عقلًا وسلوكًا واتجاهًا.
وثانيها المحتوى؛ بما يحويهِ من معارفَ ومفاهيمَ وخِبْراتٍ وقِيَمٍ، تُشكِّلُ لُبَّ الرِّسالةِ التعليميةِ وجَوْهَرَها.
وثالثُها طرائقُ التدريس؛ وهي الجُسُورُ التي يَعْبُرُ عليها المتعلمُ من دائرةِ التلقِّي إلى آفاقِ الفَهْمِ والإبداعِ والتَّطْبِيق.
ورابعُها التقويم؛ الذي يُقَدِّرُ النُّضْجَ، ويَقيسُ المُحْتَوَى المُكتَسَبَ، ويُحَدِّدُ مواطِنَ القُوَّةِ والضَّعْفِ؛ استكمالًا لمسيرةِ التطوير.
وتأتي العناصرُ التَّفْصيلية لتُتِمَّ البُنيانَ وتُحْكِمَ النِّظامَ؛ فالأنشطةُ التعليميةُ تُثيرُ الدافعية، والوسائلُ تُيَسِّرُ الفَهْمَ وتُقَرِّبُ البعيد، والمعلمُ مُوَجِّهٌ خَبِيرٌ، والمتعلمُ هو المِحْوَرُ الذي من أجلِه تُشَيَّدُ الأهدافُ وتُبْنَى المناهج. أمَّا البيئةُ التعليميةُ فهي الرِّحابُ التي يَنْمو فيها التعلُّمُ، وتَزْدَهِرُ فيها القُدُراتُ والإمكانات.
الخلاصة:
فالمَنهَجُ خُطَّةٌ مُتقَنَةٌ تُقَوِّمُ الفِكْرَ،
وبِنْيَةٌ مُحكَمةٌ تُهَذِّبُ السَّيْرَ،
ورِسالةٌ ساميةٌ تُشَكِّلُ العَقْلَ وتُصْلِحُ الخُلُقَ وتَبْنِي العُمْرَ.

وبذلك يتحقَّقُ المقصودُ من العمليةِ التربويةِ: صُنْعُ مُتعلِّمٍ مُؤهَّلٍ، وشخصيةٍ مُتكاملةٍ، ومجتمعٍ يَرْتَقِي بالعلمِ والعملِ والأخلاق.
الخاتمة
وفي خِتامِ هذا البَيانِ، يتبيَّنُ أنَّ المَنهجَ التربويَّ ليسَ جُزءًا مُتفرِّقًا ولا عُنصُرًا مُنعزلًا، بَل هو نِظامٌ مُتكامِلٌ تُسندُه الأركانُ، وتُقوِّيهِ العناصرُ، وتَرْفَعُ بِنَاءَهُ خِبراتٌ تُصاغُ بحكمةٍ واقتدار. فإذا انضبطَتْ أهدافُه، وارتقَى محتواه، وحَسُنَتْ طرائقُ تدريسه، ودَقَّ تقويمُه؛ تَحَقَّقَ للمتعلمين نُمُوٌّ واعٍ، وفَهْمٌ راسِخٌ، وسُلُوكٌ مُهَذَّبٌ.
وهكذا يَبقَى المَنهجُ سِراجًا يَهْدي، وبِناءً يَسْمو، وطريقًا يَصنعُ العِلْمَ ويُؤَسِّسُ النَّهْضَةَ؛ تُشيِّدُه المؤسساتُ الرَّشيدة، ويُفعِّلُه المعلِّمُ الخبير، ويَجني ثِمارَه المتعلمُ الطامِح. وبتمامِ ذلك يَتَحَقَّقُ المقصودُ الأسمى من التربيةِ والتعليم: إعدادُ إنسانٍ صالحٍ، وعقلٍ راشدٍ، ومجتمعٍ يَحيا بالعِلْم ويَرْتقي بالقِيَم.
وكتبه /عبدالرشيد محمد يوسف

زر الذهاب إلى الأعلى