قلب طيب

قرأت في شبابي روايتين لفيكتور هوغو تركتا في نفسي اثرا راسخا: “البؤساء” و”أحدب نوتردام”. غير ان “الأحدب” ظل الأقرب إلى قلبي؛ لأنه طرح سؤالا واحدا: أين يتجلى الجمال؟ أفي الملامح، أم في الروح؟

“كوازيمودو” كان مخلوقا على الحافة: قبيحا، أحدب، منبوذا. تنفر منه العيون وتعرض عنه الوجوه، ومع ذلك كان يحمل قلبا لا يعرف سوى الرحمة. أحب “أزميرالدا” حبا صافيا، دافع عنها وضحى لأجلها، وهو يدرك أن صورته لا تمنحه حق الحب، لكن قلبه منحه حق التضحية.

ومن أبلغ مشاهد الرواية ذلك الموقف حين ساق القدر “أزميرالدا” إلى زنزانة مظلمة تنتظر فيها حكم الموت. هناك، وسط العطش واليأس، اقترب منها “الأحدب” حاملا جرة ماء. مدها إليها بصمت وارتجاف، ثم وضعها بين يديها المرتعشتين. شربت وهي تبكي بمرارة، فنظر إليها بعينين غارقتين في الحزن، كأنه يقول: قد لا أقدر على إنقاذك لكنني أستطيع ان أمنحك الحياة لحظة واحدة. كان ذلك المشهد إعلانا صامتا عن قلب يفيض رحمة.

وقد ازدادت صورة “كوازيمودو” خلودا حين جسدها “أنطوني كوين” في فيلم بإخراج “جان ديلانوي”. ممثل عالمي الحضور، غلبت صرامة ملامحه وقوة أدائه على الشاشة، فظهر في دور “الأحدب” مزيجا من الوحشية والبراءة. وإلى جانبه تألقت “جينا لولوبريجيدا” بوجهها المشرق وحضورها الآسر، فكانت “أزميرالدا” رمزا للجمال الذي يأسر العيون ويضاعف مأساة “الأحدب” عمقا.

لم تخلد الرواية لجمال اسلوبها فحسب، بل لبساطتها العميقة التي لا تزول. فالقبح ليس في الأجساد المنحنية، بل في القلوب التي تجف من الرحمة. والجمال ليس في الملامح التي تخدع الابصار، بل في القدرة الصافية على الحب والعطاء.

ولعل ما تعلمته من هوغو ان القلب، لا الوجه، هو السيرة الباقية للإنسان.

إلى اللقاء

عبد الرحمن غوري

عبدالرحمن غوري باحث في الأدب والفلسفة
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى