أولاً: جذور النزاع — إرث التقسيم والدماء
بدأت الأزمة بين الهند وباكستان مع ولادة الدولتين إثر تقسيم شبه القارة الهندية سنة 1947. تقاسمت الدولتان ميراثاً ملطخاً بالدماء، تمثل في قضية جامو وكشمير، حيث ادعت كل منهما السيادة على الإقليم. منذ ذلك التاريخ، اندلعت بينهما أربع حروب (1947، 1965، 1971، 1999)، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، وأبقت الإقليم في حالة نزاع دائم.
تصاعد التوتر منذ عام 2019 بعد قرار الحكومة الهندية إلغاء الوضع الخاص لكشمير (المادة 370 من الدستور الهندي)، ما اعتبرته باكستان تغييراً قسرياً للواقع الجغرافي والديموغرافي للمنطقة المتنازع عليها. ومنذ ذلك الحين، تحولت الاشتباكات الحدودية والمناوشات إلى جزء من المشهد اليومي.
ثانياً: التدخلات الدولية — لعبة المصالح الكبرى
منذ نشوء الأزمة، لعبت القوى الدولية أدواراً متباينة في تأجيج الصراع أو محاولة احتوائه:
- الولايات المتحدة — لاعب التوازن الحذر
تتبع سياسة توازن معقّدة. تدعم الهند كشريك استراتيجي في مواجهة الصين، لكنها في الوقت ذاته تحافظ على علاقات أمنية مع باكستان نظراً لدورها في أفغانستان ومحاربة الإرهاب خاصة بعد الانسحاب من أفغانستان.
التقييم الراهن كما يراه المحللون: واشنطن تدعم الهند في قضايا مكافحة الإرهاب وتوازن الصين، لكنها لا ترغب في تفجير نزاع شامل قد يدفع باكستان أكثر نحو بكين ويزعزع الاستقرار الإقليمي.
التصرف المتوقع: ستحاول لعب دور الوسيط غير المعلن، وستمارس ضغوطاً على الطرفين لاحتواء التصعيد، مع تحذير خاص ضد أي استخدام للسلاح النووي.
- الصين: هي الحليف الاستراتيجي الأول لباكستان، خاصة في مجالات الدفاع والبنية التحتية والطاقة (مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني CPEC). وتعد خصماً استراتيجياً للهند، خاصة في ظل النزاعات الحدودية بين بكين ونيودلهي.
الموقف الراهن بحسب تقدير المحللين، بكين تفضل عدم اندلاع حرب شاملة لأن ذلك يهدد استثماراتها في باكستان ويؤثر سلباً على استقرار الحدود الصينية الهندية.
التصرف المتوقع: ستضغط دبلوماسياً على إسلام آباد لضبط النفس، مع استعداد لتعزيز المساعدات الدفاعية حال وقوع تصعيد كبير.
- روسيا: تاريخياً أقرب إلى الهند، لكنها مؤخراً توازن بين الطرفين بسبب تقاربها مع باكستان ضمن ترتيبات الأمن الإقليمي.
- القوى الخليجية (السعودية، الإمارات، قطر): تسعى للحفاظ على استقرار جنوب آسيا، وتلعب دوراً دبلوماسياً بين نيودلهي وإسلام آباد، لاسيما مع وجود جاليات كبيرة وأهمية العلاقات الاقتصادية مع الطرفين.
ثالثاً: مواقف الطرفين — تصلب استراتيجي وتحولات عقائدية
الهند: بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، تتبنى حكومة قومية هندوسية متشددة (الهندوتفا). ترفض التفاوض حول كشمير وتؤكد أنها “مسألة داخلية”، مع استعداد واضح لاستخدام القوة لمنع أي محاولة انفصالية أو تدخل باكستاني.
باكستان: تعتبر كشمير جوهر هويتها القومية والدينية. القيادة العسكرية والمدنية في إسلام آباد تتبنى موقفاً داعماً لحقوق الكشميريين في تقرير المصير، مع الحفاظ على خيار “الدفاع الحازم” ضد أي اعتداء هندي.
رابعاً: القدرات الهجومية والدفاعية للطرفين — ميزان الردع النووي والتقليدي
الهند: قوة تقليدية متفوقة: أكبر ميزانية دفاع في جنوب آسيا، قوات برية ضخمة، أسطول جوي متقدم (رافال الفرنسية، سو-30 الروسية).
قدرات نووية: رؤوس نووية استراتيجية وتكتيكية، منظومة صواريخ متقدمة (أغني، براهموس).
درع دفاعي: مشروع منظومات الدفاع الصاروخي (S-400 الروسية، DRDO محلية الصنع).
باكستان: قوة تقليدية أقل حجماً لكن فعالة: جيش بخبرة قتالية عالية خاصة في الحروب غير المتناظرة.
قدرات نووية: ترسانة ردع معتبرة مع صواريخ شاهين وبابر القادرة على بلوغ عمق الهند.
الاعتماد على العقيدة النووية التكتيكية: لمنع تفوق الهند التقليدي وتهديد أي توغل واسع.
احتمالات السيناريوهات التوتر الحالي — قراءة استراتيجية
النسبة التقديرية | الوصف | السيناريو |
50% | اشتباكات محدودة بدون حرب شاملة | استمرار التوتر بضبط النفس |
30% | اشتباك عسكري محدود (مثل كارجيل) | مواجهة تقليدية محدودة |
15% | صراع عسكري واسع النطاق 15% | حرب تقليدية شاملة |
5% أو أقل | استخدام أسلحة نووية تكتيكية | استخدام نووي محدود |
ملاحظة: النسب مبنية على تقديرات المحللين العسكريين والخبراء في شؤون جنوب آسيا حتى مايو 2025، وهي قابلة للتغير إذا ظهرت محفزات جديدة أو أحداث غير متوقعة.
وبتأكيد أن التوتر الحالي بين الهند وباكستان يحمل بذور الانفجار، لكن الردع النووي والتكاليف الاقتصادية والضغوط الدولية تشكل حواجز مهمة أمام انزلاق الأمور إلى حرب شاملة. العامل الأخطر هو احتمال وقوع خطأ تكتيكي أو هجوم إرهابي قد يفرض على أحد الطرفين رد فعل يصعب احتواؤه.
على القوى الكبرى، خاصة الصين والولايات المتحدة، أن تعزز جهودها لخلق قنوات اتصال مباشرة بين الطرفين، لأن غياب الحوار هو السلاح الأخطر في هذا النزاع.
كاتب ومحلل سياسي الصومالي
Abdulkadirali20261@gmail.com