الموناليزا.. الابتسامة التي أربكت العقول

الفارق بين لوحة الموناليزا وغيرها من اللوحات أن الأولى لغز مفتوح، لا يفسره النظريات، ولا تحسمه القراءات. رسم ليوناردو دافنشي وجها لكنه صنع سؤالا. كان يمكن أن تكون مجرد بورتريه عادي لليزا جوكوندو، لكن عبقريته جعلت منها شيئا آخر، إحساسا غامضا، ابتسامة تتغير وفق زاوية الرؤية، وعينين تلاحقانك مهما تحركت أمامهما.

لم يكن دافنشي مجرد رسام، كان عالما في الألوان، ودارسا للجسد البشري، ومراقبا للضوء والظل. كان يدرك أن الوجوه تحمل أكثر مما تبوح به، وأن السر يكمن في التفاصيل التي لا تقال. ابتكر تقنية السفوماتو، حيث تتلاشى الحواف بين الضوء والظلام، ليخلق تأثيرا يجعل الموناليزا تنبض بالحياة وكأنها تتنفس.

منذ أكثر من خمسة قرون، والناس يقفون أمامها محاولين فك شيفرتها. هل تبتسم سخرية أم حنينا؟ هل تخفي سرا أم تفشيه؟ كل لوحة أخرى تمنحك إجابة، إلا هي تمنحك سؤالا جديدا في كل نظرة. ولهذا لم تكن مجرد لوحة، بل كائنا حيا يقاوم الزمن.

حملها دافنشي معه إلى فرنسا، وكأنها لم تكن مجرد عمل فني، بل رفيقة عمر. ظل يعدلها وينظر فيها من جديد، وكأنه لم يقتنع قط بأنها مكتملة. لم تكن مجرد بورتريه، بل فلسفة في صورة، تجربة بصرية لا تكررها أي ريشة أخرى.

في الخلفية، مشهد ضبابي لا ينتمي إلى مكان محدد. كأنه امتداد لحالة اللايقين التي تملأ اللوحة. منذ قرون، والعالم يحاول تفسيرها، لكن ربما كان الأجدر أن نتساءل: هل نحن من نبحث عن إجابة، أم أن الموناليزا هي من تتأملنا دون أن تبوح بشيء؟

أقول قولي هذا وأشتاق لزيارة اللوفر لأقف أمام الموناليزا وجها لوجه، وأتأمل تلك الابتسامة التي أربكت العقول، عسى أن أجد فيها ما يكشف سرّها.

إلى اللقاء

عبد الرحمن غوري

عبدالرحمن غوري باحث في الأدب والفلسفة
زر الذهاب إلى الأعلى