السياسة الانعزالية لترامب تثير القلق على مستقبل العلاقات الصومالية الأمريكية

القاهرة: صفاء عزب

قبل انتخاب دونالد ترامب ونجاحه في السباق الرئاسي على منافسته بالحزب الديمقراطي، صاغ مجموعة من الجمهوريين من أنصاره مشروع 2025 أو ما يعرف بمشروع الانتقال الرئاسي الذي يتضمن أهداف ترامب التي ينبغي تحقيقها خلال المائة يوم الأولى من تواجده في البيت الأبيض. وقد حمل هذا المشروع نقاطا مهمة تتعلق بالشأن الصومالي واستقراره وتمس سيادته على المناطق الراغبة في الانفصال. من بين أهداف المشروع التي صاغها الجمهوريون في ورقتهم اعتراف واشنطن رسميا بأرض الصومال وذلك لتسهيل إحياء التواجد الأمريكي بها لمواجهة النفوذ الصيني في جارتها جيبوتي والتي تجتمع فيها قاعدتان عسكرية صينية وأمريكية معا بشكل يشعل الصراع بالمنطقة. كما تتوافق السياسة الأمريكية بتعزيز أرض الصومال لعلاقتها مع تايوان حليفة أمريكا ضد الصين. ومن ثم يرى الجمهوريون أن هناك مصلحة لهذا الهدف ضمن قائمة أهداف مشروع الانتقال الرئاسي باعتبار أن المصالح هي المحرك الأول لسياسات الدول.

أمريكا أولا!!

وبصرف النظر عن نفي أو تأكيد ترامب لإقدامه على هذه الخطوة مستقبلا، فإنها تعطي مؤشرات مثيرة للقلق حول ملامح العلاقات الصومالية الأمريكية مع تولي الإدارة الجديدة بقيادة ترامب والذي كانت له تجربة رئاسية سابقة لاتبعث على الارتياح بسبب منطقه النفعي وسياسته المتحيزة لانكفاء الولايات المتحدة على نفسها وعدم اكتراثها بما يحدث في العالم تحت شعاره الذي لازال يرفعه وهو شعار “أمريكا أولا”، وتهميشه للقارة الإفريقية طالما أنه لا توجد تهديدات مباشرة لمصالحه. وهو ما بدا واضحا عندما أعلن خلال فترة رئاسته الأولى عن سحب القوات الأمريكية من الصومال قبل أن يعيدها بايدن. وتعتمد سياسات ترامب التي كشف عنها في حملته الانتخابية على تقليص المساعدات والهجرة وإلغاء قانون “أجوا” الذي يقدم فرص النمو للقارة الإفريقية والذي ينتهي العمل به هذا العام بما يعني قيام الإدارة الأمريكية الجديدة بفرض رسوم جمركية على جميع السلع المستوردة لدعم السلع المحلية. ومع بدء العد التنازلي لاستعادة ترامب لمقعده الرئاسي بالبيت الأبيض يثور التساؤل من جديد: هل تتكرر نفس سياسات ترامب السلبية في ولايته الأولى تجاه القارة السمراء وتجاه الصومال؟ وهل سيلقي ذلك بظلاله على مستقبل بعثة حفظ السلام Aussom التي تعد واشنطن من أكبر داعمي جهودها في الصومال؟!

واقع الحال أن هناك أهمية مشتركة ومتبادلة لدى كل من الصومال والولايات المتحدة الأمريكية ولابد أن ننظر لمستقبل العلاقات في ضوء ذلك دون الإسراف في التفاؤل أو التشاؤم.

تعاون عسكري وأمني حيوي

والانطلاق للمستقبل يكون تأسيسا على الواقع الحالي، والذي يشهد علاقات وطيدة وتعاون كبير بين الصومال والولايات المتحدة الأمريكية خاصة في المجال العسكري والأمني وماكان يحدث ذلك لولا أن الصومال يعني الكثير بالنسبة لأمريكا لموقعه في منطقة حيوية تعد ساحة للحرب الباردة بين أمريكا وخصومها السياسيين خاصة الصين وروسيا وهو ما أكدته ورقة بحثية لمركز بروكينجز . وقد انعكست الأهمية الكبرى لهذه العلاقات على اتجاه جهات علمية أمريكية لتناولها بالبحث والدراسة ومثال ذلك جامعة براون الأمريكية التي انتهت في دراسة لها إلى أن إجمالي ما أنفقته الولايات المتحدة على محاربة الإرهاب في الصومال يتجاوز 2.5 مليار دولار ما بين عامي 2007 وحتى 2020. وفي عام 2019 قامت الولايات المتحدة  ب63 ضربة جوية بالصومال باستخدام قاعدتها ليمونين في جيبوتي لإطلاق المسيرات، وهو ما يكشف المدى الزمني الطويل للتعاون بين الطرفين والذي لازال مستمرا للحظة. فمنذ مايو 2022 يوجد 450 جندي أمريكي لإعطاء المشورة للجيش الصومالي بجانب وجود تفاهم أمريكي صومالي مشترك أن يقوم البنتاجون ببناء 5 قواعد عسكرية لتدريب قوات داناب جنوب البلاد حيث تزداد احتمالات نشاط جماعة الشباب. كما تسهم هذه القواعد في رفع مستوى القدرات الاستخباراتية الميدانية وتيسير التواصل مع عشائر المنطقة للنجاح في تحقيق أهداف القضاء على الإرهاب. و”داناب” أو البرق باللغة المحلية الصومالية نموذج للتعاون الصومالي الأمريكي العسكري الذي أنشئ عام 2014 ويحتوي على 1500 جندي قابلة للزيادة ضمن خطة البنتاجون لمضاعفة الرقم لزيادة كفاءة عمليات مواجهة الإرهاب. واستمر التعاون حيث نفذت واشنطن 19 ضربة جوية خلال عام 2023.

في شهر نوفمبر من العام الماضي 2024 تم توقيع اتفاقية مشتركة لإعفاء الصومال من ديون تجاوزت المليار دولار، وبدا التوافق بين البلدين بإشادة السفير الأمريكي بمقديشو بالتزام الصومال بالإصلاحات الاقتصادية وما يتطلبه من قوانين جديدة وتعزيز للملفات المالية والتنمية البشرية. وقد سبق ذلك لقاء جمع بين رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي مع سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد وذلك على هامش المشاركة الصومالية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو اللقاء الذي تناول تعميق الشراكة  الاستراتيجية بين البلدين وأكدت السفيرة على دعم بلادها للصومال في حربه ضد الإرهاب كما تطرق اللقاء إلى المشروعات التنموية خاصة في مجال البنية الأساسية والتعليم والرعاية الصحية.

وفي ديسمبر الماضي أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن ترحيبها واحتفائها بالاتفاق التاريخي بين الصومال وإثيوبيا برعاية تركية مؤكدة على دعمها المستمر لهذا التعاون لإرساء الأمن والسلام بالمنطقة وقدمت أمريكا الشكر لتركيا، ما يعكس التفاهم المشترك بين كافة الأطراف بما فيها الصومال وأمريكا.

وقد أفاد الصومال من التعاون مع الولايات الأمريكية سواء فيما يتعلق بالمساعدات المالية أو العسكرية حيث تتواجد قوات الجيش الأمريكي في قاعدة بيلدوجلي والتي تقدم التدريب والرواتب والحصص الغذائية لجنود لواء داناب الذي تم تدريبه لمواجهة جماعة الشباب الإرهابية. وعلى الرغم من اعتراض بعض الصوماليين على الأداء الأمريكي العسكري في بلادهم، إلا أن الحفاظ على علاقات معقولة مع أمريكا هو أمر مطلوب لضمان مزيد من الدعم خاصة وأن البلاد لازالت في فترة حرجة على كافة الأصعدة.

البحث عن بدائل

وعلى الرغم من سياسة ترامب الانعزالية التي تفضل تركيز الاهتمام على الشأن الداخلي وتوفير قواتها العسكرية ونفقاتها في إفريقيا لتوجيهها لمنطقة المحيط الهادي التي تشهد صراعا محموما مع خصمها السياسي اللدود الصين، إلا أن أمريكا لا يمكن أن تهمل الوضع الأمني في القرن الإفريقي وتتسبب في حالة فراغ قد تؤدي لنشاط إجرامي يهدد مصالحها أو مصالح حلفاءها.

ومن ثم فإن طبيعة وحجم وثقل التواجد الأمريكي بالمنطقة ودرجة الاهتمام تتوقف كلها على طبيعة التغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تؤثر على مصالحه ولأن هناك تطورات وأحداث ساخنة بمنطقة الشرق الأوسط يمتد تأثيرها إلى المنافذ البحرية على البحر الأحمر وتكرار حوادث استهداف السفن التجارية والقواعد العسكرية فإن هناك حاجة ضرورية لاستمرار الدعم الأمريكي واحتفاظ ترامب بعلاقة وثيقة مع الصومال صاحب الموقع الاستراتيجي في تلك المنطقة الساخنة والتي قد يتطلب الأمر التواجد فيها لمواجهة الحوثيين وكذلك محاربة جرائم القرصنة والتهديدات الأمنية لحركة التجارة الدولية.

لذلك قد يعيد ترامب النظر في سياسته الانعزالية بشكل يدعوه لتبني موقف أكثر براجماتية خاصة في ظل المزايا الاقتصادية والجيوستراتيجية التي يتمتع بها الصومال بشكل يحفز على الاستفادة منها لتعظيم المكاسب الأمريكية في المنطقة. ولكن ما يخشاه هو رفض الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون أيضا استمرار تقديم المزيد من المساعدات وفق منهج التقليص الذي يتبناه الحزب مع الرئيس ترامب.

في المقابل ينبغي على الإدارة الصومالية اعتماد سياسة عدم الارتكان إلى جهة دولية واحدة مع ضرورة التحرك غربا وشرقا أيضا لفتح آفاق جديدة من التعاون القائم على مصالح البلاد بحثا عن الفرص البديلة السريعة في حال تراجع الدعم الأمريكي وسحب يده من المنطقة.

صفاء عزب

كاتبة وصجفية مصرية
زر الذهاب إلى الأعلى