تناول الرئيس الصومالي السيد الدّكتور حسن شيخ محمود، في كلمته أمس الجمعة بمسجد داخل القصر الرئاسي في مقديشو، المستجدّات والتطورات في العلاقات المتوترة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وولاية جوبالاند جنوب الصومال.
جذور الأزمة وأسبابها:
استرسل السيد الرّئيس في الحديث عن جذور الأزمة الرّاهنة بين الحكومة المركزية والولاية الإقليمية “جوبالاند”، موضّحا أنها ضاربة في التّاريخ التأسيسي والتشكيلي لهذه الولاية في أواخر عام 2012م.
وهنا ذكر السيد الرئيس، أن حكومته في ولايته الرئاسية الأولى، علمت بجهود إقليمية لإقامة كيان يتولّى إدارة جوبالاند، تتزعمها منظمة إيغاد، فبعثت حكومته بسفيرها لدى نيروبي آنذاك لاستقصاء المعلومات، ولإبلاغ الجهات أنه قد انتهى وقت حل مشاكل الصومال في الخارج عبر وسطاء غير صوماليين، فنُقلت هذه المساعي إلى الدّاخل، لكن لم تؤت ثمارها، مما اضطر العودة إلى الخارج، وخاصة هذه المرة إلى أديس أبابا، وتم الاتفاق على عدّة بنود، لكن أحمد مذوبي خرق هذه الاتفاقيات، وتولى زعامة جوبالاند بطريقة غير متّفق عليها، لكن صونا للوحدة، وانشغال الحكومة بتشكيل الولايات الإقليمية ومكافحة “الشباب” غُضّ الطرف عن أخطاء أحمد مذوبي، وسُنحت له فرصة قيادة جوبالاند بشكل مؤقت لمدّة عامين يحضّر فيها لانتخابات، وتتولّى فيها الحكومة الفيدرالية إدارة ميناء ومطار كسمايو، وبعد مدّة احتج بأن مصادر الولاية ومواردها المالية محدّدة جدا فطلب ردّ إدارة الميناء إليه ومن ثم المطار. وبعدها أجرى انتخابات تم قبولها على مضض، ثم جاءت انتخابات 2019م، التي يعرف الجميع حالها.
وأشار السيد الرّئيس إلى أن حكومته ارتأت عقب وصولها إلى سدّة الحكم في 2022م، أنها ستواجه أزمة الانتخابات الإقليمية في كل عام، مما يعيق تحقيق أولوياتها، فتبنت سياسة توحيد الانتخابات بدءا من انتخابات البلديات والمجالس المحلية، وانتخابات الولايات الإقليمية كمرحلة أولية، ثم الانتخابات الفيدرالية كمرحلة ثانية، وتم الاتفاق على ذلك سياسيا بين أعضاء المجلس الوطني الاستشاري، غير أن إجازات البرلمان في رمضان وعيدي الفطر والأضحى، أدى إلى عدم استكمال التشريعات اللازمة في هذا الاتّجاه.
أسباب الأزمة الرّاهنة:
اتّخذ السيد أحمد مذوبي قرارا بإجراء تعديلات في بعض مواد دستور الولاية، ليتولى رئاسة الولاية في المرّة الثالثة، إذ إن دستور الولاية كان ينص على أنه لا يستحق الشخص تولي رئاسة الولاية لأكثر من فترتين رئاسيتين، ونقض بذلك اتفاقه مع معارضيه في 2019م، الّذين طمأنهم حينها، بأن هذه المرة هي المرّة الأخيرة وفقا للدّستور وأنه لن يترشح لولاية ثالثة، حسبما صرّح به الرئيس.
في الاجتماع الأخير من اجتماعات المجلس الوطني الاستشاري، جاء السيد أحمد مذوبي باقتراحين لا مجال لهما في هذا الاجتماع الّذي كان هدفه تعزيز الاتفاقيات السياسية وتقديمها إلى البرلمان فقط، لكنه اقترح بالتراجع عن إجراء الانتخابات المتفق عليها في الاجتماعات السابقة بسبب انتهاء التفويض إذ كان الاتفاق على إجراء هذه الانتخابات في نوفمبر 2024م، لكن أحمد مذوبي لم يتساءل مصدر هذا التفويض الّذي هو اتفاق سياسي بين غالبية أعضاء المجلس الوطني الاستشاري، ويمكن تجديده من قبلهم.
أما اقتراحه الثاني فكان تقسيم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود إلى مستويين فيدرالي وولائي، تتولى الأولى إجراء الانتخابات الفيدرالية والثانية إجراء الانتخابات الإقليمية، وهذه من مظاهر الانتخابات غير المباشرة.
باءت جميع محاولات إقناع السيد أحمد مذوبي بالتنازل عن مواقفه بالفشل، على الرغم من مخالفته لأغلبية أعضاء المجلس، ومن ثم قرّر الانسحاب عن المؤتمر متعللا بأنه مريض وأن لديه أشغال أخرى في كسمايو، وأنّه قدم رأيه ورؤيته تجاه هذه القضية.
وبعدها اتّخذ خطواته تجاه الانتخابات الأخيرة التي شهدتها مدينة كسمايو، ضاربا بذلك عرض الحائط كل الاتفاقيات السابقة.
ترحيل القوات إلى مناطق في جوبالاند:
ونطرّق الرئيس في خطابه إلى التحدّث عن القوات التي تنقلها الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى مناطق في جوبالاند، مبيّنا أن حكومته لن تلجأ إلى الخيار العسكري للوصول إلى حلّ سياسي، لكنه من غير المنطق، رفض وصول الجيش الوطني إلى مناطق في البلاد، خاصة وأنه يتسلّم المهام من قوات الأتميس المنسحبة من البلاد، وهذا هو هدف وصول هذه القوات إلى “راس كمبوني”.
سيطرة أحمد مذوبي على مناطق الولاية وعلاقته” بسكانها:
أعلن السيد حسن شيخ محمود أن “أحمد مذوبي لم يستطع تحرير قرية واحدة في محافظة جوبا الوسطى وهو يدخل عامه الـ 14 في زعامة الولاية، بل إنّه لم يخرج عن كسمايو إلى جهة أخرى ولم يحاول. وأخرج الآن من المستودعات السلاح الّذي وجده من العالم بعدما أشيع محاربة الجيش الوطني الصومالي”.
وفيما يتعلّق بعلاقته مع محافظة غيذو فقد ذكر السيد الرئيس أن “أحمد مذوبي لم يزر غيذو على الإطلاق، وليس ذلك بسبب عدم رغبة سكان غيذو بالبقاء في إدارة ولاية جوبالاند، وإنما في رغبتهم عن قيادة أحمد مذوبي…”.
بقاء أحمد مذوبي في السلطة:
أكّد السيد الرئيس حسن شيخ محمود، عدم قبول بقاء أحمد مذوبي في السلطة لـ 5 سنوات أخرى بدون إنجازات عسكرية أو إصلاحات اجتماعية، متسائلا السبب الّذي أريق من أجله الدّماء –إبان المعارضة المسلحة ضد النظام العسكري السابق- إذا كان يمكن بهذه السهولة بقاء شخص في السلطة لمدّة 18 عاما دون إنجازات!
ودعا السيد الرّئيس سكان الولاية إلى استذكار ومراجعة التاريخ القيادي لأحمد مذوبي طوال السنوات الـ 13 الماضية، موجها لهم سؤالا حول وحدة سكان الولاية وتماسكه، وتحرير مناطق الولاية من قبضة “الشباب” في ظل إدارة أحمد مذوبي لهذه المناطق.
إجراء الانتخابات المباشرة:
جدّد السيد الرئيس تعهّده بإجراء انتخابات مباشرة في الموسم الانتخابي المقبل، مادامت بقية مناطق البلاد آمنة، وأن انتخابات البلديات والمجالس المحلية هي أولى هذه الانتخابات إجراءً.
وأكّد السيد الرّئيس أن باب الحوار مفتوح دائما وأبدا، معربا عن استعدادهم للذهاب إلى أي منطقة تدعوهم إلى الحوار، كما يدعون هم –أيضا- الآخرين إلى الحوار، لكنه عبّر عن امتعاضه وعدم رغبته في نقل الحوار الصومالي –الصومالي إلى الخارج.
هذا، ويأتي خطاب السيد الرئيس حسن شيخ محمود، في تفاقم الأزمة السياسية بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وولاية جوبالاند جنوب الصومال، وذلك منذ إعادة انتخاب السيد أحمد مذوبي رئيسا للولاية في المرّة الثالثة، عبر انتخابات شهدتها مدينة “كسمايو” في الـ 25/نوفمبر-تشرين الثاني/2024م، لكن الحكومة الفيدرالية لم تعترف بهذه الانتخابات وبنتائجها، لمخالفتها للدستور ولقوانين البلاد والاتفاقيات السياسية المبرمة بين غالبية أعضاء المجلس الوطني الاستشاري.