القاهرة: صفاء عزب
عندما تم انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود توسم الجميع خيرا في تحقيق انفراجة وحلحلة للأزمة المستحكمة في الصومال سيما وأنه كان يمر بمأزق كبير نتيجة لتأجيل الرئيس السابق محمد فرماجو إجراء الاستحقاق الدستوري الخاص بانتخابات الرئاسة أكثر من مرة مما أدخل البلاد حالة من الغليان الداخلي وكانت لحظة الإعلان عن الرئيس الصومالي الجديد وقتها أشبه بلحظة مخاض عسير انحبست خلالها الأنفاس انتظارا للنتيجة المرتقبة ولمن يقود البلاد نحو وضع أفضل للمواطن الصومالي.
وبالفعل كانت البداية جيدة والترحيب الإقليمي والدولي كان كبيرا مشمولا بالأحلام الداخلية الوردية في نجاح الدكتور شيخ محمود في الخروج بالبلاد من النفق الضيق المظلم والانطلاق من عنق الزجاجة الى الفضاء الأرحب نحو التنمية والتطوير والرخاء بعد سنوات القحط الطويلة، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن.
فسرعان ما تلاحقت الأزمات وطاردت المشكلات المزمنة الحكومة وزاد عليها عودة الصدام بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات وبلغ التصعيد درجة كبيرة من الخطورة في هذا الصدد عندما صدر مؤخرا حكمان قضائيان متبادلين ضد زعيمين صوماليين بالحبس والاعتقال. فقد أصدرت كل من الحكومة الاتحادية الصومالية وولاية جوبالاند شبه المستقلة أوامر اعتقال متبادلة بحق زعيميها على خلفية النزاع المتصاعد بشأن إجراء انتخابات جوبالاند.
وقد نشب الخلاف بين شيخ محمود رئيس الصومال وأحمدمدوبي الفائز مؤخرا بولاية ثالثة في انتخابات رئاسة ولاية جوبالاند، وذلك لعدم إتاحة الفرصة للحكومة الاتحادية للتدخل. وأصدرت حكومة جوبا لاند مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي متهمة إياه بالخيانة والتآمر مع حركة الشباب وإساءة استخدام السلطة والاستيلاء غير القانوني على الأراضي وتقويض الوحدة الوطنية وذلك بحسب ما جاء في جريدة شبيلي. وفي مقديشو صدر حكم محكمة باتهام مدوبي بالخيانة والكشف عن معلومات سرية لجهات اجنبية.
ولاشك أنه وضع يعكس حالة احتقان داخلي شديد ويمثل تحديا إضافيا لجملة التحديات التي يعاني منها الصومال ويمر خلالها بمنعطف خطير .
تحديات داخلية
على مدار سنوات طويلة يواجه الصومال تحديات متشابكة ومعقدة بعضها ينبع من الداخل والبعض الآخر يرجع لأسباب خارجية في تداخل صعب يسفر عن عراقيل تعطل محاولات تحقيق الاستقرار والتنمية وتنعكس بالسلب بشكل كبير على المواطنين والشعب الصومالي.
بحكم طبيعة التركيب الاجتماعي القبلي في وسط جغرافي متنوع ومتشابك بمنطقة القرن الإفريقي، تأتي القبلية كأحد أخطر التحديات الداخلية التي تواجه الصومال كدولة كبرى مترامية الأطراف ومتعددة الولايات تحت لواء النظام الفيدرالي. وتؤدي هذه القبلية إلى اشتعال الخلافات بين الحكومة المركزية والولايات الإقليمية بسبب الصراع على الموارد والحدود والحقوق السياسية، الأمر الذي يضعف سيطرة الدولة ويقوض قدرتها على كفالة الوحدة الوطنية والتي بدورها تعكر صفو الأمن الاجتماعي وتنال من الاستقرار السياسي.
ويرتبط ذلك بتحد داخلي آخر وهو ضعف المؤسسات الحكومية بما يعيق قدرتها على قيامها بمهامها في تقديم الخدمات للشعب وحفظ الأمن. ويرتبط به انتشار الفساد كما هو الحال في مختلف الدول النامية بشكل أفقد ثقة المواطنين في وعود الحكومة والتهم ثمار أية محاولات حكومية للتنمية ومحاربة الفقر، ونتيجة لذلك ظهر تحد آخر على صعيد الجبهة الداخلية الصومالية وهو زيادة مستوى الفقر وتضخم حجم شريحة الفقراء في ظل انعدام الأمن الغذائي وتزايدت معها الصراعات الداخلية على الموارد.
ويمثل ظهور حركة الشباب وأنشطتها الإرهابية وسيطرتها على مناطق عديدة خاصة في الريف الصومالي واستهدافها للقوات الحكومية والمدنيين الأبرياء، تحديا داخليا خطيرا حيث أنه يهدد الأمن والاستقرار بشكل يخيف المستثمرين ويؤدي إلى هروب الاستثمار وتراجع مشروعات التنمية ما يعمق أزمة الفقر ومعاناة الفقراء ويزيد ثقل التحديات على كاهل الاقتصاد الصومالي وما يعانيه من تحديات عميقة ومتراكمة لسنوات.
بدورها ساهمت الطبيعة الداخلية الغاضبة في زيادة مخاطر التحديات لتضيف تحديا آخر يتمثل في التغيرات المناخية وتقلباتها نتيجة الاستخدام العالمي السئ للوقود الأحفوري والممارسات البشرية الضارة بالبيئة لتحقيق مكاسب اقتصادية يدفع ثمنها الشعوب الفقيرة ومنها الصوماليون والذين تعمقت آلامهم ومعاناتهم في ظل فترات الجفاف المتلاحقة والطويلة والذي انعكس سلبا على الأراضي الزراعية التي تآكلت وتراجع معها المنتوج الزراعي الذي يعد غذاء أساسيا للحيوان وكذلك الإنسان ومن ثم تكون المحصلة النهائية حدوث مجاعات خطيرة كالتي ضربت الصومال في عدة مناطق وعبر سنوات طويلة وتراجع الأوضاع الإنسانية بشكل خطير.
تحديات خارجية
لا تقتصر التحديات على الداخل وإنما توجد تحديات خارجية خطيرة ترتبط أساسا بما تشهده منطقة القرن الإفريقي من صراعات خفية وظاهرة على الحدود والموارد إلى جانب الأطماع التوسعية لإثيوبيا وممارساتها الاستفزازية للصومال واستهانتها بسيادته على أرض الصومال الإقليم الانفصالي غير المعترف به دوليا وذلك بدافع رغبة إثيوبيا الحثيثة للزحف للمياه الدافئة ووضع أقدامها على نافذة ساحلية تعوضها عن تحولها لبلد مغلق بعد انشقاق إريتريا عنها. كما تزداد مخاطر إثيوبيا في ظل تعاونها العسكري مع إسرائيل الذي يمكن أن يصل إلى تسهيل إقامة قاعدة عسكرية بالمنطقة تهدد أمن الجيران ومنهم الصومال الذي تثار مخاوفه من أن ينال هذا التعاون من ولاية أرض الصومال بما يتعارض مع سيادته القانونية عليها وينال من أمنه القومي.
كما تلعب التدخلات الخارجية من أطراف إقليمية ودولية دورها السلبي على سلام الجبهة الداخلية الصومالية خاصة مع ارتباطها بأجندة لتحقيق مصالح خاصة قد تتعارض مع المصالح الصومالية.
ويعد تدفق الأسلحة على الصومال من الخارج أحد التحديات الخارجية التي تساعد على تجدد الصراعات الداخلية وتهدد الاستقرار خاصة في ظل وجود جماعات عنف مسلحة مرتبطة بحركة الأإرهاب الدولي، تستغل الوضع لمواجهة الحكومة وتقييدها في تحقيق الأمن.
وتأتي مشكلة هجرة الشباب والعقول الصومالية المبدعة بصورة غير شرعية للخارج بمثابة نزيف خطير لمقدرات البلاد. وتزاد الصعوبة في الصومال مع حالة الارتباط المزمن بين التحديات الداخلية والخارجية والذي بدت مخاطره المثيرة للقلق بذلك الخلاف والعناد الأخير بين الحكومة من جانب وحكام الأقاليم من جانب آخر بشكل يزداد اتساعا، فلم يعد الخلاف قاصرا على ما بين مقديشو وولاية أرض الصومال لكنه امتد ليشمل أكثر من ولاية في تصعيد خطير للأمور نتيجة للمحاولات الداخلية للعبث بأمن البلاد واستقراره واستغلال حالة الخلاف داخل الدولة الفيدرالية لتأجيج التوتر أكثر وأكثر تحقيقا لمصالح أطراف خارجية.
العودة لطاولة الحوار
يعد الخلاف بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم من أخطر التحديات التي تشعلها التدخلات الخارجية وهو أمر ليس وليد اللحظة إنما يرجع لسنوات طويلة مما ساهم في إضعاف قدرة الدولة على السيطرة وزاد من ذلك الحروب الأهلية التي تسببت في انهيار الدولة المركزية في فترة من الفترات. ويخشى أن يكون الخلاف الحالي بين إدارة شيخ محمود وولاية جوبا لاند ليس الأخير وأن تنضم ولايات أخرى لدائرة الصراع بما يجر البلاد لأزمات أخرى.
لذلك يجدر بالحكومةالصومالية المركزية أن تفتح بابها للنقاش والعودةلطاولة التفاوض والنقاش الهادئ بعيدا عن التصريحات الغاضبة والقرارات الانفعالية وإعادة النظر بهدوء للقضايا الخلافية والوصول لحلول وسط ترضي الجميع وفق رؤية شاملة ترتبط بالحفاظ على مقدرات الوطن وثرواته وحدوده وتقطع الطريق على كل من تسول له نفسه استغلال أي خلاف داخلي لتحقيق أطماع خارجية. ولابد من إعادة مناقشة القضايا الحساسة المرتبطة بالانتخابات السياسية والتنسيق حول توزيع مسؤولية الأمن بين الحكومة والأقاليم وكذلك الاتفاق على الصلاحيات والحدود وتوزيع الثروات في أجواء هادئة بعيدا عن النعرات القبلية المتعصبة وتحت لواء الأمن القومي الصومالي بالدرجة الأولى…فيا أبناء الصومال اتحدوا واقطعوا الطريق على عدوكم المشترك المتربص بكم!